شهدت مدينة الإمارات الإنسانية التي يعيش فيها مئات الغزيين من العائلات الفلسطينية المصابة بأمراض، أو الجريحة جراء الحرب، أو التي تُعالج لإصابتها بمرض السرطان تجربة فريدة خلال الشهور القليلة الماضية، ومنذ نهايات العام الماضي، في سياق الرعاية الإماراتية.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، قد وجّه في وقت سابق، بتقديم العلاج والرعاية الصحية لـ1000 طفل فلسطيني من الجرحى، و1000 من المصابين بأمراض السرطان من قطاع غزة في مستشفيات الدولة، حيث وصلت الدفعة الـ17 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان من قطاع غزة عبر مطار العريش المصري، لتلقي العلاج في مستشفيات الدولة، مع مرافقين من عائلاتهم، وتم نقل الجرحى والمصابين فوراً إلى مستشفيات مدينة أبوظبي لتلقي العلاج، فيما تم نقل بقية الحالات الأقل خطورة والمرافقين إلى مدينة الإمارات الإنسانية مقر إقامتهم، والتي تقدم خدمات متواصلة لهذه العائلات الفلسطينية، وتمثل نموذجاً ريادياً على صعيد العمل الإنساني في العالم.
دعم الفلسطينيين
وبالإضافة لخدمات العلاج والمتابعة الصحية، والإعاشة داخل مدينة الإمارات الإنسانية، والتعليم، والترفيه.. تقدم مدينة الخدمات الإنسانية رعاية خاصة للعائلات الفلسطينية، من خلال مؤسسة التنمية الأسرية في أبوظبي التي واصلت خلال الشهور القليلة الماضية تقديم خدمات الدعم النفسي للأشقاء الفلسطينيين، من خلال النشاطات الخاصة، وورش العمل، وجلسات الاستماع، وبث الأمل، والأنشطة والمبادرات المجتمعية والإنسانية، وعبر أنماط حديثة تستهدف تخفيف صدمات الحرب، وتأثيرها النفسي على الأشقاء، بهدف تمكينهم بكل الطرق المتاحة، من خلال فرق مؤسسة التنمية الأسرية الخبيرة في هذه المجالات، والتي تجدول نشاطاتها الأسبوعية بشكلٍ متواصل، لتبقى على صلة بالعائلات الفلسطينية، داخل مدينة الإمارات الإنسانية، في نموذج متكامل للرعاية تفردت به دولة الإمارات في ملف غزة.
تجربة فريدة
وقالت سعادة مريم محمد الرميثي مدير عام مؤسسة التنمية الأسرية: "إن المؤسسة تركز بشكلٍ عام على توفير الرعاية النفسية لكل المحتاجين، خصوصاً، من الطبقات العمرية المختلفة، مثل الأطفال وكبار السن، من خلال مبادرات مبتكرة ومنوّعة بكافة صورها وأشكالها، والعمل على تعزيز مشاركتهم وتحفيزهم على الحياة، وبث روح الأمل، وذلك من خلال طرق متعدّدة تستهدف نهاية المطاف التأهيل النفسي للحالات الفردية والعائلية، حيث تمتلك فرق المؤسسة الخبرة الكافية لتحقيق نتائج مؤثرة على صعيد أغلب التجارب التي تم خوضها".
وحول تجربة التعامل مع الأشقاء الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة والذين يقيمون في مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي أكدت سعادتها، أن هذه التجربة كانت مهمة للغاية، وجاءت تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" تجاه الأشقاء الفلسطينيين، بهدف بث الأمل والحياة والطمأنينة في نفوسهم بعد كل هذه المعاناة النفسية، وتنمية مهاراتهم واستثمار وقتهم، والتخفيف عنهم، في ظل الظروف التي يواجهونها، ومن المؤكد أن التجربة حملت معانٍ سامية وقيماً رفيعة تعامل معها فريق المؤسسة المتواجد في مدينة الإمارات الإنسانية بمهنية عالية ساهمت في تحقيق منجزات مختلفة، ولعبت دوراً مهماً في التخفيف عن الأشقاء واسترداد حياتهم.
وأضافت الرميثي، نعمل في المؤسسة على مستويات مختلفة، وتحديداً على مستوى الأطفال والأمهات، وفق رؤية وتوجيهات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة "أم الإمارات"، التي تعزّز في كل نشاطاتنا الجانب الإنساني بما يؤدي إلى حماية الأسرة، وإعادة تأهيلها، وتمكينها، ومنحها الفرصة لتجديد حياتها، من خلال جلسات الاستماع والترفيه وتنمية المواهب، وبث الأمل وغير ذلك، ونحمد الله أننا حققنا نتائج جيدة جداً، مقارنة بالبدايات، وما كانت تعانيه العائلات، من أوجاعٍ نفسية، جراء الأضرار المختلفة".
نتائج مبهرة
ومنذ بدء المؤسسة لنشاطاتها مع العائلات الفلسطينية داخل مدينة الإمارات الإنسانية، حققت مؤسسة التنمية الأسرية نتائج مبهرة، من خلال مبادرات وأنشطة منوعة، منذ شهر ديسمبر 2023 حتى هذه الفترة، وتميزت نشاطات ومبادرات المؤسسة بالتنوع، ومن بين هذه النشاطات برنامج "الإسعاف النفسي الأولي" الذي يركز على تقديم المساندة النفسية للعائلات المتضررة، ومنحهم الإحساس بالأمل وبث السكينة والشعور بالثبات في نفوسهم، وتنمية قدراتهم واستغلال وقت فراغهم، بما يؤدي إلى تعزيز قدرتهم على استرداد الحياة، بالإضافة إلى عقد جلسات تحت عنوان "ملهم الأمل"، وبرنامج الإرشاد الجمعي "جدّد الأمل" ، بهدف إكساب المشاركين مهارات جديدة لتمكينهم من التغلب على المصاعب، واستعادة حياتهم بشكلٍ طبيعي، وتوليد القدرات والطاقة الإيجابية للخروج من حالة الصدمة، وإعادة التخطيط للحياة، وتجاوز التأثيرات السلبية بسبب الظروف التي مروا بها، والتخلص من حالة الشك والخوف والقلق بشأن المستقبل، حيث واجه المشاركون في البدايات مصاعب مختلفة، تغلبوا عليها من خلال فريق المؤسسة وتم تجاوزها، إلى حدٍ كبيرٍ، جراء استمرار النشاطات بشكلٍ مدروسٍ ومتواصل.
وتميزت نشاطات المؤسسة بالتنوع، وشملت برامج ثقافية ورياضية وفنية من بينها برنامج "العلاج بالقراءة"- لقاء المعرفة بهدف تعزيز الجانب الثقافي، وورشة "نلعب بمرح" بهدف تعزيز الصحة النفسية للأطفال، و"تليماتش السعادة"- ألعاب بلا حدود، وهو برنامج يهدف إلى التسلية والترفيه، وتعزيز روح التنافس، إضافة إلى العمل الجماعي من خلال مسابقات عدة متنوعة ومناسبة لمختلف الفئات، من أجل التسلية والترفيه والتخفيف من الشعور السلبي لدى الأفراد، وتعزيز التواصل والتفاعل والتعاون الإيجابي، وعقد ورش "لياقة للأبد" للرجال والنساء، التي تهدف إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية لدى المشاركين، والتعرّف على الساعة البيولوجية والإيقاع الحيوي وعلاقة النوم كماً وكيفاً بالصحة، والتعرف على أهمية الحركة والنشاط البدني في تعزيز الصحة البدنية والذهنية، وكيفية إعادة تنظيم القدرات بشكل صحيح، وبرنامج التعبير الإبداعي "ارسم بفرح" الذي أسهم بشكلٍ كبير في توفير بيئة إبداعية للأطفال الفلسطينيين، للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وفهم انفعالاتهم، وتعزيز القدرات الفردية، والتخلص من المشاعر السلبية، وإذكاء المنافسة في أجواء إيجابية وجميلة بين الأطفال، وعقد ورشة فنية-الأوريجامي والمتعلقة بمهارات طي الورق بهدف تنمية قدرات الأطفال، وعقد ورشة فنية حول الطباعة على الأكياس، وورشة "أناملي المبدعة" التي ساهمت في تمكين المشاركين من التعبير عن مشاعرهم الدفينة والتعرف عليها بطريقة مباشرة وصحيحة، وتشجيعهم على مشاركة تجاربهم مع الآخرين والتخلص من القلق والسلبية والخوف التوتر والضغوطات النفسية، من خلال مشاركة المشاعر، كما تنوّعت النشاطات وشملت مثلاً عقد ورش عمل بعنوان "كن مسؤولاً" الموجهة للشباب والأطفال، وورشة "اقتصاديات الطاقة النفسية"، وورشة "أنا الأهم"، وإلقاء محاضرة بعنوان "الصبر فن الحياة الهادئة"، بهدف تعزيز الصبر في هؤلاء، وورشة "الوعي ضد التنمر" لتعزيز قيم الصداقة بين الأطفال، وعدد آخر من الورش والجلسات المتنوعة.
كما قام فريق المؤسسة خلال الشهور القليلة الماضية بعدة نشاطات من بينها زيارة المرضى في المستشفيات وتقديم الدعم لهم والاطمئنان عليهم، ومتابعه المرضى منهم الذين لا يوجد لديهم مرافقين، وتم تقديم الدعم النفسي والمواساة بشكلٍ دائم ومستمر للأفراد الذين علموا برحيل ذويهم أو تهدمت بيوتهم أو نزحت عائلاتهم من مكانٍ لآخر في غزة، كما تم تدريب مرافقي المرضى على فنيات واستراتيجيات تقديم الدعم لمرضى السرطان المرافقين لهم وكيفية التعامل مع احتياجاتهم والتعاون مع الفريق، حيث تم عقد جلسات التفريغ النفسي الفردية والجماعية بهدف الوصول بالضيوف إلى الاتزان النفسي والتكيف مع الأحداث الصعبة التي حدثت معهم بالإضافة إلى التعبير عن المشاعر بطريقة آمنة ضمن بيئة صحية مساندة وداعمه للجانب الصحي ومتابعة خطة إدارة العلاج، وتزويدهم بمهارات تساعدهم على التأقلم النفسي والاجتماعي بشكل صحيح، وتنمية مهارات الصمود النفسي لديهم والطرق الصحية للتعامل مع الحزن، والفقد، إضافة للزيارات التفقدية والدعم النفسي لضيوف مدينة الإمارات الإنسانية.
خصوصية شهر رمضان
وشهد شهر رمضان نشاطات خاصة، خصوصاً، مع غياب هؤلاء عن عائلاتهم في قطاع غزة، ومن أبرز النشاطات تنفيذ برنامج بعنوان "أهلاً رمضان" بهدف تعزيز وعي الأطفال بالشهر الفضيل وبث روح التسلية والترفيه من خلال التعاون والعمل الجماعي، والتسلية والترفيه والتخفيف من الشعور السلبي لدى الأطفال من خلال المشاركة في إعداد وتجهيز زينة رمضان، وتنمية مهارات الطفل الاجتماعية وتعزيز تواصله الإيجابي الفعال مع الآخرين من خلال المشاركة الجماعية في صناعة الفوانيس الورقية، وتنفيذ إفطارات جماعية داخل المدينة لتدعيم الشعور بالاستقرار والأمان وعدم غياب الأسرة، وبرامج إضافية على صلة برمضان، من بينها قصص وعبر يستمع فيها المشاركون إلى قصص صعبة شبيهة، وكيفية تجاوزها، ومحاضرات حول التغذية الصحية في رمضان، وتأثيرات مرض السكري على الصائمين، مع إقامة عدد من المسابقات الرمضانية، بهدف الترويح عن النفس والتخفيف عن العائلات، وتوزيع هدايا على الأطفال وكبار السن، تعزيزاً لحالتهم النفسية داخل المدينة.
الإمارات وطن الإنسانية
من جانبها قالت السيدة وفاء آل علي، مديرة دائرة تنمية الأسرة بالوكالة في مؤسسة التنمية الأسرية: "إن تجربة التعامل مع الأشقاء الفلسطينيين في مدينة الإمارات الإنسانية كانت ثرية وحيوية، وأثمرت عن نتائج مهمة، وكانت الفترة الأولى لتواجد الأشقاء هي الأهم كون مؤسسة التنمية الأسرية كانت تعمل على رصد الحالات، وتصنيفها، وصناعة الثقة بين فريق المؤسسة وهذه الحالات، خصوصاً، بعد الأضرار الصحية والنفسية التي تعرضوا لها".
وأشارت إلى جهود الإمارات التي كرست موقعها العربي والدولي، وطناً للإنسانية من خلال المبادرات التي يتم إطلاقها بشكلٍ دائم داخل الدولة، ومن خلال الجهود التي أغاثت ووصلت شعوب العالم خلال الظروف الاستثنائية، بفضل توجيهات القيادة الحكيمة، حيث نعمل في مؤسسة التنمية الأسرية على جانب حساس يتعلق بالصحة النفسية، وإعادة تأهيل المتضررين من أي ظروف استثنائية، على صعيد الأفراد والمجموعات والعائلات، كما في نموذج الأشقاء الفلسطينيين في مدينة الإمارات الإنسانية الذين وصلوا للمدينة في ظل ظروف صعبة للغاية.
وأضافت: تمكن فريق المؤسسة بعد فترة وجيزة من تصنيف الحالات، وبدأ برامجه ومبادراته المختلفة، والتي تواصلت على مدى شهور، وكانت غزيرة ومنوعة، تستهدف دعم الأشقاء نفسياً ومعنوياً، وإعادة تأهيلهم وتجديد الأمل فيهم، وكانت هذه البرامج موزعة على عدة فئات، ومنوعة عمرياً، إضافة إلى تنوعها من حيث الاهتمامات، خصوصاً، لوجود حالات مختلفة ما بين المرافقين الذين يشعروا بالقلق على المرضى والجرحى، ويشعرون أيضاً بالتوتر الشديد بشأن عائلاتهم المتبقية في قطاع غزة، وهذا كان يفرض على فريق المؤسسة طرح حلول مختلفة، وفقاً للحالات، حيث نشأت الثقة بين الأشقاء في المدينة والفريق الإماراتي، وساهمت هذه الثقة في تعزيز الحياة فيهم، وتفريغ الطاقة السلبية، والألم من داخلهم، ودعم كل الفئات بما فيها الأطفال، والنساء، وكبار السن، حيث لكل فئة متطلباتها هنا، خصوصاً، مع وجود حالات لمرضى في المستشفيات، تعامل معها فريق المؤسسة مراراً، من خلال الزيارات التفقدية.
تجاوب كبير
يذكر في هذا الصدد أن نشاطات المؤسسة شهدت تجاوباً كبيراً من المشاركين الفلسطينيين حيث تواصلت النشاطات السابقة بشكلٍ متكرر ومبتكر طوال الشهور الماضية، وجاء هذا نتاجاً لرؤية مؤسسة التنمية الأسرية التي خططت لمهمتها بشكل جيد، حيث قامت المؤسسة أيضاً وبشكل مبتكر بتشكيل فريق للمساندة والدعم الاجتماعي من أفراد متطوعين من الفلسطينيين في المدينة بهدف بناء الثقة والتقارب والتواصل المهني الفعال مع فئاتهم المختلفة، كما تم الاستفادة من الكفاءات العلمية والمهنية في صفوفهم وفتح الباب لمشاركتهم والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم في تنفيذ العديد من المبادرات والورش. ومن جهة ثانية تم تجهيز عدد من القاعات المتخصصة لتقديم الإرشاد المتخصص ضمن نظريات وأساليب علاجية متعددة مثل العلاج باللعب، العلاج بالقراءة، نظرية التعلم الاجتماعي، النظرية المعرفية السلوكية وتوفير قاعات لغايات محدّدة مثل قاعة التعبير الإبداعي، قاعة الإرشاد والاستشارات الاجتماعية، مجلس مدينة الإمارات الإنسانية، ومكتبة زايد الإنسانية.