سياسة نتنياهو تضعف "إسرائيل".. هكذا يتآكل نفوذها على الساحة الدولية بسبب حرب غزة

إضعاف إسرائيل دولياً وسقوط بايدن والغرق برمال غزة.. هذه أبرز النتائج المتوقعة لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه قطاع غزة، من وجهة نظر توماس فريدمان، الكاتب الأمريكي الشهير المؤيد لإسرائيل.

ففي مقالٍ له بصحيفة New York Times الأمريكية، يقول توماس فريدمان إن حرب غزة تؤدي إلى إضعاف إسرائيل دولياً، وأنه يرى تآكلاً سريعاً ومتزايداً لمكانة إسرائيل بين الدول الصديقة لها، وأن هذا التآكل يحدث لمستوى القبول والشرعية الذي شيدته إسرائيل بشق الأنفس على مدى عقود. وبناءً عليه، يرسل تحذيراً للرئيس الأمريكي جو بايدن بأن مكانة الولايات المتحدة سوف تتراجع عالمياً مع إضعاف إسرائيل دولياً وتراجع مكانتها. 

يستعرض توماس فريدمان في مقاله كيف تسبب سياسة نتنياهو في إضعاف إسرائيل دولياً، إذ يقول إنه لا يعتقد إن الإسرائيليين أو إدارة بايدن يقدِّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع أنحاء العالم، والذي تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهد التلفزيونية، التي تنقل مقتل آلاف عديدة من المدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، بالأسلحة التي زودتها الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على قطاع غزة. ويقول إنه يُنظَر إلى إسرائيل والولايات المتحدة على أنهما تتحملان الجزء الأكبر من اللوم، (وهو ما يؤدي إلى إضعاف إسرائيل دولياً).

ويعتبر فريدمان أنه من الواضح أن مثل هذا الغضب يغلي في العالم العربي، لكنه يضيف أنه سمع ذلك مراراً في محادثات أُجرِيَت في الهند خلال الأسبوع الماضي -من أصدقاء وكبار رجال أعمال ومسؤولين وصحفيين صغار وكبار على حد سواء. ويرى أن هذا الأمر أكثر دلالة؛ لأن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي يهيمن عليها الهندوس هي القوة الكبرى الوحيدة في الجنوب العالمي التي دعمت إسرائيل وألقت باللوم باستمرار على حماس في الانتقام الإسرائيلي الضخم ومقتل ما يُقدَّر بنحو 30 ألف شخص، وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة، وغالبيتهم من المدنيين.

يقول فريدمان: "قد يمثِّل مقتل العديد من المدنيين في حرب قصيرة نسبياً مشكلةً في أي سياق، ولكن عندما يموت هذا العدد الكبير من المدنيين في غزو انتقامي شنته حكومة إسرائيلية دون أي أفق سياسي لليوم التالي -وبعد ذلك، عندما يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أخيراً خطة لليوم التالي تقول بشكل أساسي للشعب الفلسطيني: إسرائيل تعتزم الآن احتلال كل من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أجل غير مسمى– فليس من المستغرب أن يبتعد أصدقاء إسرائيل ويبدأ فريق بايدن في الظهور بمظهرٍ بائس.

ويتذكَّر فريدمان أن شيكار غوبتا، المحرر المخضرم لصحيفة ThePrint الهندية، قال له: "هناك حب وإعجاب هائلان لإسرائيل في الهند. لكن الحرب بلا نهاية ستجهدها. وبغض النظر عن الصدمة الأولية والرعب، فإن حرب نتنياهو تلحق الضرر بأعظم أصول إسرائيل: الإيمان السائد على نطاق واسع بأن جيشها لا يقهر". 

أما عن قادة الدول العربية، يقول فريدمان إن أولئك منهم الذين يريدون أن يشهدوا تدمير حماس، يتعرضون لضغوط من الشارع إلى النخب لكي ينأوا بأنفسهم علناً عن إسرائيل التي لا ترغب في النظر في أي أفق سياسي لاستقلال فلسطين على أي حدود.

وأشار في هذا السياق إلى ما قاله نتنياهو بشأن الخطة المستقبلية يوم الجمعة الماضي، إذ أفاد بأن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة، وستكون المنطقة منزوعة السلاح، وسوف تُغلَق الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر بشكل أكثر إحكاماً بالتنسيق مع القاهرة والولايات المتحدة. 

وأضاف نتنياهو أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا" التي تقدم خدمات الصحة والتعليم الأولية للاجئين الفلسطينيين سوف تُحَل، وستجري إصلاحاتٌ على التعليم والإدارة بالكامل، وستعتمد الإدارة المدنية والشرطة اليومية على "عناصر محلية ذات خبرة إدارية وإدارية"، فيما لم يوضِّح من سيدفع ثمن كل هذا وكيف سيُوظَّف الفلسطينيون المحليون لإدامة السيطرة الإسرائيلية.

ويرى فريدمان أن هذا المزيج بين آلاف الضحايا المدنيين وخطة نتنياهو التي تتوعد باحتلال لا نهاية له -بغض النظر عما إذا كانت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية قد حولت نفسها إلى هيئة حكم شرعية وفعالة ذات قاعدة عريضة يمكنها السيطرة على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة- هو مزيجٌ مسموم. 

وبناءً على ذلك، يعتبر أن هذه العملية بدأت تبدو لعدد متزايد من الناس وكأنها مفرمة لحم بشرية هدفها الوحيد هو تقليل عدد السكان حتى تتمكن إسرائيل من السيطرة عليها بسهولة أكبر.

ويقول فريدمان إن نتنياهو يرفض مجرد التفكير في محاولة رعاية علاقة جديدة مع الفلسطينيين من غير حماس، لأن القيام بذلك من شأنه أن يخاطر بمنصبه كرئيسٍ للوزراء، الذي يعتمد فيه على دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة اليهودية المتعصبة التي لن تتنازل أبداً عن شبر واحد من الضفة الغربية.

ويقول إن نتنياهو على استعداد للتضحية بالشرعية الدولية التي اكتسبتها إسرائيل من أجل احتياجاته السياسية الشخصية، (وبالتالي إضعاف إسرائيل دولياً)، ولن يتردد في إسقاط بايدن معه.

من وجهة نظر فريدمان، فإن الإسرائيليين فشلوا في رؤية أن بذل جهد على الأقل للتحرك ببطء نحو دولة فلسطينية تقودها سلطة فلسطينية متحولة ومشروطة بالتجريد من السلاح وتحقيق أهداف معينة للحكم المؤسسي ليس هدية للفلسطينيين أو مكافأة لحماس، بل هو بدلاً من ذلك الشيء الأكثر أنانية وأنانية الذي يمكن للإسرائيليين أن يفعلوه الآن لأنفسهم –لأن إسرائيل تخسر على ثلاث جبهات في وقت واحد اليوم، بحسب قوله. 

في معرض عرضه لكيفية تسبب سياسية نتنياهو في إضعاف إسرائيل دولياً، يقول فريدمان إن إسرائيل تخسر السردية العالمية القائلة بأنها تخوض حرباً عادلة. فهي لا تخطط للخروج من غزة على الإطلاق، لذا فإنها في نهاية المطاف ستغرق في الرمال هناك مع احتلال دائم من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى تعقيد العلاقات مع جميع حلفائها وأصدقائها العرب في جميع أنحاء العالم. وهي تخسر إقليمياً أمام إيران ووكلائها المناهضين لإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق واليمن، الذين يضغطون على حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية والشرقية.

هناك حل واحد، بحسب فريدمان، من شأنه أن يساعد على الجبهات الثلاث: هو وجود حكومة إسرائيلية مستعدة للبدء في عملية بناء دولتين قوميتين لشعبين، مع وجود سلطة فلسطينية مستعدة حقاً وراغبة في تحويل نفسها. وهذا من شأنه أن يوفر الغطاء لحلفاء إسرائيل العرب للدخول في شراكة مع إسرائيل في إعادة بناء غزة، ويوفر الغراء للتحالف الإقليمي الذي تحتاجه إسرائيل لمواجهة إيران ووكلائها.