تقرير حقوقي يوثق كيف أعدم الاحتلال الأطفال الرضع خلال الحرب.. فصلت رؤوسهم والصواريخ لاحقت الأجنَّة

25ipj-6-730x438.jpg

أظهر تقرير حقوقي جديد نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، واستند إلى شهادات من أهالي الضحايا الأطفال، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل 2100 طفل رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، ضمن نحو 17 ألف طفل قتلهم في قطاع غزة منذ بداية “جريمة الإبادة الجماعية “التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، ما يتسبب بآثار خطيرة على معدلات النمو السكاني والقدرة الإنجابية لأجيال قادمة.

مجازر مقصودة

وذكر الأورومتوسطي في بيان له أن عدد الأطفال الفلسطينيين، سواء الأطفال الرُضع أو الأطفال عمومًا، الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي يعد “مفزعا وغير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب”، لافتا إلى أن هذا العدد يعبر عن “نمط خطير وقائم على نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة باستهدافهم وأطفالهم على نحو متعمد ومنهجي وواسع النطاق دون توقف منذ عشرة أشهر، وبأكثر الطرق وحشية وأشدها فظاعة”.

وأكد المرصد أن العديد من الأطفال قُطعت رؤوسهم وأعضاء أجسادهم بفعل القصف الإسرائيلي شديد التدمير على تجمعات المدنيين، وبخاصة المنازل والمباني والأحياء السكنية ومراكز الإيواء وخيام النازحين قسرًا، بما يشكل انتهاكا صارخا لقواعد التمييز والتناسب والضرورة العسكرية واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وذكر أن فريقه الميداني وثق استشهاد التوأمين الرضيعين آسر وآيسل محمد أبو القمصان، اللذين لم يتجاوز عمرهما الأربعة أيام، مع والدتهما جمان وجدتهما في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في دير البلح وسط قطاع غزة.

وأبرز الأورومتوسطي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمتلك تكنولوجيا متطورة، وهو يعلم في كل مرة يستهدف فيها منزلًا أو مركز إيواء من داخله من المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، ومع ذلك يقصفها بصواريخ وقنابل ذات قدرة تدميرية كبيرة، متعمدًا بذلك إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في أرواح المدنيين وإحداث الإصابات الشديدة، بدلالة النمط المتكرر والمنهجي وواسع النطاق للاستهداف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة، والأسلحة شديدة التدمير والعشوائية، وبخاصة ضد المناطق ذات الكثافة السكانية المدنية المكتظة.

وشدد الأورومتوسطي على أن حالة الرضيعين آسر وآيسل، هي حالة متكررة، وأضاف “فيوميًّا يسجل ضحايا من الأطفال وبينهم أطفال رضع”.

قطع رؤوس الأطفال

ونشر الأورومتوسطي إفادة عبد الحافظ النجار (42 عامًا) والد الطفل أحمد الذي قطع رأسه واستشهد مع ثلاثة من أشقائه ووالدتهم وعدد كبير من الضحايا، في مجزرة إسرائيلية استهدفت نازحين في الخيام في منطقة “البركسات” غرب رفح جنوبي القطاع في 26 مايو/ أيار الماضي، حيث قال لفريق الأورومتوسطي “طفلي أحمد كان شكله جميلًا جدًا، عمره عام ونصف، قُطع رأسه في القصف الإسرائيلي، كان رأسه مفصولًا عن جسده، عندما شاهدته شعرت بالقهر، لقد دفن بدون رأسه”.

وذكر الأورومتوسطي أن طفلين رضيعين آخرين هما وسام ونعيم أبو عنزة، وعمرهما ستة أشهر، استشهدا كذلك مع والدهما و11 من أفراد العائلة في غارة نفذها الطيران الإسرائيلي على حي السلام في رفح يوم 3 مارس/ آذار الماضي.

وأفادت رانيا أبو عنزة، والدة الطفلين، أنها أنجبتهما بعد عشر سنوات خاضت خلالها محاولات تلقيح عدة وزراعة داخل الرحم، لتحقق حلمها في أن تصبح أمًا، وقالت “زرعوا لي 3 أجنة، بقي منهم اثنان، وها هما ذهبا، بعد عشرة أيام من مقتلهما، كانا سيتمان الستة أشهر، وأضافت “قصفوا الدار، زوجي وأولادي والعائلة استشهدت في المجزرة”.

كما نشر المرصد شهادة السيدة شيماء الغول، والتي كانت حاملًا في الشهر التاسع عندما تعرض منزلها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة للقصف في 12 فبراير/ شباط الماضي، ما أدى إلى استشهاد زوجها وابنيها محمد وجنان، وأصيبت هي بشظية في بطنها وصلت إلى الجنين، وأفادت الغول بأن زوجها عبد الله أبو جزر كان أعد لها “التمر والحلوى وشنطة الميلاد فرحًا بمولوده المُنتظر قبل أن يستشهد مع طفليه”، وذكرت أنها وضعت طفلًا أسمته عبد الله، تيمنًا باسم والده، لكنه عاش يومًا واحدًا، إذ توفي متأثرًا بإصابته بالشظية، لتفقد أطفالها الثلاثة مع زوجها.

وأكد الأورومتوسطي أن العشرات من الأطفال الخدج كانوا استشهدوا في المستشفيات نتيجة انقطاع الأكسجين والكهرباء وغياب الرعاية واستهداف المستشفيات على مدار الأشهر العشر الماضية.

تأثير مباشر على معدلات النمو

وقال “إن إسرائيل مستمرة بقتل الآلاف من الرجال والنساء الفلسطينيين في قطاع غزة، معظمهم في سنواتهم الإنجابية، ومنهم كذلك النساء الحوامل، وآلاف من الأطفال، بمن في ذلك الأطفال الرضع. ومما لا شك فيه أن عمليات القتل المنهجية وواسعة النطاق التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين، الذين بلغت نسبتهم 92% على الأقل من مجموع عدد القتلى لجريمة الإبادة الجماعية، والبالغ نحو 50 ألف فلسطيني وفلسطينية، بينهم الآلاف تحت الأنقاض، بالإضافة إلى جرح وإصابة حوالي 88 ألفًا أخرين، سيكون لها تداعياتها السلبية على معدلات النمو السكاني والقدرة الإنجابية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، ولأجيال قادمة”.

وأكد أن هذا القتل سيترك عواقب خطيرة على الفلسطينيين كـ”مجموعة قومية وعرقية” لعدة أجيال، وذلك وفقًا للمعنى الوارد بخصوص أفعال الإبادة الجماعية بموجب المادة (2) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

2100 رضيع قتلوا والمجازر تترك عواقب خطيرة على الفلسطينيين كـ”مجموعة قومية وعرقية”

وأشار إلى أن حالات وفاة تسجل يوميًّا في صفوف الأطفال الرضع كنتيجة مباشرة للجرائم التي تأتي ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في القطاع، وبخاصة التجويع والتعطيش ومنع وعرقلة إدخال المساعدات الأساسية، كالحليب، والحرمان من الرعاية الصحية، وأغلب هؤلاء لا يسجلوا ضمن أعداد الضحايا المعلن عنها من وزارة الصحة الفلسطينية، لعدم وجود آلية محددة لاعتماد هذا النوع من الضحايا.

وأضاف أن الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة وفي ظل جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ عشرة أشهر، باتوا لا يتمتعون بأي نوع من أنواع الحماية التي يقررها القانون الدولي، وقد حرموا من حقوقهم الأساسية، حيث أصبحوا أهدافًا رئيسة ومباشرة ومتعمّدة للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك القتل العمد والإعدامات المباشرة، لافتا أيضا إلى أن الأطفال باتوا ضحايا لجرائم الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتشويه المتعمد، والإصابات والمعاناة النفسية الشديدة، والتجويع، والحصار، والتهجير القسري، وتدمير المدارس، والحرمان من التعليم، وتدمير القطاع الصحي، والحرمان من الرعاية الصحية.

وشدد المرصد على أن هذه الجرائم لن تنتهي آثارها بانتهاء الحرب، وستبقى تلازمهم طوال حياتهم، وأضاف “هذه من أبرز أهداف جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية تجليًّا”، لافتا إلى وجود الآلاف من الأطفال الذين فقدوا آباءهم أو أمهاتهم، والآلاف من الأطفال الذين بترت أطرافهم وتعرضوا لدرجات خطيرة من الحروق وإصابات أخرى خطيرة، كما تعرضت الغالبية العظمى من الأطفال لصدمات نفسية قد يصعب علاجها، فيما يعاني غالبية الأطفال من الجوع وسوء التغذية والجفاف، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على نموهم في المستقبل وعلى قدراتهم الجسدية والعقلية والتعليمية.

وأوضح أنه بسبب الحرب والتدمير خسر معظم أطفال قطاع غزة بيوتهم، وأمنهم الاقتصادي الخاص بهم وبعائلاتهم، إلى جانب حرمانهم من التعليم، وهو ما سيكون له آثار خطيرة على مستقبلهم وقدرتهم على تمتعهم بحقوقهم الأخرى، ويجعلهم أكثر عرضة للفقر والبطالة والاستغلال، وأقل قدرة على الإسهام في إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في القطاع بعد انتهاء الهجوم العسكري الإسرائيلي، وبالتالي دفع الفلسطينيين للهجرة القسرية بشكل مباشر وغير مباشر.