رام الله الإخباري
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده جون هدسون، ولويزا لافلاك، وفيكتوريا بيزل، وكارين دي يونغ، قالوا فيه إن إسرائيل استخدمت “قنابل غيبة” غير موجهة في نصف غاراتها على غزة.
وكشف الصحافيون عن تقييم استخباراتي أمريكي جاء وسط ضغوط تمارسها إدارة بايدن على إسرائيل لتبني نهج أكثر دقة وتحديدا للأهداف. وبحسب التقييم الأمريكي، فنصف الذخيرة التي استخدمتها إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة ليست موجهة، وهو ما يفسر بحسب خبراء الأسلحة، العدد الكبير من الوفيات بين المدنيين.
وأطلقت القوات الإسرائيلية أكثر من 29000 قنبلة من الجو على القطاع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكانت نسبة الموجهة منها بدقة ما بين 55-60% بحسب التقييم الجديد لمكتب مدير الأمن الوطني الأمريكي. أما البقية فهي تعرف في المصطلحات العسكرية بـ”القنابل الغبية” وفق شخصين على معرفة بالتقييم.
وقالت الصحيفة إن استخدام القنابل الغبية بكثرة والذي كشفت عنه لأول مرة شبكة “سي أن أن” أمر أثار قلق الجماعات الإنسانية داخل وخارج الولايات المتحدة، وسط دعوات لاشتراط واشنطن أي دعم عسكري لإسرائيل، بتخفيض مباشر للوفيات بين المدنيين.
ورفضت إدارة بايدن هذه الدعوات خوفا من ردة فعل الجمهوريين والهجمات السياسية من جماعات اللوبي القوية المؤيدة لإسرائيل. واختارت بدلا من ذلك التأثير على الحكومة الإسرائيلية وتحديد العملية العسكرية، واستخدمت زيارات على مستويات عالية لمسؤولين، بما فيها لقاء مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على مطالب الصحيفة للتعليق. وقُتل حتى الآن حوالي 18800 فلسطيني، وجرح على الأقل 51000 آخرين في غزة بعد مضي أكثر من شهرين على الحرب. وبناء على القانون الدولي، فالأسلحة تعتبر عشوائية أو استخدمت بدون تمييز لو لم تطلق باتجاه أهداف عسكرية.
وقال بريان كاستنر، المستشار البارز في الأزمات، ومحقق الأسلحة في منظمة أمنستي انترناشونال: “هذا تحد كبير للتفريق بين الأهداف العسكرية المشروعة والأهداف المدنية، وبموجب قواعد الحذر، يجب على الجيش الإسرائيلي استخدام أدق الأسلحة المتوفرة لديه وأصغرها لضرب الأهداف”.
وتابع كاستنر أن إسرائيل استخدمت “أسلحة ضخمة جدا جدا”، و”عندما تستخدم في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، حتى لو كانت ضد أهداف مشروعة، فإنها على الأرجح ستقتل مدنيين”.
وتقول الصحيفة إن إسرائيل وفي استخدامها لذخيرة غير موجهة تبدو أقل إشكالية من الأمثلة الأخرى، بحسب مسؤول أمريكي على معرفة بالأمر. مثل ضرب مداخل الأنفاق أو البنايات في مناطق ذات كثافة سكانية قليلة عندما تحلق الطائرة على مستويات متدنية أو ما يعرف “قصف الغطس”، ويمكن أن تدافع عنها إدارة بايدن.
لكن الإدارة، وبالمجمل، ترى أن مستوى الضحايا المدنيين مرتفع وغير مقبول، وحثّت إسرائيل على توخي الحذر الكبير. وفي زيارته التي قام بها قبل فترة قصيرة، أخبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن المسؤولين الإسرائيليين، أن لديهم أسابيع وليس أشهرا لمواصلة القتال على الوتيرة الحالية، وفق مسؤول أمريكي على معرفة بالأمر.
وعندما سُئل عن استخدام “القنابل الغبية”، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع مات ميلر، إنه ليس في وضع للإجابة أو تقديم “أحكام” بشأن الأمر، واكتفى بالقول: “هناك عدة طرق يمكن فيها استخدام الذخيرة”.
وجاءت زيارة سوليفان إلى إسرائيل يوم الخميس، وهي الأولى في سلسلة من الزيارات التي سيقوم بها المسؤولون البارزون في الإدارة الأمريكية خلال الأيام المقبلة، وكلهم سيأتي حاملا رسالة قوية بضرورة تغيير وتيرة الحملة العسكرية الحالية.
وسيصل الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية اليوم الجمعة إلى إسرائيل، وسيتبعه وزير الدفاع لويد أوستن يوم الإثنين. وقال النائب الديمقراطي عن ولاية تينيسي ستيف كوهين، في منشور على منصات التواصل الاجتماعي: “تمادى نتنياهو كثيرا، وسيعلمه جيك سوليفان بضرورة تحديد القصف، وإلا فستكون إسرائيل بدون آخر صديق حقيقي لها”.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم المجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، إن سوليفان ناقش المرحلة المقبلة للعملية العسكرية الإسرائيلية مع نتنياهو، و”طرح أسئلة صعبة”. وأضاف: “ناقش جيك أيضا الجهود الإسرائيلية التي تقوم بها لكي تكون أكثر دقة في القصف، والجهود التي يقومون بها لزيادة المساعدات الإنسانية”.
وسيلتقي سوليفان مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اليوم الجمعة في رام الله. وقال مسؤول بارز إن التقارير عن وضع سوليفان جدولا زمنيا لإنهاء العمليات العسكرية المكثفة بما فيها الغارات الجوية والتوغلات البرية في نهاية الشهر الحالي، ليست دقيقة.
وفي الوقت الذي ضغطت فيه الإدارة الأمريكية على إسرائيل لتوخي الحذر في القصف، إلا أنها لم تضع موعدا محددا لإنهاء العمليات الحربية، وقال المسؤول: “لا نزال وسط عمليات التنظيف المكثفة والتي ستتحول مع مرور الوقت إلى مرحلة العمليات الأقل كثافة”، والبحث عن قادة حماس وتدمير البنى العسكرية. وأضاف: “لم نصل إلى هناك بعد”.
وعندما سئل عن إمكانية نهاية الحرب بدون قتل زعيم حماس في غزة يحيى السنوار، عبّر المسؤول عن ثقته بأنه سيُقتل قريبا، و”من الآمن القول أن أيامه معدودة” و”ستتحقق العدالة” وفق تعبيره.
وكان بايدن قد حذر في حفل جمع تبرعات بداية الأسبوع من خسارة إسرائيل الدعم على المسرح الدولي بسبب القصف العشوائي في غزة. وقال كيربي إن تصريحات الرئيس عسكت الواقع الدولي وهو مهم.
وهناك شجب دولي متزايد انعكس في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوتت 153 دولة إلى جانب قرار يدعو لوقف إطلاق النار، بزيادة 30 صوتا عن قرار مماثل في تشرين الأول/أكتوبر.
وزاد الإحباط في الكونغرس بعد تجاوز إدارة بايدن الإجراءات القانونية المعروفة بشأن نقل الأسلحة، حيث أمر وزارة الخارجية بالموافقة على تزويد إسرائيل بـ14000 قذيفة مدفعية تصل قيمتها تقريبا إلى 106 ملايين دولار بدون أخذ رأي الكونغرس. وعبّر مشرعون عن عدم ارتياحهم من تغليف الإدارة صفقات الأسلحة لإسرائيل بالسرية وندرة المعلومات عنها، مقارنة مع الدعم العسكري لأوكرانيا.
وقال النائب الديمقراطي عن نيويورك وعضو لجنة الشؤون الخارجية، غريغوري دبليو ميكس: “هل أنا قلق؟”، حيث لم تُعلم اللجنة بصفقة القذائف المدفعية، وقال: “ليس لأنها إسرائيل أو أي طرف آخر، ولكن أي تمويل بهذه الصورة يجب أن يأتي إلينا”.
وزادت الضغوط على بايدن من منظمات حقوق الإنسان ومن داخل إدارته بضرورة حماية المدنيين. وقال كاستنر: “لقد وثقنا عددا من الهجمات التي نستطيع الجدال بأنها هجمات عشوائية وغير متناسبة، وأعتقد أن هذه المعلومات الجديدة عن استخدام القنابل الغبية تشرح هذا”.
القدس العربي