التايمز: حرب في البحر الأحمر تتحدى قدرة أمريكا على القتال وتهدف لإخراجها من الشرق الأوسط

نشرت صحيفة “التايمز” مقالا للمعلق روجر بويز، قال فيه إن بناء أول قوات بحرية متقدمة في عصر الإمبراطوريات كان لإبراز الطموح الإمبريالي وتأمين التجارة البحرية وإخافة القراصنة.

أما اليوم، ففي الوقت الذي يطلق فيه المتمردون الحوثيون الصواريخ والطائرات المسيرة على السفن التجارية التي تحاول العبور من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي، تبدو المهمة البحرية مشابهة إلى حد ما.

 ففي ظاهر الأمر، كما يقول بويز، يتصرف الحوثيون مثل قراصنة الزمن الماضي، إلى جانب أن القوة المتمردة ضمنت دعما إيرانيا ضمن لرجال القبائل التمتع بالقوة النارية التي يحتاجون إليها لكسر أنف أمريكا وجعله ينزف.

ويتحدث الكاتب أن الحل بحسب حسابات المجتمع الأمني الأمريكي المستهترة تقوم على أن تسوية النزاع في البحر الأحمر تتم من خلال استخدام الأساليب المعتادة مثل رمي القنابل أو الرشوة. فإما أن تضطر الولايات المتحدة إلى قصف قواعد الحوثيين على طول الساحل اليمني، مما يؤدي إلى استنزاف ترسانتهم من الطائرات المسيرة والصواريخ، أو سيتم شراؤهم. لكن هذا أيضا تفكير قديم الطراز. إنه يقلل من أهمية عمق التخطيط الاستراتيجي الذي يجري في طهران.

ويضيف أن ما يحدث هو بداية لحرب صغيرة ذات آثار عالمية. إنها حرب تتحدى قدرة أمريكا على القتال في البحر ضد قوة عصابات هدفها النهائي، بقيادة إيران، هو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.

والولايات المتحدة ليست مستعدة لذلك. فالطائرات المسيرة الحوثية التي تكلف الواحدة منها حوالي 2000 دولار يتم إسقاطها بواسطة الصواريخ الأمريكية التي يمكن أن تصل تكلفة كل منها إلى 2 مليون دولار. عاجلا وليس آجلا، سيتعين على المدمرات العودة إلى رصيف الأسلحة الأمريكي لإعادة تحميل 90 أنبوبا صاروخيا أو أكثر. وهذا لا يكلف المال فحسب، بل يترك مجموعات حاملات الطائرات مكشوفة عندما تتركها السفن الحربية الداعمة.

ويقول الكاتب إن الحسابات الأمريكية في الوقت الراهن هي أن الأمر يستحق تحمل هذه النفقات. إذا تم إصابة سفينة حاويات مدنية واحدة وفقدت حمولتها، فستكون الفاتورة أعلى. وإذا تم تعطيل سفينة حربية غربية، فسوف تصبح القوة العسكرية الأمريكية موضع شك في جميع أنحاء العالم. ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على الوفاء بهدفها الذي أعلنته ذاتيا والمتمثل في حماية حرية الملاحة على طرق التجارة.

ويعتقد بويز أن الأمر لا يقتصر على البحر الأحمر فحسب، بل هناك بحار أخرى بها ممرات ضيقة، من بينها المضيق التركي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود، ومضيق هرمز على الخليج الفارسي، ومضائق ملقا التي تربط الخليج الفارسي بالمناطق الآسيوية، مضيق تايوان المتنازع عليه، وقناة بنما التي تربط آسيا بالغرب والتي تعاني حاليا من الجفاف.

وإذا تم إغلاق قناة السويس ومضيق باب المندب لفترة أطول، فسيكون هناك اضطراب خطير في سلسلة التوريد، وستستغرق ناقلات النفط والغاز الطبيعي المسال أسبوعا أطول على الأقل للوصول إلى أوروبا، وستكون حركة الحاويات أكثر عرضة للخطر. وسوف ترتفع الأسعار، وسيتم تحقيق أهداف التضخم، وسيكون هناك نقص عالمي. أقساط التأمين ترتفع. وسيعاني الاقتصاد المصري غير المستقر أصلا من خسارة رسوم العبور عبر القناة.

 ويرى الكاتب أن هناك سببا لزيارة إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، إلى القاهرة، وهو أن مصر التي تزداد يأسا يجب أن تبذل المزيد من الجهود من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.

وبالتالي، تم تجنيد طياري الطائرات المسيرة الحوثيين لزيادة المخاطر. تعمل إيران على خلق “حركة الكماشة”، مع حزب الله في الشمال، والحوثيين في الجنوب، والحرس الثوري في سوريا، مشيرا إلى مقتل أحد كبار مستشاري طهران العسكريين في غارة جوية إسرائيلية على ما يبدو خارج دمشق يوم الإثنين الماضي. حزب الله في هذه اللحظة ليس أكثر من مصدر إزعاج للقوات الإسرائيلية. وقد يتغير ذلك بسرعة، لكن إيران قد ترغب في الاحتفاظ بحزب الله، بجيشه الضخم المدرب على القتال، في الاحتياط حاليا، وهو بمثابة وسادة الأمان لإيران في حالة تعرضها لهجوم مباشر.

ويرى الكاتب أن الحوثيين، الذين كانوا رائدين في هجوم الطائرات المسيرة عام 2019 على منشآت النفط السعودية، يجلبون ثلاث سمات إلى الحرب التي تشنها إيران بالوكالة: هدية للحرب غير المتكافئة؛ وحقيقة أنهم من الشيعة الزيدية وبالتالي يثقون في طهران بطريقة لا تحظى بها حماس السنية؛ وقد أظهروا على مدى ثماني سنوات من الصراع ضد السعودية والإمارات أنهم قادرون على الصمود في موقفهم.

وكثيرا ما تنكر إيران أن الحوثيين هم وكلاؤها، وهو موقف طهران الافتراضي بالنسبة لجميع القوات الأجنبية التي تعمل لصالحها.

ويقول مايكل نايتس، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنه لا يمكن الفصل بين إيران والحوثيين، على الرغم من أنهم لا يزالون يتمتعون ببعض الحرية الذاتية. ويقول إن الحوثيين هم مثل “كوريا شمالية غير نووية، لاعب منعزل وعدواني ومسلح جيدا ومعاد للولايات المتحدة ويجلس على منطقة جغرافية رئيسية”.

ويقول إن المعلومات الاستخباراتية من الحرس الثوري الإيراني هي التي تنبه الحوثيين للسفن المستهدفة وإن كانت لها صلات إسرائيلية.

يعد مسار ملكية السفن معقدا للغاية، لدرجة أنه يتطلب عملاء أذكياء للعمل عليه. وهذا عمل إيران. وكذلك الأمر بالنسبة لتنظيم وتجهيز مراكب التجسس الشراعية. وتقع قاعدة الصواريخ المعروفة للحوثيين بالقرب من صنعاء في اليمن، على بعد حوالي 1800 كيلومتر من ميناء إيلات الإسرائيلي. الصواريخ -جميعها تم اعتراضها- تنطلق باتجاه إيلات وبالقرب منها منذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر.

إذن ما هو السلاح الذي يمكن أن يطير إلى هذا الحد؟ وتظهر الصور شيئا يشبه إلى حد كبير صاروخ “قدر” الباليستي الإيراني، الذي يصل مداه الأقصى إلى 1950 كيلومترا.

ويتساءل الكاتب: “هل سيتدخل الإيرانيون لتحسين الاستهداف الحوثي من خلال تعديل أنظمة الملاحة؟ هل سيوفرون رؤوس البحث الكهرو- الضوئية للمسيرات الانتحارية التي تقدمها طهران؟”.

ووفقا للتقييمات الغربية، فإن الأمر يبدو كذلك. تعمل إيران على إشعال حرب على ثلاث جبهات ضد إسرائيل وحماتها. ويقول المتشددون الأمريكيون، مثل جون بولتون، الذي كان يعمل سابقا في إدارة ترامب، إن ضبط النفس الغربي تجاه إيران يفسر في طهران على أنه علامة التدهور الحضاري لأمريكا، وربما كان محقا.