“قاذفات الزبيب”.. عندما كسرت أمريكا وبريطانيا حصار برلين بأطول جسر جوي في التاريخ

بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، عادت سماء مدينة برلين الألمانية لتمتلئ بالطائرات، هذه المرة لم يكن هدير أصوات الطائرات يعني مزيداً من المصائب والدمار لسكان العاصمة الألمانية، فعلى العكس تماماً، جلبت تلك الطائرات الأمريكية والبريطانية الإمدادات الغذائية للشطر الغربي من مدينة برلين المحاصرة في عملية أُطلق عليها "قاذفات الزبيب".

فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال يشرف الحلفاء المنتصرون، وهم: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفييتي، على إدارة كلّ منطقة، ووقعت برلين حينها في عمق المنطقة السوفييتية، مع ذلك تم تقسيم العاصمة نفسها إلى أربعة قطاعات.

ومع تحوّل ألمانيا إلى مركز صراعٍ بين السوفييت والغرب، وتحوّلها إلى ما صار يعرف تاريخياً بمصطلح الستار الحديدي، وهو الخط الوهمي الذي يقسم أوروبا بين النفوذ السوفييتي والنفوذ الغربي، والذي استمر حتى نهاية الحرب الباردة عام 1991، وصلت العلاقة المضطربة بين القوتين السوفييتية والغربية سنة 1948 إلى ذروتها، وذلك بعد شروع موسكو في تطبيق سياسة جديدة من خلال حصار برلين، والذي عرف باسم الحصار السوفييتي، عندما قطع السوفييت الوصول الغربي إلى برلين الغربية عن طريق إغلاق السكك الحديدية وطرق المياه، تاركين الناس دون طعام أو ضروريات الحياة.

ومن أجل فكّ ذلك الحصار أطلق الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عملية عسكرية باسم "Rosinenbomber" أو "قاذفات الزبيب"، من أجل كسر الحصار على برلين، وإنقاذ مليونَي شخص من سكان العاصمة الألمانية من الموت جوعاً، فقد نجحت الطائرات المستخدمة في الجسر الجوي، والتي أطلق عليها السكان المحليون لقب "قاذفات الزبيب"، في تزويد مدينة برلين بأكثر من مليونَي طن من البضائع، مثل عبوات الزبيب (التي أعطتها الاسم)، والمياه والسلع الأساسية، عبر ما صار يسمى بجسر برلين الجوي فكيف تم ذلك؟ 

عندما انتهت الحرب، قامت القوات المتحالفة المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفييتي بتقسيم ألمانيا وعاصمتها برلين إلى أربع مناطق إدارية كما سبق ذكره، وعندما دفعت القوى الغربية بإصلاح العملة وأدخلت المارك الألماني في عام 1948 دون مراعاةٍ لشروط الاتحاد السوفييتي، قام الأخير بإغلاق القطاع الغربي من برلين في 24 يونيو/حزيران 1948. وكانت حينها الحرب الباردة قد بدأت.

ولرفع الحصار، عرض السوفييت على الحلفاء سحب المارك الألماني الجديد من برلين الغربية، لكنّ الحلفاء رفضوا الانصياع للضغط السوفييتي وقرروا التصرف لكسر الحصار عبر الجو، فتحولت تلك الأزمة لإحدى أكبر أزمات الحرب الباردة.

مع تصاعد الأزمة الإنسانية في برلين، اتخذ لوسيوس د. كلاي، الحاكم العسكري لمنطقة الاحتلال الأمريكي في ألمانيا، قراراً بتسيير جسرٍ جوي إلى برلين من أجل كسر الحصار السوفييتي، ولم تتطلب فكرة كلاي الكثير من الوقت حتى تحظى بدعم الحكومتين الأمريكية والبريطانية. 

وفي 26 يونيو/حزيران 1948، انطلقت أولى رحلات الإمداد من فرانكفورت إم ماين وفيسبادن إلى برلين. 

وسرعان ما أصبح من الواضح أن أكبر عدد ممكن من الطائرات سوف تحتاج إلى الهبوط في برلين من أجل توفير الإمدادات لأكثر من مليونَي شخص في الجزء الغربي من المدينة. استخدم الحلفاء ممراتهم الجوية الثلاثة بأقصى طاقتهم. وهبطت "قاذفات الزبيب" بفاصل زمني مدته دقيقة واحدة، وتم تفريغ حمولتها بسرعة البرق ثم أقلعت مرة أخرى، ووصل حجم المساعدات الغذائية التي رماها طيارو الحلفاء فوق برلين نحو 2 مليون طن، وهذا يعني أن حوالي 5 آلاف طن من المساعدات كانت تصل إلى برلين كلّ يوم.

اسم آخر مرتبط بهذه العملية، وهو Candy Bomber، فقد كان لدى الجيش الأمريكي مفاجأة للأطفال الألمان أيضاً، فقد أسقطت الطائرات الأمريكية الحلوى والشوكولاتة، إضافةً إلى الزبيب الذي اشتهرت به العملية، ولعلّ أشهر الشخصيات التي ارتبطت بهذا الاسم هو العقيد الأمريكي غيل هالفورسن، الذي ابتكر فكرة رمي الحلوى والشوكولاتة على أطفال برلين. 

أدت تلك المساعدات الفورية من المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى إنهاء الحصار السوفييتي المفروض على برلين في 12 مايو/أيار عام 1949 أي بعد أقل من سنةٍ واحدة فقط على بداية الحصار، مع ذلك استمر جسر برلين الجوي حتى 30 سبتمبر/أيلول 1949 أي بعد خمسة عشر شهراً.

في الأخير، وعلاوة على إنقاذها سكان برلين ساهمت عملية "قاذفات الزبيب" في تحسين العلاقة بين الغرب والسوفييت عن طريق خلق شعور بالحرية والصداقة.