عاموس هآرئيل / هآرتس
بعد أسبوع من التأخير والتعرجات، يبدو أن هناك تقدماً كبيراً في الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بشأن صفقة أولية لإطلاق سراح مخطوفين في غزة. رئيس الحكومة، نتنياهو، التقى أمس للمرة الأولى بعد بضعة أسابيع مع عدد كبير من عائلات المخطوفين، وهي خطوة قد تشير إلى بداية تغيير في المأساة المتواصلة. في الوقت نفسه، قال الرئيس الأمريكي إنه يأمل في أن يتمكن الطرفان من استكمال الصفقة قريباً.
وعقد مجلس الحرب قبل يومين جلسة أخرى لمناقشة الاقتراح الأخير للصفقة الذي تم نقله عبر قطر. يمكن معرفة شيء ما من الصورة التي نشرها مكتب وزير الدفاع، يوآف غالانت، ومن المشاورات السابقة في هذا الشأن. يظهر فيها غالانت إلى جانب ضباط كبار في الجيش، لكن يجلس بجانبه المسؤولان عن إدارة المفاوضات عن الطرف الإسرائيلي: رئيس مركز الأسرى والمفقودين الجنرال احتياط نيتسان ألون، ورئيس الموساد دافيد برنياع.
خلال الأسبوع الماضي، عقدت في المستويين الأمني والسياسي عدة مشاورات حول الصفقة. تسربت الاختلافات العاصفة إلى الخارج. يبدو الآن وجود تغيير يرتبط باستعداد جليّ لرئيس حماس يحيى السنوار، للتقدم نحو الصفقة. ولكن في الوقت نفسه، حدث تغير في الطرف الإسرائيلي، ويبدو أنه يكمن في إدراك غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي بأنه لا يمكن لإسرائيل التركيز فقط على العملية العسكرية الهجومية في شمال القطاع. يجب على جهاز الأمن، الذي فشل فشلاً ذريعاً، ومكن من حدوث المذبحة في 7 تشرين الأول، أن يبدأ في التصحيح. والتصحيح لا يقتصر على احتلال منطقة وقتل المخربين فحسب، بل يرتبط أولاً وقبل كل شيء بمحاولة إعادة الأمهات والأطفال المخطوفين في المرحلة الأولى على الأقل.
خلال أيام بث كبار الضباط في جهاز الأمن خطاً بأن العملية البرية هي التي ستؤدي إلى الضغط على حماس، وستؤدي بشكل غير مباشر إلى تقديم تنازلات في المفاوضات من قبل السنوار. كان هذا يختلف عن الخط الذي عبر عنه بني غانتس وغادي آيزنكوت، وزراء المعسكر الرسمي، في لقائهم مع عائلات المخطوفين الذي تم بث تسجيلات منه في “أخبار 12”. غانتس وآيزنكوت تحملا مسؤولية الفشل، لكنهما كانا في 7 تشرين الأول في المعارضة ولم يكونا يشغلان أي منصب عسكري أو سياسي.
لكن موضوع الصفقة لم يُغلق بعد؛ فالأمر يتعلق كما يبدو بنقاط خلاف بين الطرفين، وبشخصية السنوار. منذ بداية الحرب، هناك صعوبة متزايدة أمام إسرائيل في قراءة خطواته، وأبرز مثال على ذلك تعامله مع المخطوفات اللواتي لديهن الجنسية الروسية. الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبشكل غير مباشر يؤيد حماس التي تحارب إسرائيل. وحماس معنية بالحصول على تعاطف موسكو معهم. رغم ذلك، هذه قضية لم تُحلّ بعد. إسرائيل تعتبر السنوار شخصاً غير متوقع ويمكنه التشويش على الصفقة.
حسب الصفقة التي تلوح في الأفق، فالنية هي أن تعيد حماس 50 امرأة وطفلاً في المرحلة الأولى. وهناك نقاش أيضاً حول عشرات المخطوفين الذين هم -وفق أقوال حماس- محتجزون لدى فصائل فلسطينية أخرى وعائلات في غزة. في المقابل، ستتسلم حماس حوالي 150 سجيناً فلسطينياً، نساء وقاصرين، إلى جانب الأمر الأهم كما تراه: خمسة أيام من وقف إطلاق النار. وتطالب حماس أيضاً بأن توقف إسرائيل الطيران في سماء القطاع أثناء وقف إطلاق النار.
في هذه الأثناء، حدث أمس أمر مهين في الكنيست. “قوة يهودية”، قائمة اليمين المتطرف برئاسة بن غفير، طرحت مشروع قانون لفرض عقوبة الإعدام على المخربين. هذه الهستيريا الزائدة جاءت في توقيت فظيع ومخيف، حيث عائلات المخطوفين تناضل من أجل إطلاق سراح أعزائها وتخشى من خطوات حماس، التي أعلنت في هذا الأسبوع عن مقتل جندية في الأسر. وهذا لم يزعج أعضاء الكنيست من قائمة بن غفير للتطاول على أبناء العائلات، في الوقت الذي كانت تتوسل إليهم من أجل شطب مشروع القانون من جدول الأعمال.
هذا القانون لن يمر الآن، لكن هذا السيرك القبيح في الكنيست عكس نقاط حضيض أخرى في ولاية الحكومة الأكثر فظاعة في تاريخ إسرائيل. وهو أمر لا يهم بن غفير بالطبع؛ فهو في حملة، فلماذا يعنيه المخطوفون الذين في معظمهم لم يصوتوا له أصلاً؟ قرار نتنياهو عدم التدخل في هذه الأمور أثبت مدى خضوع رئيس الحكومة لابتزاز شركائه في الائتلاف.
الجيش الإسرائيلي يواصل تقدمه
يستمر التقدم ببطء لفرقتين إسرائيليتين مدرعتين، هما 162 و36 إلى مخيم جباليا للاجئين وحي الزيتون وأحياء أخرى في شمال مدينة غزة وشرقها. حتى الآن، تضررت كتائب حماس في هذه المناطق بشكل قليل أثناء القتال. لذلك، تبدو المقاومة هناك صعبة جداً على الأغلب. في الوقت نفسه، تستمر حماس في محاولة قضم ذيل الجيش الإسرائيلي، بإطلاق نار القناصة وإطلاق صواريخ الـ “آر.بي.جي”، حتى في المناطق التي سيطر عليها الجيش في غرب المدينة وجنوبها. أمس، نشر عن مقتل ثلاثة جنود في معارك أول أمس. المشكلة التي تقلق القادة تتعلق بإطلاق النار المتبادل، عندما تشخص قوات قريبة بعضها بالخطأ كقوة معادية؛ وهذه مشكلة تتكرر في الحروب وفي العمليات داخل غزة، وهي تنبع من الاكتظاظ في المناطق المأهولة ومن كثرة القوات العاملة فيها. أمس، رفض الجيش الإسرائيلي بشدة الادعاء الذي نشرته وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، وكأن تعليمات أعطيت في هذه المرحلة من العملية من أجل تقليص إطلاق قذائف المدفعية والقصف الجوي التي ترافق القوات.
أول أمس، نشر المتحدث بلسان الجيش صورة لرئيس الأركان هرتسي هليفي وهو يصادق على خطة عملياتية في قيادة المنطقة الجنوبية لمواصلة العملية العسكرية، وظهر بجانبه قائد المنطقة الجنوبية يارون فنكلمان، وقائد الفرقة 98 العميد دان غولدبوس. تبدو الإشارة واضحة لحماس: الجيش الإسرائيلي يخطط للعمل في ساحة أخرى؛ أي في المنطقة الواقعة جنوباً التي تنتهي في وادي غزة. وهذا يستهدف إعطاء إشارة بأن إسرائيل تستطيع وهي تنوي زيادة الضغط على الجنوب، الذي تختبئ فيه قيادة حماس تحت الأرض. من المرجح أن الجيش الإسرائيلي سيحاول في وقت عملية كهذه تقليص جزء على الأقل من قوات الاحتياط المنتشرة شمالي القطاع. عدد جنود الاحتياط الاجمالي الذي يستخدمه الجيش قليل الآن، وقد انخفض بآلاف الجنود.
ليس للجيش مصلحة في وجود دائم في القطاع بصيغة احتلال. النية الأساسية هي نقل تركيز الهجوم على مناطق أخرى والحفاظ على وجود مقلص في المناطق التي فيها حاجة من أجل الدفاع عن الحدود من داخل المنطقة، هذا إلى جانب اقتحامات مركزة وقت الحاجة. أول أمس، أوضحت الإدارة الأمريكية بأنها تتحفظ من عملية إسرائيلية في جنوب القطاع إذا لم تأخذ إسرائيل في الحسبان حقيقة وجود حوالي 2 مليون مواطن في هذه المنطقة، هرب نصفهم من شمال القطاع بتعليمات من الجيش الإسرائيلي.