نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بن هبارد قال فيه إن أهم المخططين لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أفلتوا من ملاحقة إسرائيل في غزة التي دمرتها بدون العثور عليهم، واعتُبروا من أهم أهداف العملية الحالية.
وأضاف الكاتب أن السماء في غزة امتلأت بسجب من المنشورات التي تطالب بمعلومات عن مكان وجود كبار قادة حماس. وكان عنوان المنشور “اقتربت نهاية حماس” ووعدت بجائزة ضخمة لمن يقدم معلومات عن الذين “جلبوا الدمار والخراب على قطاع غزة”.
وعلى رأس القائمة هو يحيى السنوار، زعيم حماس وبمكافأة 400000 دولار أي ضعف الراتب الشهري في غزة بـ1500 مرة. وحددت إسرائيل هدفها في العملية العسكرية بتدمير حماس وقتل قادتها الذين تتهمهم بالتخطيط للهجوم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكنها لم تحدد مكانهم بعد، رغم العملية العسكرية التي أدت لمقتل 20000 فلسطيني ودمرت أحياء بأكملها.
وتعتبر إسرائيل السنوار، شخصية مركزية في هجوم 7 أكتوبر والذي قتل فيه حوالي 1200 شخص، وتم أخذ 240 أسيرا إلى غزة، حسب قول المسؤولين الإسرائيليين. ويبلغ السنوار من العمر 61 عاما، وهو عضو مؤسس في حركة حماس في الثمانينات من القرن الماضي، وتحديدا الجناح العسكري، وطور سمعة من خلال تعامله القاسي مع المشتبه بتعاملهم مع إسرائيل”.
ونقل الكاتب عن مخيمر أبو سعدة، الأستاذ المشارك في جامعة الأزهر بغزة، ويقيم حاليا في القاهرة، قوله عن السنوار: “هو رجل صعب وقاسٍ”. ويعلق الكاتب أن التزام السنوار بحركته وأفكارها يعني أنه لن يذهب بسهولة.
ووصف أبو سعدة تفكير السنوار بأنه “لو قُتل فسيذهب إلى الجنة وليس مهتما حقيقة بالحياة”. و”ستكون إسرائيل مخطئة لو فكرت أنه قد يستسلم أو يرفع الراية البيضاء”.
وتبحث إسرائيل عن شقيق السنوار، محمد الذي لم يُر منذ بداية الحرب، مع أن الجيش الإسرائيلي نشر هذا الأسبوع فيديو يظهر فيه القيادي في كتائب القسام، وهو يقود سيارة داخل نفق في غزة. وعرض المنشور الإسرائيلي الذي أُسقط من الجو مكافأة بـ300000 دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
وورد في المنشور أيضا اسم رافع سلامة، أحد قادة حماس العسكريين، ومحمد الضيف، قائد كتائب القسام، والذي يُعتقد أنه فقد أحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في محاولة إسرائيلية سابقة لاغتياله. وعرضت إسرائيل مكافأة بـ200000 دولار مقابل معلومات عن سلامة، و100000 دولار عن محمد الضيف. ويرى المحللون والمسؤولون الإسرائيليون أن أهم نصر رمزي للعملية سيكون اغتيال السنوار.
ورغم تدمير بنية حماس أو معظمها، على حد تعبير هبارد، إلا أن السنوار لا يزال يتمتع بنوع من السيطرة على عمليات الحركة، وكان قادرا على التفاوض في عملية تبادل الأسرى مع إسرائيل الشهر الماضي. وعلى خلاف قادة حماس الآخرين الذين عاشوا في الظل وحتى قبل الهجمات على إسرائيل، إلا أن السنوار شارك في مناسبات اجتماعية وألقى خطابات زادت من مكانته وصورته بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولن يؤدي قتله إلى تغيير عمليات حماس، بل سيؤثر على معنويات مقاتليها ويفرح الإسرائيليين.
ويرى هبارد أن مراوغة هؤلاء القادة تحرم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من دليل يقدمه لجمهوره المحلي وجوقة دولية تطالبه بوقف إطلاق النار، ويثبت لهم أن العملية العسكرية تتقدم نحو تدمير حماس. وفي الأيام العشرة الأخيرة، مررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبيتها، قرارا غير ملزم يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، كما طالبت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بهدنة.
وأرسلت إدارة بايدن مجموعة من مسؤوليها البارزين للضغط على إسرائيل لتخفيف حدة الحرب في الأسابيع المقبلة، والتركيز على ملاحقة حماس. إلا أن نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين تحدثوا عن عملية طويلة ومكثفة حتى بداية العام المقبل. ويصر الإسرائيليون على أنهم أضعفوا قدرات حماس وقتلوا آلافا من عناصرها وقادتها البارزين، إلى جانب تدمير جزء كبير من شبكة الأنفاق التي أقامتها الحركة لنقل السلاح والمقاتلين حول القطاع.
ونظرا لأن قادة حماس يربكون إسرائيل ومحاولاتها للعثور عليهم، فهناك إمكانية لنجاتهم من العملية الحالية، والعمل على إعادة بناء قدرات الحركة بعد أن تصمت المدافع. ويقول هبارد إن إسرائيل فوتت عددا من الفرص في السنوات الأخيرة لتجميد السنوار.
وكان السنوار قد اعتُقل في عام 1988 وقضى عشرين عاما في السجون الإسرائيلية، حيث قضى وقته يتعلم نفسية عدوه واللغة العبرية، وقرأ كثيرا وأصبح زعيما وسط الأسرى.
ويقول سفيان أبو زايدة، المسؤول السابق في الضفة الغربية، والذي التقى مع السنوار قبل خروجه من السجن: “لا شك أنه عنيد ومفاوض صعب”. ورفض السنوار قبول اتفاقيات أوسلو، و”قال، لا أعترف بمن أنتجوا أوسلو”، وصدرت ضده عدة أحكام طويلة بالسجن، لكنه خرج مع 1026 أسيرا في صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط عام 2011.
ورجع السنوار إلى قطاع غزة وكرس نفسه لتحرير بقية الأسرى. وبحسب أبو زايدة، فقد “وعد زملاءه عندما غادر السجن أن حريتهم هي مسؤوليته”، وأضاف أبو زايدة: “7 تشرين الأول/ أكتوبر هي بالأساس لتحرير الأسرى”.
ومنذ الهجمات، قال قادة حماس إن هذا هو الهدف المركزي لهم، واستطاعت الحركة في الشهر الماضي تحرير 240 فلسطينيا مقابل 105 إسرائيليين. وترغب حماس بمبادلة 120 جنديا إسرائيليا بأسرى فلسطينيين مهمين.
وقال يوفال بريتون، المدير السابق لوحدة الاستخبارات في السجون، إن إسرائيل قررت الإفراج عن السنوار بدلا من غيره لأنه لم يقتل إسرائيليين. وقال بريتون إنه عارض الإفراج عنه لأنه شاهد قدرته للتأثير على السجناء حتى في الخارج، وأضاف: “قلت لهم: لو أفرج عنه فسيؤثر على الميدان بشكل كبير جدا، وهو خطر كبير وسيصبح في غضون عام زعيما لحماس”، ولكن اعتراضه رُفض.
وأصبح السنوار زعيما لحماس في قطاع غزة عام 2017. وفي نهاية خطاب متلفز بعد حرب 2021، تحدى إسرائيل لاغتياله، ومشى في الشارع وحيّا أصحاب المحلات وأنصاره. ولعل إنجازه الكبير كان خداع إسرائيل بأنه يريد تحسين حياة الغزيين وتجنب الحرب.