الأمم المتحدة: تحقيق السلام يتطلب انهاء الاحتلال

عقد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، جلسة لمناقشة تقرير المفوض السامي لحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك في إطار استعراض البند السابع من أعمال المجلس في دورته الـ55 المتواصلة من 26 شباط/فبراير الجاري وحتى الخامس من نيسان/أبريل المقبل في مقره بمدينة جنيف السويسرية.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك: "يبدو أنه لا توجد حدود للأهوال التي تتكشف أمام أعيننا في غزة، كما لا توجد كلمات لوصفها"، مضيفًا أنه منذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر، استشهد أو جرح أكثر من 100 ألف شخص، وأن "واحد من كل 20 طفلاً وإمرأة ورجلاً، قد قتل أو جرح".

وتابع: "ما لا يقل عن 17 ألف طفل باتوا أيتامًا أو منفصلين عن أسرهم، في حين أن كثيرين آخرين سيحملون ندوب الصدمات الجسدية والعاطفية مدى الحياة. اليوم، يفوق عدد الأشخاص الذين استشهدوا ثلاثين ألفا. وعشرات الآلاف ما زالوا مفقودين، يُعتقد أن كثيرًا منهم دفنوا تحت أنقاض منازلهم. هذه مذبحة".

وأشار إلى "المستوى غير المسبوق من قتل وتشويه المدنيين في غزة، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة والصحفيون، والأزمة الإنسانية الكارثية الناجمة عن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، وتهجير ما لا يقل عن ثلاثة أرباع السكان، لمرات عدة في كثير من الأحيان، والدمار الهائل الذي لحق بالمستشفيات وغيرها من البنى التحتية المدنية – وفي كثير من الحالات، الهدم المنهجي لأحياء بأكملها، مما يجعل غزة إلى حد كبير غير صالحة للعيش".

وقال تورك: "يجب أن تنتهي الحرب في غزة"، لافتا إلى ارتكاب انتهاكات واضحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم الحرب وربما جرائم أخرى بموجب القانون الدولي.

وأضاف: "لقد حان الوقت لإحلال السلام والتحقيق والمساءلة، بل تأخرنا في ذلك".

وأوضح المفوض السامي أنه خلال 56 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي، تم فرض أنظمة تحكم تمييزية للغاية على الفلسطينيين لتقييد حقوقهم، بما في ذلك الحق في التنقل، مع تأثير كبير على المساواة والسكن والصحة والعمل والتعليم والحياة الأسرية.

ولفت إلى أن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 16 عاما أبقى معظم سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة في الأَسْر فعليًا، ودمر الاقتصاد المحلي.

وأردف: "شابت حياة أجيال من الفلسطينيين في الضفة الغربية التمييز والمضايقة والسيطرة والتعسف – بما في ذلك الاعتقالات والاحتجازات التعسفية – وتزايد عنف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. وفي الوقت نفسه، استمرت المستوطنات غير القانونية في النمو، مما أدى بحكم الأمر الواقع إلى زيادة ضم أراضي الفلسطينيين. لكم أن تتخيلوا الإذلال والقمع اللذين لا نهاية لهما".

واستدرك قائلا: "اليوم، هذا الوضع أسوأ بشكل لا يقارن".

وسلط تورك على القصف الإسرائيلي المكثف على قطاع غزة، مشيرا إلى أن إسرائيل أسقطت آلاف الأطنان من الذخائر على غزة، ويشمل ذلك الاستخدام المتكرر للأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق.

وقال: "ترسل هذه الأسلحة موجات انفجار هائلة من الضغط العالي الذي قد يمزق أعضاء الجسم الداخلية، فضلاً عن الشظايا، والحرارة المرتفعة بشدة حتى تسببها بحروق عميقة - ويتم استخدامها في الأحياء المكتظة بالسكان. في مستشفى العريش في مصر، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رأيت أطفالاً حرقت هذه الأسلحة أجسادهم. لن أنسى ذلك أبدًا".

وأضاف: "بموجب المادة الأولى، المشتَرَكة بين اتفاقيات جنيف الأربع، على جميع الدول احترام القانون الدولي الإنساني المنصوص عليه في تلك الاتفاقيات. وعليها كذلك أن تعمل لضمان احترامه بشكل ضروري. تتجلى هذه المسؤولية عندما يكون هناك خطر حقيقي من أن الأسلحة الموردة إلى طرف من أطراف نزاع ما قد تُستخدم في انتهاك القانون الدولي الإنساني. أي تمكين من هذا القبيل لانتهاك القانون الدولي الإنساني يجب أن يتوقف على الفور. هذا هو جوهر العناية الواجبة".

وتابع: "على مدى الأشهر الخمسة الماضية من الحرب، سجل المكتب العديد من الحوادث التي قد ترقى إلى جرائم حرب ارتكبتها القوات الإسرائيلية، فضلا عن مؤشرات على أن القوات الإسرائيلية قد شاركت في استهداف عشوائي أو غير متناسب ينتهك القانون الدولي الإنساني".

وقال تورك: "في الفترة ما بين 8 و21 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل حظراً كاملاً على جميع إمدادات المساعدات والغذاء والوقود والكهرباء إلى غزة. ومذّاك، تواصل إسرائيل عرقلة المساعدة الإنسانية. جميع الناس في غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك. جميعهم تقريباً يشربون المياه المالحة والملوثة. الرعاية الصحية في جميع أنحاء القطاع بالكاد تعمل. تخيلوا ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الجرحى والأشخاص الذين يعانون من تفشي الأمراض المعدية".

وأضاف: "في شمال غزة، حيث تضاءل الحيز التشغيلي للعمل الإنساني إلى الصفر، يُعتقد بالفعل أن الكثيرين يتضورون جوعاً. في سائر أنحاء غزة، أصبح تقديم المساعدات الإنسانية صعباً جداً – وهذا ليس خطيراً فحسب، بل يجرد الإنسان من إنسانيته أيضاً".

وأكد تورك أن "الحصار المفروض على غزة يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، وقد يرقى أيضا إلى استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب – وكلاهما، حين يرتكبان عمداً، يشكلان جريمتي حرب. بالإضافة إلى ذلك، تم تهجير جميع سكان غزة تقريبا قسراً، واحتجز آلاف الأشخاص، كثير منهم بمعزل عن العالم الخارجي، في ظروف قد ترقى إلى الإخفاء القسري".

وأردف قائلا: دعوني أكون واضحاً تماماً، وأوجه تحذيراً آخر صارخاً: إن احتمال شن هجوم بري إسرائيلي على رفح من شأنه أن يأخذ الكابوس الذي يلحق بالناس في غزة إلى بعد جديد. فأكثر من 1.5 مليون شخص يحتمون في رفح، على الرغم من القصف المستمر. باتت رفح مركز المساعدات الإنسانية في غزة. من شأن أي هجوم بري أن يسفر عن خسائر في الأرواح يحتمل أن تكون فادحة، وأن يشكل خطراً إضافياً لحدوث جرائم وحشية، وتهجيرٍ جديد إلى موقع آخر غير آمن، وأن يقضي على أي أمل في الحصول على مساعدات إنسانية فعالة".

وأضاف: "لا يمكنني أن أتخيّل أن هكذا عملية يمكن أن تكون متوافقة مع التدابير المؤقتة المُلزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية. أدعو كل الدول التي تتمتع بتأثير أن تبذل كل ما في وسعها لتجنب هكذا نتائج".

وتابع تورك: "في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، استمر التصعيد في استخدام القوات الإسرائيلية للغارات الجوية، والمروحيات الهجومية، والصواريخ المضادة للدبابات، والقذائف المتفجرة المحمولة على الكتف وغيرها من أسلحة الحرب في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، مع نتائج مميتة، منها قتل الأطفال. يشير التقرير أيضا إلى نمط متزايد من منع القوات الإسرائيلية المسعفين من الوصول إلى الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، الذين أصيبوا في مثل هذه الهجمات".

وقال: "في الفترة من 1 كانون الثاني/يناير إلى 6 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، سُجلت بالفعل أعلى مستويات من العنف من قبل أفراد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وذلك منذ بدأت الأمم المتحدة في إحصاء الأرقام سنة 2005".

وأشار إلى أنه في الفترة من 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي إلى 23 شباط/فبراير من هذه السنة، استشهد ما لا يقل عن 401 فلسطيني في الضفة الغربية، من بينهم 102 من الأطفال.

وعقب على ذلك بالقول: "تثير الغالبية العظمى من الحالات التي رصدها المكتب مخاوف بشأن عمليات قتل غير مشروع، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء. في الماضي، نادرا ما كانت المساءلة تتحقق في مثل هذه الحالات، ومن الضروري أن يتم تحقيقها الآن".

كما لفت إلى أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي تعسفيا أكثر من 7000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة. ويوجد حاليا نحو 9000 معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال، أكثر من 3400 منهم رهن الاعتقال الإداري دون تهمة أو احتمال محاكمة. كما يحتجز ما لا يقل عن 606 معتقلين بمعزل عن العالم الخارجي.

وقال تورك: "على الرغم من ذلك، يجب أن نتمسك بالوعد القائل إن السلام يمكن تحقيقه في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. وكي ينجح ذلك، يجب أن ينتهي الاحتلال. على القادة الإسرائيليين قبول حق الفلسطينيين في العيش في دولة مستقلة. ويجب على جميع الفصائل الفلسطينية أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن".

وأضاف: "الهدف هو تحقيق مستقبل أكثر أماناً وسلاماً للجميع. والحرب في غزة تأخذ الفلسطينيين والإسرائيليين كل يوم بعيداً عن هذا الهدف. يجب أن تكون هناك نهاية لهذه الأعمال العدائية - ليس فقط وقف فوري لإطلاق النار، ولكن نهاية لهذه الحرب".

وتابع: "إن عزل الفلسطينيين وحقوقهم خلف الجدران، وإبقاءهم بعيدين عن الأنظار، بعيدين عن الأذهان – أمر لم ينجح منذ 56 عاماً، ولا يمكن أن ينجح أبدا".

السعودية: للشعب الفلسطيني الحق في الحياة الكريمة وتقرير المصير

‎وفي مداخلته، قال المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف السفير عبدالمحسن بن خثيلة إن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني من أقسى الظروف في ظل تعرّضهم للقصف والتهجير القسري والجوع إثر مواصلة إسرائيل حربها على غزة عبر انتهاكات مستمرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

‎وأضاف، أن للشعب الفلسطيني الحقّ في الحياة الكريمة وتقرير المصير، وأن عدم دعم هذه الحقوق المشروعة سيلحق أضراراً جسيمة باحترام المؤسسات الدولية، والقوانين والمبادئ الإنسانية الدولية.

‎وأكد تمسك المملكة بالدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات بشكل آمن إلى غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن المدنيين، وإعادة إحياء مسار السلام العادل والمستدام.

الكويت تندد بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية في غزة

بدورها، ندد مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف السفير ناصر الهين بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة والتي أسفرت عن أكثر من 30 ألف شهيد وأكثر من 70 ألف جريح وفقيد تحت الركام.

وأكد السفير الهين الدور الذي تلعبه دولة الكويت إلى جانب الدول الصديقة بالترافع أمام محكمة العدل الدولية بشأن ممارسات الاحتلال الإجرامية، محذّرا من مغبة العمليات العسكرية لاجتياح مدينة رفح جنوبي القطاع.

وشدد على أن التهديد في حد ذاته يعد جريمة واضحة ضد الإنسانية.

ووصف ما يقع في غزة بـ"وصمة عار على جبين المجتمع الدولي"، مشيرا إلى أن المنظومة الدولية تضررت مصداقيتها في ظل هذا الجمود الذي يشهده المجتمع الدولي إزاء هذه المجازر.

كما حذّر الهين من استمرار الحرب على غزة، منوها بدور دولة الكويت في إيقاف الحرب الإجرامية ضد الأبرياء من الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يعاني منذ 75 عاما.

واستنكر إزدواجية المعايير في التعامل مع الكارثة الإنسانية، متسائلا "أين الضمير العالمي أين حقوق الإنسان" أمام ما يحصل في غزة من انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

وبين أن قطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين "أونروا" زاد الوضع الإنساني لما يقارب 5.7 مليون لاجئ فلسطيني سوءا، مشددا على التزام دولة الكويت بدعم الفلسطينيين، مناشدا المجتمع الدولي وقف تلك المجازر الوحشية.