كشفت مصادر مصرية مطلعة على تحركات القاهرة بشأن ملف الوضع في قطاع غزة، عن "جاهزية واستعداد كاملين من الأجهزة والقوات الموجودة في شمال سيناء، وعلى طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة البالغ 14 كيلومتراً، ضمن خطة للتعامل مع سيناريو الاستعداد للإعلان الإسرائيلي المتكرر لاجتياح مدينة رفح الفلسطينية". وبحسب مصدر مصري فإن "رفع الجاهزية، الذي ارتفعت وتيرته منذ مساء الاثنين الماضي، جاء بعد اتصالات من الجانب الإسرائيلي، مرتبطة ببدء حكومة الاحتلال الاستعدادات الخاصة بالعملية العسكرية في أقصى جنوب قطاع غزة، والذي يصفه (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو بآخر معاقل حركة حماس، إذ توجد، حسب زعمه، أربع كتائب للجناح العسكري للحركة".
وأشار المصدر إلى أن "جيش الاحتلال وجّه ضربات جوية لعدة مناطق متاخمة للشريط الحدودي بين قطاع غزة ومصر"، لافتاً إلى أنه "جرى إخطار المسؤولين المعنيين في مصر قبل تنفيذ بعض تلك الضربات، التي جاءت في محور فيلادلفيا عند أرض فضاء متاخمة للحدود مع مصر، بزعم أنها تُستخدم في تهريب الأسلحة إلى حماس". وأوضح أن القاهرة "وجدت نفسها مضطرة للتعامل على أرض الواقع مع العملية العسكرية المرتقبة، من أجل تخفيف حدة التداعيات التي تترتب عليها، في ظل التفاهمات الجديدة بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال".
وأشار إلى أن "الإدارة الأميركية أبدت تقبلاً للخطة التي سبق وقدمتها حكومة الاحتلال بشأن العملية العسكرية في رفح في مقابل عدم تنفيذ هجوم واسع ضد إيران". ولفت إلى أن "الخطة الإسرائيلية تعتمد على أسلوب الإزاحة، عبر تقسيم رفح إلى مربعات مرقمة، بحيث يتم استهدف مربع تلو الآخر، بما يدفع الموجودين فيه للتحرك بعيداً عنه، وبالتحديد نحو خانيونس، ومنطقة المواصي". وأشار المصدر إلى أنه "ضمن الاستعدادات المصرية في هذا الإطار، جاء رفع الطاقة الاستيعابية للمخيمات في مدينة خانيونس، والتي يشرف على إدارتها الهلال الأحمر المصري، وزيادة كميات المساعدات التي تدخل إليها بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي".
وأقام الهلال الأحمر المصري مخيمين لاستيعاب النازحين في خانيونس منذ يناير/كانون الثاني الماضي، حيث يستوعب المخيم الأول سبعة آلاف مهجر، فيما يستوعب الثاني أربعة آلاف، في وقت بدأت السلطات المصرية المعنية بالعمل على تجهيز مخيم ثالث. وكان وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، قد عقد الاثنين الماضي، اجتماعاً حول الاستعدادات لشن العملية العسكرية لاجتياح رفح. وذكرت الوزارة، في بيان، أنه "خلال الاجتماع، ناقش غالانت مع المشاركين (فيه) عدداً من الإجراءات التي يتعين اتخاذها كجزء من الاستعدادات للعملية في رفح". في المقابل، رجحت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، مطلعة على الاتصالات الدولية الخاصة بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة، أن "يتراجع الحديث عن عمل عسكري إسرائيلي واسع ضد إيران، بعد الهجوم الذي شنته طهران عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، لمصلحة العملية العسكرية المرتقبة في رفح".
وقال دبلوماسي غربي بارز، لـ"العربي الجديد"، إن "نتنياهو استطاع عبر مناورة سياسية، الحصول على تسهيلات أميركية لمصلحة العملية العسكرية في رفح، والتي لم تكن تحظى بترحيب أميركي في هذا التوقيت، وذلك في مقابل التراجع عن تنفيذ عمل عسكري واسع ضد إيران، رداً على هجومها الأخير". واعتبر أن "الحديث عن رد إسرائيلي على إيران، على عكس رغبة الإدارة الأميركية، لم يكن واقعياً، في ظل قناعة تل أبيب بأن الولايات المتحدة كانت صاحبة الدور الأكبر في صد الهجوم الإيراني وعدم نجاحه".
وأكد أستاذ القانون الدولي العام، الدكتور أيمن سلامة، أن "ادعاءات وكذب الاحتلال الإسرائيلي بأن مصر تزود الفصائل الفلسطينية بالأسلحة والذخيرة عن طريق محور فيلادلفيا، ما هي إلا محاولة لتبرير فشله الذريع أمام العالم". وقال سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر دولة ذات سيادة، ولن تقبل أي تغييرات في الوجود العسكري لإسرائيل في المنطقة، دون موافقتها، خاصةً أن المواثيق الدولية التي تربط مصر والاحتلال الإسرائيلي، ومنها معاهدة السلام التي تم توقيعها في 1979، تنص على عدم وجود عدد كبير من القوات على الجانبين".
وأوضح أنه "يتطلب موافقة مصر قبل أي تعديل في الوضع العسكري الفعلي، وأن إسرائيل لن تتمكن من إقامة مناطق عازلة على الحدود المصرية الإسرائيلية أو تعديل الملحق الأمني لمعاهدة السلام بين الدولتين بدعوى الحاجة العاجلة للأمن في حالات التهديدات المباشرة، مثل النزاع المستمر مع الفلسطينيين". وقال سلامة إن "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية نفسها، تتضمن ما يسمى الملحق الأمني، الذي ينظم وجود القوات ونوع تسليحها في المناطق الثلاث (أ) و(ب) و(ج) في الأراضي المصرية بشبه جزيرة سيناء، و(د)، داخل إسرائيل". ولفت إلى أن "مصر يمكن أن تعلق بنوداً معينة في المعاهدة رداً على الأفعال الإسرائيلية المحتملة، لكنها لن تقوم بتعليق الملحق الأمني الحساس والذي يشكل جوهر المعاهدة". وأضاف أن مصر "قد تهدد أو تقوم بتعليق جزئي لبعض من نصوص وبنود معاهدة السلام، منها البنود الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ويمكن أن يتم سحب السفير".
وفي السياق، قال الخبير المصري في الشؤون الاستراتيجية العميد المتقاعد سمير راغب إن "مصر تسعى عن طريق التفاوض إلى تأجيل عملية رفح أو إلغائها، من خلال الوصول إلى هدنة تمتد إلى ما يقرب من أربعة أشهر، وهذا يعطي فرصة للجهود السلمية من أجل إنهاء الصراع بشكل كامل، ولكن إذا استمر الصراع، فإن عملية رفح ستتم حتماً". وأضاف راغب، لـ"العربي الجديد"، أن "مصر تقوم بأكثر من دور لأكثر من اعتبار، في ظل أنها من أكثر الدول اهتماماً بالملف الفلسطيني عامة، فهي وقطر تعملان على ملف الهدنة ما بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهي في النهاية دولة جوار مرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وهذا يعطي مصر الحق في مطالبة إسرائيل بضمانات".
وأكد أن مصر "لديها شروط في موضوع دخول رفح؛ الأول هو إجلاء المدنيين وضمان سلامتهم، لا سيما مع العدد الكبير من النازحين في رفح، والثاني يتعلق باستمرار عمل المعابر، لأن أي عملية في رفح ستغلق المعابر". وشدد على أن مصر "تريد ضمان إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، من خلال معبري رفح وكرم أبو سالم، اللذين يعملان في الوقت الحالي، لكن الاحتلال يسعى إلى غلقهما في حال بدأ عملية رفح، واستبدالهما بمعبر المنطار وزكيم ومعبر إيرز (بيت حانون)". وأكد أن مصر "مستعدة لكل السيناريوهات"، قائلاً إنه "في ما يتعلق بالنزوح، فقد تم التنسيق مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".