على رغم الحوادث التي سبق أن شهدتها المنطقة الحدودية بين إسرائيل والأردن على مدار 30 عاماً من اتفاق السلام بين البلدين، إلا أن العملية الأخيرة عند جسر الملك حسين التي أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين اتخذت أبعاداً سياسية وأمنية مختلفة، وذلك في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة وتحديداً الضفة الغربية التي تشكل حدود غور الأردن منطقة حيوية منها.
وجاء في تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" أن "توقيت العملية جاء لافتاً من حيث التحديات التي تواجهها إسرائيل سواء لناحية نوعية الهجمات التي تنفذها التنظيمات الفلسطينية داخل الخط الأخضر وعند الحواجز، أم لجهة رفع حدة القتال في الضفة ووضع هذا التطور في أولويات الأجهزة الأمنية والقيادة العسكرية لتشمل الحدود الشرقية تجاه الأردن، التي تشكل أطول حدود بين إسرائيل والدول المجاورة، وتصل حتى 309 كيلومترات، تبدأ بالقرب من إيلات عبر غور الأردن إلى منطقة الحمة وجنوب مرتفعات الجولان. وتشكل هذه المناطق الخاصرة الأضعف للأمن الإسرائيلي المنشغل في جنين وطولكرم والقدس بعيداً مما يجري في هذه المناطق".
وقال التقرير إن "عملية جسر الملك حسين أضافت إخفاقات جديدة للقيادتين السياسية والأمنية في إدارة الحرب، وعليه تطالب جهات أمنية بتشكيل لجنة تحقيق خاصة إلى جانب لجنة تحقيق إخفاقات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حول إخفاقات القيادة في إدارة الحرب المستمرة منذ 11 شهراً. ورفضت الحكومة الإسرائيلية المصادقة على مطالب عدة توجهت بها الأجهزة الأمنية، لضمان أمن منطقة الحدود مع الأردن والنظر في استراتيجية التعامل معها".
وركز اجتماع الكابينت الموسع مساء الأحد الذي كان حدد لبحث التعامل مع الجبهة الشمالية، بعد أن بات شبه مؤكد فشل التوصل إلى صفقة أسرى على الحدود الشرقية والمعابر بين الأردن وإسرائيل، وتداعيات عملية جسر الملك حسين بعد أن بدأت لجنة إسرائيلية التحقيق في الحادثة بالتعاون مع لجنة أردنية بعد لقاء أمني عقد بين الطرفين بمشاركة ممثلين عن الجيش الإسرائيلي و"الشاباك". وأعلنت إسرائيل أنها تواصل احتجاز ثلاثة أردنيين لاستمرار التحقيق معهم في شأن منفذ العملية ماهر ذياب الجازي، وكيف تمكن من إدخال السلاح.
ووفق التقرير: "الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية أجمعت على أن إيران هي الجهة التي تقف خلف تأجيج الأوضاع الأمنية عند الحدود الشرقية وتشجع على زعزعة الوضع الداخلي في الأردن، وتتهمها بالعمل على تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية لتعزيز قدرات التنظيمات الفلسطينية في حربها ضد إسرائيل".
في اجتماع الكابينت مساء الأحد عرضت الأجهزة الأمنية تداعيات العملية على الوضع العام في الضفة، وحذرت من خطوات إسرائيلية استفزازية من شأنها تأجيج الأوضاع أيضاً داخل الأردن، وفي مقدمها ما يخطط له وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للحرم القدسي. واعتبر قادة الأجهزة الأمنية في الكابينت أن من شأن الزيارات الاستفزازية تأجيج الأوضاع ليس فقط في الضفة والأردن إنما أيضاً في مختلف الدول المحيطة، كما حذرت الأجهزة الأمنية أيضاً من مخططات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش حول تعزيز الاستيطان في غور الأردن، ومن جهة أخرى سياسته تجاه السلطة الفلسطينية من حيث العقوبات الاقتصادية وعدم تحويل الأموال لها، واستمرار الإغلاق المحكم على الضفة والعمال على وجه الخصوص.
وحذرت الأجهزة الأمنية في اجتماع الكابينت الجهات السياسية من استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الاقتصادية لدى الفلسطينيين، وخطر تفجير الوضع إلى حد تصعيد سيكون من الصعب السيطرة عليه وانعكاساته على الجبهات الأخرى. ودعوا إلى السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل للعمل، بعد نحو سنة من منعهم عقب هجوم السابع من أكتوبر.
هذه الأسباب بحسب أجهزة الأمنية تسهم بشكل مباشر في تأجيج الأوضاع في الضفة وغور الأردن وتنعكس مباشرة على الخارج، وكون الأردن الأقرب من منطقة الغور والضفة وفيه النسبة الأكبر من الفلسطينيين، فذلك يهدد بتصعيد أمني وزعزعة الاستقرار في الداخل الأردني.
ويرى المسؤول السابق في "الشاباك" عدي كرمي أن العملية ترفع العلم الأحمر في وجه إسرائيل، وتحذر من خطورة تدهور الوضع في هذه المنطقة الحدودية، لكنه أضاف "يبقى الاختبار أمام الحكومة والكابينت والأجهزة الأمنية في كيفية التعامل مع الأقصى، لأن على رئيس الحكومة وبشكل فوري منع الوزير بن غفير من تنفيذ مخططه لإشعال هذا المكان المقدس للعالم الإسلامي لأن انعكاساته الخطرة لن تكون على الأردن فحسب، إنما ستنعكس أيضاً على الجبهات الأخرى التي نخوضها في هذه الحرب".
بدوره يرى الرئيس السابق لوحدة العمليات في الجيش الإسرائيلي يسرائيل زيف أن هذه العملية يجب أن تكون بمثابة تحذير لإسرائيل بعدم إدخال أو إقحام الأردن بجبهة الحرب، "هناك علاقة وثيقة للغاية بين الأردن والضفة وأيضاً بين السكان أنفسهم، وأية جهة من الحدود من شأنها أن تنعكس بشكل خطر على الجهة الثانية، والخطر الأكبر أن إيران تكثف جهودها لزعزعة الوضع الداخلي في الأردن".
ويضيف زيف "ما شاهدناه من تظاهرات واحتجاجات وأيضاً من توزيع الحلويات بعد مقتل ثلاثة إسرائيليين، هو مؤشر خطر جداً، ويؤكد أن قلقنا من مساعي إيران إلى إسقاط النظام في المملكة في محله". وحذر زيف متخذي القرار في إسرائيل بقوله "حدوث وضع كهذا يضعنا في مكان لا يمكن تصوره، ويطرح أخطر السيناريوهات التي نتوقعها".
الخبير العسكري عوديد عيلام يرى أن طهران و"حزب الله" يعتبران الأردن جسراً استراتيجياً لإسرائيل، "الحدود المفتوحة مع سوريا والعراق أصبحت محاور تهريب للسلاح والذخيرة، فيما أن النفوذ الأيديولوجي لإيران يتسلل ويهدد الاستقرار الداخلي".
وفي نظر عيلام "حتى وإن كان هناك اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل إلا أن العلاقات الخاصة بين شخصيات إسرائيلية والملك حسين لم تنتقل إلى ابنه بالوراثة، ففي الساحة الدولية يعتبر الأردن معارضاً حاداً لإسرائيل. التحريض إلى تصاعد والعداء لإسرائيل ينال الزخم في الأردن، إذ تبين في هجوم المعبر أن العملية مخطط لها وليست عفوية. كل حدث كهذا يهز منظومة العلاقات الهشة بين إسرائيل والأردن"، بحسب عيلام الذي يتوافق موقفه وتقرير الأجهزة الأمنية حول التداعيات الخطرة لعملية المعبر، وبرأيه فإن "سقوط الأسرة المالكة الهاشمية سيشكل ضرراً استراتيجياً جسيماً لإسرائيل، وسيسمح لإيران نيل موطئ قدم حقيقي عند الحدود الأطول لها، بالتالي فإن إسرائيل تقف أمام تحد غير بسيط"، بحسب عيلام.
وفق التقرير: "دعت جهات أمنية إسرائيل إلى بذل الجهود لتجنيد الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة للوقوف أمام هذا التطور الأمني، "إسرائيل ملزمة بأن تجند الأميركيين والدول العربية المعتدلة لتعزيز ودعم المملكة الأردنية في وجه التآمر الإيراني. وتجنيد التحالف الدولي لضرب إيران التي تحاول ضعضعة الاستقرار في المنطقة"، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة "معاريف"، وأضاف "في هذه الأثناء على الجيش الإسرائيلي أن يعمل بسرعة ويعزز عناصر الأمن في الحدود الشرقية كي يمنع العملية التالية"، كما جاء من تحذير أمني في التقرير.
وبحسب تقرير إسرائيلي فإن إيران، وبعد أن لاحظت تفكك "حماس" في غزة، "تبذل الجهد في الضفة وفي غور الأردن وتعمل بشكل منظم مع أهداف محددة وخطة عمل. إذ لاحظ الإيرانيون تصدعاً في الأردن، وهذا عامل جيد بالنسبة إليهم، وهم يحتاجون إلى المجال الجغرافي الأردني لتصدير ما يسمونه ’الثورة الإسلامية‘".
ويقول التقرير إنه في سياق خلق تواصل لتصدير مخططهم وبعد أن نجحوا في العراق وسوريا ولبنان، هم "ملزمون باستكمال أعمالهم في الأردن، وهذا هو السبب الذي جعلهم يهربون إلى داخل الأردن خلايا إرهاب نائمة، وبالتوازي فتحوا محاور تهريب لوسائل قتالية ومخربين ونشطاء عبر الأردن".
في أكثر من تقرير إسرائيلي تؤكد جهات أمنية أن الحدود الشرقية مع الأردن باتت تشكل خطراً كبيراً على تل أبيب، كونها أكثر الحدود مخترقة ومهملة ومعظم مقاطعها مفتوحة، كما أن أسلاكها الشائكة مهترئة.
وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غلانت كان عرض على الحكومة تخصيص موازنة خاصة لإقامة عائق أو حاجز بري بسبب التطورات الخطرة بعد أشهر على هجوم السابع من أكتوبر، إلا أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموطرتش رفضا ذلك.
وبحسب تقرير أمني حول الموضوع فإن الأسلحة والمواد المتفجرة والمال، كلها تتدفق من إيران عبر الحدود مع الأردن إلى التنظيمات الفلسطينية في الضفة. وطرحت هذه المعطيات أمام الكابينت الموسع حتى قبل تنفيذ العملية الأخيرة في معبر الملك حسين، لكن المسؤولين لم يتعاملوا مع الموضوع بجدية وبقيت الحدود على حالها، وفق ما أكد التقرير الذي ذكر أن "إسرائيل لا تعمل على إغلاق الثغرة الشرقية لقواتها، فلا عائق ولا وجود لقوات عسكرية منتشرة على طول الحدود أو في الأقل في المقاطع المفتوحة، حتى أنه لا توجد منظومات أخطار بل إن جميع الجوانب الأمنية متروكة في أيدي الأردنيين"، وفق التقرير.