تشير التوقعات إلى أنه في حال عدم وجود حل عاجل لقرارات عدة دول مانحة، بتعليق دعمها المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، إلى أن اللاجئين الفلسطينيين عموما، وسكان قطاع غزة تحديدا، سيواجهون ظروفا أكثر قسوة، خاصة وأن هذه الدول التي أعلنت عن وقف التمويل وفي مقدمتها الولايات المتحدة، كانت تقدم ما مجموعة 80% من التمويل.
مخاوف من القادم
وبات خبر وقف التمويل الذي أعلنت عنه تسع دول أجنبية الحديث السائد عند سكان قطاع غزة، إلى جانب تبادل أخبار الحرب والحديث عن التهدئة، خاصة وأن هذه المنظمة الأممية باتت تعتبر الجهة الرئيسة الأساسية التي تقدم خدمات إغاثية للسكان الذين يعانون ويلات الحرب التي تقترب من دخول شهرها الخامس.
ويخشى السكان في قطاع غزة من تردي أوضاعهم المعيشية بشكل أخطر مما هو عليه، في حال توقفت عملية التمويل لهذه المنظمة الأممية، التي تعاني بالأصل من نقص حاد في التمويل منذ عدة سنوات.
ومنذ بدء الحرب على غزة، باتت “الأونروا” الجهة الأساسية التي تقدم خدمات الإغاثة ليس فقط للاجئين، بل لمجمل سكان قطاع غزة.
وتقدم في هذا الوقت معونات عينية في مقدمتها الأغذية، إلى جانب توزيع الدقيق، والعديد من المساعدات الأخرى.
وأبدى العديد من النازحين، خلال حديثهم مع “القدس العربي”، خشيتهم من تردي أوضاعهم بشكل أخطر مما هو عليه الآن، ومن بينهم نازحون يقيمون في “مراكز الإيواء” التابعة لـ “الأونروا”، والتي تؤوي أكثر من 1.4 مليون نازح، من أصل 1.9 مليون نازح، تركوا منازلهم بسبب الحرب.
وأكد رجل يقيم في أحد “مراكز الإيواء”، في مدينة رفح جنوب القطاع، أن وقف المساعدات يعني أن أسرته والأسر الأخرى الكثيرة في المدينة، ستفقد قوت يومها، مما سيساهم في توسيع نطاق المجاعة، لافتا إلى أنه فقد عمله كموزع بضائع منذ اليوم الأول للحرب، وأنه يعتمد حاليا على هذه المساعدات كغيره الكثير من نازحي وسكان غزة.
لكن حسب مصادر في “الأونروا” تحدثت لـ “القدس العربي”، فإن هناك مخاوف لدى قيادة هذه المنظمة، من تأثر خدماتها الإنسانية خلال الحرب الدائرة، الأمر الذي سيتأثر به السكان بشكل خطير، سيطال طعامهم وإيواءهم في “مراكز الإيواء”.
وأشار إلى أنه سبق وأن ادعت إسرائيل في فترات سابقة قبل الحرب الحالية، بوجود ارتباط لموظفين بحركة حماس، لكن دون أي دليل، مؤكدا أن سياسة “الأونروا” بالأصل تمنع ذلك.
وكانت سلطات الاحتلال ادعت أن هناك موظفين في “الأونروا”، شاركوا في الهجمات التي نفذها نشطاء الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي.
وقد قامت “الأونروا” بعد ذلك بوقف عقود العديد من موظفيها، بناء على ادعاءات الاحتلال.
وتلا ذلك أن أعلنت عدة دول وقف الدعم المقدم لهذه المنظمة الأممية، والمقدر بـ 80% من الميزانية.
“الأونروا” تعقب
وفي دلالة على خطورة الموضوع قال فيليب لازاريني المفوض العام لـ “الأونروا”، “إنه لأمر صادم أن يتم تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على ادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة بالنظر إلى الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة بإنهاء عقودهم وطلب إجراء تحقيق مستقل وشفاف”.
وأشار لازاريني في تصريح صحافي إلى أن “الأونروا” هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، حيث يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة.
وقال إن الكثيرين “يشعرون بالجوع في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق”. وأضاف أن الوكالة تدير الملاجئ لأكثر من مليون شخص وتعمل على توفير الغذاء والرعاية الصحية الأولية حتى في ذروة الأعمال العدائية.
لازاريني: الكثيرون يشعرون بالجوع في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق
وحث لازاريني الدول التي قامت بتعليق تمويلها على إعادة النظر في قراراتها قبل أن تضطر الأونروا إلى تعليق عمليات استجابتها الإنسانية. وقال إن الناس في غزة، وكذلك الاستقرار الإقليمي، يعتمدون على هذا الدعم.
وأشار إلى الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة، الذي ينص على ضرورة أن تتخذ إسرائيل “تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي تشتد إليها الحاجة، لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”.
وأضاف “إن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين، وخاصة الأونروا باعتبارها أكبر جهة فاعلة إنسانية في غزة”.
وأشار إلى أنه لا يزال حوالي 3,000 موظف أساسي من أصل 13,000 في غزة يذهبون إلى العمل، ويعملون على منح مجتمعاتهم شريان حياة يمكن أن ينهار في أي وقت الآن بسبب نقص التمويل”.
وأوضح أن فرض عقوبات على “الأونروا” وعلى سائر المجتمع الذي تخدمه، بسبب مزاعم ضد بعض الأفراد “بارتكاب أعمال إجرامية”، “سيكون أمرا غير مسؤول للغاية خاصة في وقت الحرب والنزوح والأزمات السياسية في المنطقة”.
وقال لازاريني إن التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية بحق هذه الادعاءات الشنيعة سيثبت الحقائق.
والجدير ذكره أن “الأونروا” تقدم خدمات لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني بمنطقة الشرق الأدنى في مختلف المجالات ومنها التعليم والصحة والمساعدات الإنسانية.
غوتيريش يدعو لاستمرار المساعدات
وفي السياق، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الأمم المتحدة “تتخذ إجراءات عاجلة عقب الادعاءات الخطيرة للغاية ضد عدد من موظفي وكالة الأونروا”.
وأشار إلى أن تحقيق مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية “تم تفعيله على الفور”.
وأوضح أن من بين الأشخاص الاثني عشر، تسعة تم على الفور التعرف عليهم وإنهاء عقودهم من قبل المفوض العام فيليب لازاريني، فيما تأكد مصرع شخص، ويجري استيضاح هويتي الشخصين الآخرين.
وأكد غوتيريش أن أي موظف في الأمم المتحدة يتورط في “أعمال إرهابية” سيخضع للمساءلة بما في ذلك عبر المقاضاة الجنائية.
وقال “إن الأمانة العامة للأمم المتحدة مستعدة للتعاون مع سلطة مؤهلة قادرة على مقاضاة الأفراد بما يتماشى مع إجراءات الأمانة العامة بشأن مثل هذا التعاون”.
رفض فلسطيني
وفلسطينيا رفضت الرئاسة ما وصفتها بـ “الحملة الظالمة” التي تقودها حكومة الاحتلال الإسرائيلية ضد “الأونروا”، وقالت إن الحملة تهدف إلى “تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يتعارض مع القرار الأممي (302) الذي أُنشِئت بموجبه ولأجله وكالة الأونروا في 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 1949، والقرارات الأممية الأخرى المتعلقة بقضية اللاجئين كافة”.
وطالبت الدول التي اتخذت موقفًا من “الأونروا” قبل انتهاء التحقيق في الاتهامات الموجهة إليها، بـ “التراجع عن هذه المواقف التي من شأنها معاقبة الملايين من أبناء شعبنا دون وجه حق بشكل لا إنساني، خاصة أنهم هجروا من أرضهم عام 1948، وما زالت إسرائيل ترتكب الجرائم بحقهم، وآخرها حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة”.
وأكدت الرئاسة أن قضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية، التي اتخِذت بشأنها عشرات القرارات الأممية، مشددة على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا بعودة اللاجئين وفق القرار 194.
كذلك اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين قرار عدد من الدول تعليق تمويلها لـ “الأونروا”، بأنه يمثل “عقابا جماعيا لملايين الفلسطينيين خاصة في ظل الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها شعبنا في قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان متواصل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي”.
وأكدت في بيان لها أن هذه القرارات تعد “مسيسة وغير متناسبة”، خاصة في ظل إعلان الأمين العام للأمم المتحدة عن إجراء تحقيق في المزاعم الإسرائيلية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات يفرضها القانون بشأنها.