كان اليوم الأول من شهر رمضان المبارك في مدينة القدس المحتلة لهذا العام شبيها باليوم الذي سبقه، خلافا لما جرت عليه العادة في استقبال الشهر الفضيل خلال الأعوام الماضية، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

ألقى العدوان المستمر والذي راح ضحيته أكثر من 31 ألف شهيد إضافة لعشرات آلاف المصابين وتدمير مئات آلاف المنازل، بظلاله على مدينة القدس، التي غابت عنها كل مظاهر الاحتفال بحلول شهر رمضان المبارك.

والمتجولون القليلون الذين سمح الاحتلال لهم بالوصول إلى أحياء وأسواق القدس القديمة يشيرون إلى أنه لا يوجد أي مظاهر لرمضان جراء إجراءات الاحتلال المتصاعدة في المدينة التي تشهد حصارا مشددا وغير مسبوق منذ بدء الاحتلال عام 1967.

ويشير مقدسيون إلى إجراءات غير مسبوقة تمثلت في نشر آلاف أفراد شرطة الاحتلال في احياء المدينة المقدسة ومحيطها الذي لا يتجاوز كيلو متر مربع واحد يقطن فيه قرابة 40 ألف مقدسي.

ويقول ناصر قوس أحد وجهاء البلدة القديمة في مدينة القدس، إن الأهالي قرروا عدم وضع أي مظاهر زينة واحتفالات برمضان تضامنا مع أبناء شعبنا المكلومين في قطاع غزة، وأن إحياء الشهر الفضيل مقتصر على الفعاليات الدينية التي يضيقها الاحتلال.

ويضيف، أن الاحتلال يمنع الشبان من أبناء القدس من الوصول إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة، كذلك قام بوضع أسلاك شائكة قرب باب الأسباط أحد أبواب القدس والمسجد الأقصى لمنع الشبان من تسلق الأسوار للوصول إلى داخل المسجد.

كما يشير قوس إلى أن قوات الاحتلال نصبت خياما للشرطة في حي المصرارة قرب باب العامود من أجل تسهيل اعتداء الشرطة على المقدسيين.

وتبدو ساحة باب العامود وهي المتنفس الوحيد لأهالي البلدة القديمة فارغة من المواطنين في حين كان المئات من المواطنين يجلسون لساعات طويلة بعد الإفطار في هذه الساحة وهي الساحة الأكبر في محيط البلدة القديمة.

وأعلنت شرطة الاحتلال على لسان المتحدثة باسمها ميريت بن مايور، إنها ستنشر عدة آلاف من عناصرها في البلدة القديمة بالقدس وما حولها في أول جمعة من رمضان، حيث يُتوقع وصول أعداد كبيرة من المصلين إلى المسجد الأقصى.

ورغم غياب مظاهر الزينة والأضواء عن حارات مدينة القدس العتيقة، يصر المقدسيون على الصلاة داخل المسجد الأقصى، إلا ان الاحتلال منعهم في اليوم الأول من رمضان من الدخول وسمح فقط للمقدسيين وفلسطيني 48 بالدخول إلى المسجد ممن تتجاوز أعمارهم الأربعين عاما، واعتدى على عدد كبير من الشبان حاولوا الدخول عبر بابي الأسباط والقطانين.

وأصدرت قوات الاحتلال أوامر إبعاد عن المسجد الأقصى بحق عشرات المقدسيين، حيث تحدث المبعد عن المسجد الأقصى محمد أبو الحمص، إن الاحتلال أبعده وعشرات المقدسيين قبيل حلول شهر رمضان المبارك عن المسجد الأقصى من أجل تقليل عدد المصلين الداخلين إليه.

وأضاف، أن الاحتلال أبعد نشطاء وصحفيين عن المسجد الأقصى ونشر 30 حاجزا حول القدس المحتلة وبوابات المسجد الأقصى لفرض القيود وتشديها على أبناء الشعب الفلسطيني ومنعهم من الوصول إلى الأقصى.

ويقول المصور الصحفي إبراهيم السنجلاوي، "إن الاحتلال اقتحم بيتي في القدس قبل يوم واحد من بدء شهر رمضان المبارك، ولحظة الاعتقال أخبرتهم انني صحفي وأظهرت لهم بطاقة الصحافة، وسألتهم عن سبب الاعتقال او التوقيف، رفضوا الإجابة وبعد اقتيادي لمركز شرطة الاحتلال "القشلة" في القدس المحتلة وانتظار لقرابة ساعة ونصف أخبروني عن نيتهم إبعادي عن الـمـسـجد الأقـصى المـبارك لمدة اسبوع، وان القرار قابل للتجديد لقرابة نصف سنة".

وتابع، أوضحت لهم أن ذلك يؤثر على عملي الصحفي وهذا تصرف غير قانوني من الاحتلال وبلا سبب منطقي، وان ذلك يؤثر على والدي المسن والذي ارافقه الى المسجد الأقصى، وانا اسكن على بعد أمتار من الأقـصى وأشعر بحزن كبير على عدم قدرتي الوصول إليه وعدم قدرتي على تصوير أجواء رمضان في باحاته وصلوات التراويح وأجواء الافطار والكثير.

وأضاف: الاحتلال يمنعني ايضاً من الاقتراب من ابواب الـمـسـجد الأقـصى المـبارك وليس فقط من الدخول اليه، فلا أستطيع التقاط الصور هناك.

ويشتكي تجار القدس من حركة تجارية منخفضة جدا منذ ستة أشهر في مدينة القدس بسبب الحصار المفروض عليها من قبل الاحتلال بالتزامن مع العدوان على غزة.

ويصف رئيس لجنة التجار المقدسيين حجازي الرشق الأوضاع الاقتصادية في شهر رمضان الحالي بأنها الأسوأ بالنسبة للتجار المقدسيين منذ عشرات السنوات.

ويضيف أن التجار المقدسيين ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر من أجل بيع منتجاتهم خلال زيارة مئات الآلاف للمسجد الأقصى وتسوقهم من البلدة القديمة.

ويضيف الرشق أن البلدة القديمة تضم نحو 1372 محلاً تجارياً، أغلقت جميعها خلال الـ 45 يوماً الأولى من الحرب، حيث لم يسمح لأي شخص بدخول البلدة القديمة سوى سكانها، مما أصاب الحركة التجارية بشلل تام.

وقد تأثرت بشكر كبير جراء إجراءات الاحتلال المتواصلة بحق المدينة المقدسة منذ ستة أشهر، وأن عددا من أصحاب المحال اضطروا لإغلاقها بالكامل جراء عدم وجود متسوقين في البلدة القديمة.

ويتحدث الرشق عن تضرر الأسواق المحيطة بالبلدة القديمة أيضا في شوارع صلاح الدين والزهراء ولكن ليس بحجم الضرر الذي أصاب المحال التجارية في القدس العتيقة.

وقال، إن منع سكان الضفة الغربية من الوصول إلى القدس هذا العام والسماح فقط لعشرة آلاف مسن بالدخول لأداء صلاة الجمعة فقط يشكل ضربة كبيرة للاقتصاد المقدسي.

وتتعرض مدينة القدس المحتلة لحرب شرسة من قبل الاحتلال ولكنها تحمل أشكالا مختلفة عن الحرب الإجرامية المستمرة على قطاع غزة، ما يعني أن مخطط حكومة إسرائيل المتطرفة يقوم على تصعيد الأوضاع الميدانية واستمرار التوترات للحفاظ على بقائها.