بسبب الازمة الخانقة ...رئيس الحكومة يوقف تعيين سفراء ويسحب السيارات من كبار الموظفين

AP24113500287911-e1713899155935.jpg

لأول مرة منذ تأسيسها، تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية أزمة مالية خانقة، بسبب احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، ما أربك وزارة المالية في الإعلان عن موعد محدد لصرف رواتب الموظفين عن شهر نيسان الماضي، علاوة على تراجع الإيرادات المالية للسلطة، بسبب الحرب على قطاع غزة.

وبحسب مصادر مطلع قالت لصحيفة القدس  بأن رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى أوقف تعيينات كان أعلن عنها سابقاً لعدد من السفراء من وزراء الحكومة السابقة، وأنه أوعز بسحب السيارات من كبار الموظفين في جميع الوزارات، في إطار سياسة التقشف، وترشيد الاستهلاك، وتخفيض النفقات، تطبيقاً لسياسة الإصلاح الاقتصادي التي أعلن عنها في رده على كتاب التكليف لتشكيل حكومته في 15 مارس\ آذار الماضي.

واتهم رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، إسرائيل بأنها تضع العراقيل أمام مناحي الحياة كافة، وتحرم الفلسطينيين من مصادرهم المالية، واقتطعت المزيد من أموال المقاصة.

وبلغت ذروة القرصنة بعزم وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، مصادرة ثلاثة مليارات شيقل من أموال المقاصة لاستخدامها لإعادة إعمار المستوطنات في "غلاف غزة"، وخفض غلاء المعيشة في إسرائيل، مؤكدًا أنه سيواصل العمل لسن قانون بهذا الخصوص.

ويقول المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم لـ"ے": "إن الأزمة المالية الناجمة عن احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة ليست جديدة، بل هي متراكمة، لكنها تفاقمت بعد السابع من شهر أكتوبر\ تشرين الأول الماضي، في ظل خيارات لحل الأزمة، خاصة بعد موقف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة والتحريض على أموال المقاصة".

ويشير عبد الكريم إلى أن أموال المقاصة المستحقة حتى لو تم تحويلها، فهي انخفضت بنسبة 30 بالمائة، نظرًا لانخفاض التجارة مع قطاع غزة والتي تراجعت بسبب الحرب، حيث كانت أموال المقاصة قبل السابع من أكتوبر، تصل إلى أكثر من 800 مليون شيقل شهريًا.

ووفق عبد الكريم، فإن إيرادات السلطة انخفضت بصودة حادة، لتصل السيولة حاليًا إلى600 مليون شيقل شهريًا تتوفر من الجباية المحلية، إضافة لتحويل الجزائر 55 مليون دولار للخزينة، لكن كل تلك الأموال لا تكفي لتسديد نفقات السلطة وأبرزها الرواتب، "لذا نحن أمام أزمة مالية حقيقية متفاقمة تشهدها السلطة لأول مرة منذ تأسيسها، تحول دون تمكنها من الإيفاء بالتزاماتها المالية".

ويشير عبد الكريم إلى أن نسبة صرف الرواتب خلال المرحلة المقبلة قد لا تكون مقنعة للموظفين، ومن حق الموظف أن يأخذ راتبه أو جزءًا منه، وربما يصرف جزءًا من الرواتب الأسبوع المقبل، لكن الأزمة صعبة، في ظل عدم كفاية الإيرادات للخزينة، والتي يأتي معظمها من أموال المقاصة، في الوقت الذي توقفت فيه المساعدات الخارجية، وانخفضت الإيرادات المحلية من التجارة في الضفة وغزة بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر، بسبب العدوان الإسرائيلي.

وينوه عبد الكريم إلى أن السلطة أمام خيار مهم باللجوء إلى خطة تقشف وترشيد في النفقات، وأن يقتصر الإنفاق الحكومي على الأولويات، وتحسين الإيرادات الضريبية دون إثقال المواطنين.

ويرى عبد الكريم أنه رغم ذلك، تبقى الأزمة صعبة وغير مسبوقة، والحل يكمن بحل سياسي أكثر منه فني، يكون مفتوحاً على أفق سياسي من شأنه إعادة تدفق الأموال إلى السلطة، وبدون ذلك فإن الوضع المالي صعب وقد يتفاقم ويتعمق.

من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح د. نائل موسى في حديث لـ"ے"، "إن المرحلة الحالية صعبة وأكثر تعقيدًا، لكن باعتقادي أنها ستحل ولو بشكل جزئي خلال الفترة المقبلة، لأن إسرائيل تتجنب الانهيار المالي حتى لا تتدهور الأوضاع الأمنية".

ويتابع موسى:"لقد اعتدنا مع هذه السياسة الإسرائيلية التي تحرص أن تكون الحكومات الفلسطينية المتعاقبة بأزمات مالية، لكن تلك الأزمة شهدت تعمقًا وصل إلى حافة الانهيار، في الفترة الأخيرة، بسبب وجود الحكومة الإسرائيلية المتطرفة".

ويشير موسى إلى فاتورة الرواتب الباهظة على السلطة، حيث تنفق من إيراداتها 67% للرواتب لـ170 ألف موظف، لكن الأزمة الحالية تضع السلطة أمام مرحلة خطيرة وصعبة، لن يتم تجاوزها سوى بوجود أفق سياسي فقط، منوهًا إلى أن السلطة كان أمامها فرصة تاريخية خلال الـ25 عامًا الماضية، بتطبيق سياسة الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، لكننا الآن وصلنا إلى طريق مسدود، لن يجدي معه إلا اتفاق سياسي عادل.

وتأتي التحذيرات من صعوبة المرحلة الحالية ماليًا، في ظل مناقشة الحكومة في جلستها الأخيرة، الأزمة المالية التي تعصف بها جراء استمرار إسرائيل احتجاز حوالي 6 مليار شيقل، وزيادة الاقتطاعات الشهرية من المقاصة التي انخفضت بنسبة 60%، إلى جانب تراجع الإيرادات العامة بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي.

ووفق بيان لها، فقد أكدت الحكومة أنها تسلمت مديونية عامة على السلطة الفلسطينية تجاوزت 11 مليار دولار، بعد إضافة الديون المستحقة لهيئة التقاعد العامة وديون المؤسسات المصرفية الخارجية، إلى جانب متأخرات للموظفين العموميين، ومتأخرات مستحقة للموردين ومقدمي الخدمات، وديون البنوك المحلية.

وأشار رئيس الوزراء د. محمد مصطفى إلى الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية والحكومة مع الشركاء الدوليين للضغط على إسرائيل للإفراج عن الأموال المحتجزة في النرويج والتي وصلت 423 مليون دولار حتى مارس\ آذار الماضي، وأنه بحال نجحت الجهود في استعادتها، ستتمكن الحكومة من دفع جزء بسيط من مستحقات الموظفين والموردين كشركات الأدوية والفئات المستحقة الأخرى، لضمان استمرار توريد بعض السلع وتقديم الخدمات الأساسية.

وأكدت الحكومة أنه إلى حين الإفراج عن بعض الأموال المحتجزة، ووصول أي مبالغ من المساعدات الخارجية المتوقعة، فإنها ستصرف رواتب الموظفين العموميين عن شهر مارس\ آذار المنصرم، وفق نسبة تراعي الفىة من ذوي الرواتب المتدنية والمتوسطة، حيث ستقوم وزارة المالية بتحديد نسبة وموعد صرف الرواتب فور استلام المقاصة.

وبحسب بيان الحكومة عقب جلستها الأخيرة، فإنه رغم وضعها خططاً للاستقرار المالي حتى نهاية العام، إلا أن وزارة المالية والجهات المختصة الأخرى، ستعيد النظر في توزيع ما هو متاح من المال العام بحسب الأولويات الوطنية، مع تكليف كل الوزارات والهيئات الحكومية بمتابعة قرارات مجلس الوزراء السابقة بخصوص إجراءات التقشف العام.