فاجأت حركة حماس الكثيرين محلياً وإقليماً ودولياً، واختارت رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار خليفة لرئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية الذي اغتيل فجر الأربعاء 31 تموز/ يوليو بانفجار صاروخ أو عبوة ناسفة خلال حلوله ضيفاً على العاصمة الإيرانية طهران التي سارعت إلى اتهام إسرائيل وتحميلها المسؤولية والتوعد برد مؤلم ورادع على جريمتها. فما دلالات هذا الاختيار، أولاً على حركة حماس التي يتوزع العمل فيها بين جناحين: سياسي كان هنية يمثله بامتياز، وعسكري كان ولا يزال يمثله السنوار بامتياز، بحيث قيل إنه مهندس "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، وكذلك على إسرائيل نفسها المتهمة الأولى في جريمة اغتيال هنية الذي كانت تسبغ عليه صفة "الاعتدال"، فهل كانت تتوقع أن يكون خليفته يحيى السنوار الذي يقود بنفسه المعارك العسكرية من داخل الأنفاق أو من مخبئ سريّ فوق الأرض؟
كُتاب ومحللون سياسيون قالوا، في أحاديث منفصلة لـ"القدس" دوت كوم، إن اختيار السنوار خلفاً لإسماعيل هنية يحمل دلالات سياسية عميقة تهدف إلى إرسال رسائل متعددة على الصعيدين المحلي والدولي، أبرزها تعزيز موقف الحركة وإبراز تماسكها في وجه الضغوطات والتهديدات الإسرائيلية.
غزة تعود مركزاً لصنع القرار في حماس
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض أن اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس يأتي كرد مباشر على اغتيال إسماعيل هنية، بهدف تجريد إسرائيل من أي إنجاز باغتيال هنية يمكن أن تتفاخر به، فاختيار السنوار يعني رسالة لإسرائيل بأنه إذا قتلتم رجلاً معتدلاً فإن البديل أكثر تشدداً.
وقال عوض إن اختيار السنوار يؤكد عودة غزة كمركز لصنع القرار في حركة حماس، مشيراً إلى أن اختيار السنوار يعكس انحيازاً لنهجه الذي يتميز بالاستعداد والاشتباك، وبقرب الحركة من إيران.
وأوضح عوض أن هذا القرار لم يكن بالانتخاب، بل كان بالاختيار، لقطع الطريق على أي جدل داخلي قد ينشأ في الحركة بين جميع الأفكار والتوجهات والفئات، لذا حسم اختياره الكثير من الجدل الداخلي.
ولفت عوض إلى أن تاريخ حركة حماس لم يشهد انقسامات أو تشققات، وأن لوائحها الداخلية قادرة على تجاوز أيّ خلافات أو جدل.
"طوفان الأقصى" خيار حماس الاستراتيجي
ولفت عوض إلى أن اختيار السنوار يعكس إصرار حركة حماس على الاستمرار في المواجهة والاشتباك، ولتبرهن أن معركة "طوفان الأقصى" هي خيار الحركة الاستراتيجي.
وحول تاثير اختيار السنوار على المفاوضات، قال عوض إنه يعني قرب السنوار من اتخاذ القرار السياسي والعسكري، لكن موقف حماس ليس العائق الرئيسي، بل إن إسرائيل هي التي ترفض التفاوض.
وأشار عوض إلى أن اختيار السنوار جاء رداً على تعنت إسرائيل، وللتعامل مع المرحلة الإقليمية التي تسعى إسرائيل لفرضها.
ويرى عوض أن هذا قرار اختيار السنوار يُخفف الضغط عن قيادات حركة حماس المقيمين في العواصم العربية، وعن تلك الدول أيضاً.
وأوضح عوض أن السنوار شخصية قوية وقادرة على إدارة جميع الملفات والإمساك بكل الأوراق، ما يجعله صانع القرار والقول الفصل في غزة.
رسائل عدة لإسرائيل والمجتمع الفلسطيني ودول الإقليم
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات إن هذا الاختيار تم بالتشاور مع الحلقة الضيقة داخل مؤسسات الحركة بسبب عدم إمكانية إجراء الانتخابات على نطاق أوسع.
ولفت بشارات إلى اقتراحات عدة قدمت لاختيار قائداً جديداً لحركة حماس خلفاً لهنية، لكن تم الاتفاق بالإجماع على اختيار السنوار.
وأشار إلى أن هذا الاختيار يحمل رسائل متعددة، منها: رسالة للاحتلال الإسرائيلي تؤكد فيها حماس من خلال اختيار السنوار أن محاولات إسرائيل لإضعاف أو القضاء على الحركة خلال الأشهر العشرة الماضية لم تنجح، وأن الحركة لا تزال قوية في غزة، وأن قوتها الحقيقية لا تزال قائمة.
وأضاف: "أما الرسالة الأخرى فهي، للمجتمع الفلسطيني خصوصاً أهالي قطاع غزة، حيث تعزز القيادة الجديدة للسنوار المتواجد في قطاع غزة من ثقة المواطنين في حركة حماس، وتبعث برسالة مفادها أن القيادة موجودة بينهم".
تماهي الموقفَين السياسي والعسكري لحركة حماس
وحسب بشارات، هناك رسالة للدول الإقليمية والعربية، بحيث تظهر حركة حماس من خلال هذا الاختيار تحررها من أي ضغوط سياسية قد تُمارس عليها بشأن مكتبها السياسي وقيادتها، كأنها تؤكد أن قرارها الرئيسي يتخذ في قطاع غزة.
وتابع: هناك رسالة أُخرى تتعلق بالمنهج، الذي يتبعه السنوار، بحيث يظهر الاختيار التماهي بين الموقفين السياسي والعسكري لحركة حماس، ما يعكس التوجه نحو الدمج بين الجانبين.
أما بشأن تداعيات اختيار السنوار، قال بشارات إنه ورغم أهمية الاختيار، فإن تأثيره على رؤية حماس ومنهجها السياسي لن يكون كبيراً، إذ إن حركة حماس تعتمد على مؤسساتها وبرامجها وليس على الأفراد فقط، كما أن اختيار السنوار يعزز العلاقة مع محور المقاومة ويعزز وحدة الساحات.
وفي ما يتعلق بتأثير اختيار السنوار على سير المفاوضات بشأن صفقة التفاوض، أوضح بشارات أن التعطيل يأتي من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن السنوار لم يكن غائباً عن عملية المفاوضات، حيث كان له رأي مؤثر فيها.
وتوقع بشارات أن التحدي الأكبر لحماس سيكون في قدرة السنوار على إدارة نافذته السياسية وتعزيز العلاقات الخارجية، لكن يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال مؤسسات الحركة وأعضاء مكتبها السياسي في الخارج.
حماس صامدة ومتماسكة ولديها مؤسسات فعالة
أما الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم، فاعتبر أن اختيار السنوار لتولي منصب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحمل بُعداً سياسياً أساسياً إلى جانب بعده الرمزي.
وأكد سويلم أن هذا الاختيار هو رد فعل مباشر على إسرائيل وداعميها، سعت حماس من خلاله إلى إرسال رسالة قوية مفادها أنّ الحركة صامدة ومتماسكة ولديها مؤسسات فعالة تُواصل عملها بشكل منتظم.
وأشار سويلم إلى أن السنوار، بالرغم من كونه رمزاً للصمود والتماسك، لن يكون قادراً على ممارسة مهامه بصورة مباشرة، وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة عمله وظروفه الحالية.
وأضاف مُوضحاً: "بدلاً من ذلك، سيقوم نواب السنوار ومؤسسات الحركة بإدارة العمليات اليومية، فيما سيبقى هو رمزاً لمواجهة التحديات والتمسك بالثوابت".
تعزيز تماسك الحركة الداخلي
من ناحية أخرى، لفت سويلم إلى أن اختيار السنوار كان مدفوعاً بأهداف سياسية واضحة، حيث يعكس هذا الاختيار تقديراً كبيراً للشخصية التي يحظى بها السنوار على الصعيد الشعبي، وكذا العربي والإسلامي، ويأتي هذا اختياره كنوعٍ من استجابة حماس للمد الجماهيري وتوظيف تلك الشخصية لمصلحة الحركة.
وأكد أن حركة حماس لا تواجه أيّ مشكلات بشأن اختيار شخصية السنوار لرئاسة المكتب السياسي لها، بل على العكس، فإن هذا الاختيار يعزز من تماسك الحركة الداخلي.
ويرى سويلم أن هذا التغيير في القيادة واختيار السنوار لن يؤثرا على سير المفاوضات، حيث كان السنوار يشارك في متابعة سير المفاوضات مسبقاً، وكل خطوة تُتخذ كانت تتم بموافقته، وبالتالي فإن استراتيجية الحركة والمفاوضات ستظل كما هي دون تأثيرات سلبية تُذكر من هذا التعيين.
تصعيد إسرائيلي لن يؤدي إلا لمزيد من التشدد
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي د. رائد نعيرات إن اختيار يحيى السنوار لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس يحمل دلالات استراتيجية وتكتيكية مهمة.
وأضاف: "من الناحية التكتيكية، فإن حماس تسعى من خلال تعيين السنوار إلى إرسال رسالة قوية مفادها بأن الاغتيالات لن تؤثر على الحركة، وأنها تستمر في عملها المؤسسي".
ووفق نعيرات، فإن اختيار شخصية مثل السنوار، الذي يُنظر إليه من قبل الجانب الإسرائيلي على أنه متشدد، يهدف إلى التأكيد على أن التصعيد الإسرائيلي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشدد من قبل حماس، ويعيد الحركة إلى الميدان.
وتابع: "أما من الناحية الاستراتيجية، فإن هذا الاختيار يمثل تحولاً في سياسة حماس التي حافظت على فصل العمل السياسي عن العسكري منذ عام 1994، مشيراً إلى أن حركة حماس كانها تعيد السياسي الى الميدان اي دمج العمل السياسي مع العسكري، خاصة في ظل غياب أفق للحل وانهاء الحرب.
السنوار شخصية ملهمة للجيل الشاب
ويرى نعيرات أن هذا الاختيار للسنوار يُعيد الهيبة لحماس في الأوساط الشعبية الإسلامية والعربية، حيث يُعتبر السنوار شخصية ملهمة للجيل الشاب.
وأعرب عن اعتقاده أن السنوار قادر على قيادة حركة حماس بكافة أذرعها، خصوصاً في مرحلة يهيمن فيها العمل العسكري على الأنشطة الأُخرى.
وفي ما يتعلق باختيار خليفة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بشكل سريع، يبين نعيرات أن حماس تتمتع بآلية سريعة وفعالة في اتخاذ القرارات بفضل وجود مجلس شورى ومؤسسات قيادية جاهزة للتعامل مع التغييرات، كما أن الحركة تعتمد على برنامج عمل مستمر، ولا تركز على الأفراد فقط.
وحول تأثير اختيار السنوار على سير المفاوضات بشأن الصفقة، قال نعيرات إن هذا الاختيار منطقياً سيؤثر على المفاوضات، التي تعثرت بسبب قرار إسرائيلي، مشيراً إلى أن حماس تريد إيصال رسالة بأنها قدمت لإسرائيل ما لديها من مطالب، والآن يتعين الانتقال إلى مرحلة التنفيذ.
إصرار على نهج المقاومة والثبات
أما المحلل السياسي المقدسي عبد اللطيف غيث، فقال: إن اختيار السنوار كان مفاجئاً للعديد من المتابعين، وجاء استجابة لطبيعة المرحلة الراهنة، باعتبارها مرحلة صدام وقتال، وهذا يعكس إصرار على نهج المقاومة والثبات على المواقف.
وأضاف: "إن هذا الاختيار جاء بمثابة رسالة واضحة وقاطعة لإسرائيل وأمريكا وهي أيضا رسالة خاصة لنتنياهو الذي يرفض وقف اطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، وكأّن حماس تقول "إنه مقابل هذا العناد نحن نقدم رجل الحرب وهو السنوار ليكون العنوان للحرب".
وأعرب غيث عن اعتقاده أن هذا الاختيار السريع يعكس الانسجام والاستقرار لدى قيادة الحركة والمقاومة، خاصة أن الاختيار جاء بالإجماع.
لا تأثير على سير المفاوضات
ويرى غيث أن تعيين السنوار ينطوي على رسالة معنوية ورمزية وقيمية، لإنه اختيار قائد حي وعلى رأس عمله القتالي وفي ظروف مختلفة.
وأضاف: إن اختيار قائد عسكري هو بحد ذاته رد على اغتيال إسماعيل هنية القائد السياسي لحركة حماس.
وحول انعكاسات اختيار السنوار على المفاوضات، قال غيث: إن حركة حماس قالت من كان يقود المفاوضات سيبقى مستمراً في قيادة العملية، مشيراً إلى أن هذا الاختيار يعطي صفة الصلابة والاستمرار في موقف المفاوض الفلسطيني بوقف إطلاق نار حقيقي والانسحاب من كل المناطق وإعادة الإعمار.
ويرى غيث أن عملية المفاوضات من الجانب الفلسطيني لن تتغير بقواعدها الأساسية، ولن يطرأ عليها أي تراجع على الإطلاق، بل على العكس سيكون هناك إصرار وصلابة في المواقف.
حسم لتجاذبات داخلية في حركة حماس
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني د. منذر حوارات لـ "ے": إن اختيار السنوار فوزٌ لغزة وحسمٌ لتجاذبات داخلية في حركة حماس. الاختيار كان بمثابة القول "من ينزف دماً هو من يتخذ القرارات".
ورأى أن اختيار السنوار رسالة قوية لإسرائيل، وهي أن حماس ماضية في المقاومة ولن تتنازل عن الثوابت، وبالتالي هذا يعطي إسرائيل مؤشراً على أن حركة حماس لا تزال مستمرة، مضيفاً: إن اختيار السنوار دليل على أن صانع "طوفان الاقصى" هو القائد السياسي ويدير المعركة في قطاع غزة وستفهم إسرائيل ذلك.
وأشار إلى أن تداعيات اختيار السنوار على المفاوضات تشير إلى أن الصقور هم أقدر من الحمائم على اتخاذ القرارات، وبالتالي من الممكن أن يقود اختيار السنوار إلى اتخاذ قرار حازم على صعيد المفاوضات، تغيب عنه التنازلات، ربما تقبل إسرائيل بذلك، لكن في الغالب سترفض.
وأكد أن المشكلة أن السنوار في غزة، وبالتالي فرصة استخدامه قوته السياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي تصبح غير موجودة بسبب الملاحقة الاسرائيلية له، ما قد يؤدي إلى الإقلال من مدى تأثيره السياسي على كافة الأطراف.
رسالة لإسرائيل: اغتلتم هنية فجاءكم السنوار
وقال د. حسام الدجني، أُستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة بغزة، لـ"ے": ثمة رسائل وراء تكليف السنوار، أهمها: إن حماس مؤسسة قوية، فهي رغم الحرب والقصف، تجري مشاورات بين مؤسساتها وتنتخب قائداً لها، والرسالة الثانية لإسرائيل مفادها أنكم اغتلتم هنية، فجاءكم السنوار، وما لهذا الاسم من أثر على الاحتلال.
وأشار الدجني إلى أن الدلالات والتداعيات لهذا الاختيار في تقديري هو تأكيد على أهمية طوفان الأقصى والخيار العسكري مع الاحتلال، في ظل تراجع خيارات التسوية بسبب حكومة اليمين الإسرائيلية.
وقال: "إن تكليف السنوار ستكون له انعكاسات على المفاوضات، وستكون أمام نتنياهو خيارات صعبة، حيث سيضطر إلى عدم المس بالسنوار والسماح له بالتنقل والظهور في حال وصلت الصفقة إلى مراحل متقدمة، ومن الممكن أن يتخذ السنوار قرارات قوية بدون تنازلات. وبتقديري الرسالة المهمة التي وصلت لإسرائيل هي رحيل هنية ومجيء السنوار.
ضرورة تحسين العلاقات مع مصر ودول الخليج
وبخصوص علاقات السنوار بالخارج، قال الدجني: إن السنوار تربطة علاقات قوية مع محور المقاومة، وإن هذه المرحلة تتطلب شخصاً مثل السنوار في ظل إشراك هذا المحور في القتال ضد اسرائيل.
وحول علاقة حماس مع باقي أطراف الإقليم، أضاف الدجني: "هذا ربما من أهم التحديات في شخص السنوار وهوية نائبه، أعتقد أن على حماس أن تراعي شبكة علاقاتها الخارجية في الإقليم، وأن تكون هناك مرحلة جديدة لها، وأن تكون للسنوار شبكة علاقات قوية مع الدول العربية، سيما الخليجية ومصر على وجه التحديد".