أثار عميد مسجد باريس شمس الدين حفيز جدلاً في الجزائر، بعد تصريحات له على قناة فرنسية، وصف فيها حركة “حماس” بالإرهابية، وحديثه عن “بكاء المسلمين على آلام اليهود”، واعتبار ما قامت به المقاومة في فلسطين “مجازر مروعة”.
وذكر حفيز، وهو من أصول جزائرية، ويتولى عمادة مؤسسة تقع تاريخياً تحت التأثير الجزائري، في لقاء مع قناة “بي أف أم” الفرنسية، أنه “يجب أن نتعاطف مع ضحايا 7 تشرين الأول/أكتوبر”، في إشارة إلى عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، زاعماً أن ما حدث “كان مجازر مروعة”.
واجتهد العميد، الذي كان جالساً رفقة حاخام اليهود في فرنسا حاييم كورسيا، في نزع الغطاء الإسلامي عمّا فعلته المقاومة في فلسطين، قائلاً: “هنا يكمن دورنا.. الإسلام قبل قوانين الحرب وضعَ قواعد الصراع، والخليفة أبو بكر الصديق قال إنه لا يجب مهاجمة المدنيين، أو أخذ رهائن، وأن نحسن معاملة السجناء، حتى أنه قال لا تقطعوا الأشجار”.
وذهب حفيز إلى حد التبرؤ من تصريحات الزعيم اليساري البارز في فرنسا جون لوك ميلونشون، الذي كان صاحب الموقف الوحيد تقريباً، بين قادة فرنسا السياسيين، المدين للعدوان الإسرائيلي على غزة. وقال، رداً على ما إذا كان يؤيد الكلام الذي أدلى به جون لوك ميلونشون: “لا أبداً. هذا كلام من لديهم برنامج سياسي.. أنا أقول إن مسلمي فرنسا يريدون العيش كمواطنين مكتملي الحقوق مع بقية الطوائف”. وأضاف: “نقول للطائفة اليهودية التي تتألم.. نحن نتألم معكم”.
وبخصوص رأيه بحركة “حماس”، وما إذا كان يعتبرها إرهابية، قال عميد مسجد باريس بشكل مباشر: “بالطبع، قلنا ذلك في البيان. لا أريد صبّ الزيت على النار. وما أريده اليوم ألا نستورد هذا الصراع (إلى فرنسا)، وأن نتعايش كمسلمين ويهود كإخوة.. آلامهم وأحزانهم نتقاسمها اليوم”. وأردف: “ما أريده هو عودة الرهائن حتى يكون إخوتي اليهود سعداء”.
وكان لهذه التصريحات، التي اعتبرها البعض صادمة في تعليقاتهم، وقع خاص في الجزائر، كون حفيز يستقبل في الجزائر من أعلى السلطات، وهو يتحدث بشكل يناقض بشكل جوهري موقف السلطات الجزائرية من القضية الفلسطينية، التي تعتبر في الجزائر “قضية وطنية ومركزية”.
وكانت الخارجية الجزائرية قد هاجمت بشدة، في عدة بيانات ومواقف عبّر عنها الوزير، من ينكرون في العالم الغربي حق المقاومة، ويحاولون مساواة الضحية بالجلاد في فلسطين.
وليست هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها حفيز في الجزائر، ففي مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة، حذر النائب عن الجالية توفيق خديم، الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن من أن تفقد الجزائر التأثير على مسجد باريس، بسبب ما قال إنها “مواقف هذه المؤسسة الدينية وسمعتها بين المسلمين في فرنسا”.
وقال خديم إن مسجد باريس مؤسسة دينية يصرف عليها من مال الشعب الجزائري، مشيراً إلى أنه “وقت يفترض أن تكون مواقف مسجد باريس معبرة عن انشغالات الإسلام والمسلمين في فرنسا، والجزائريين خصوصاً، نجده في الحقيقة لا يرقى للمستوى المطلوب، وهذا ما يجعله يفقد صفة التمثيل”.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، تعرض عميد مسجد باريس أيضاً لهجوم شديد، بعد حضوره ندوة شاركت فيها السفيرة الإسرائيلية بفرنسا. وصنف عبد الرزاق مقري، رئيس أكبر حزب إسلامي بالجزائر، آنذاك، ذلك الفعل في دائرة “الخيانة”.
وكتب مقري على صفحته بفيسبوك، تدوينة يقول فيها، مستنكراً، إن “عميد مسجد باريس المعروف بعلاقته بالسلطات الجزائرية يحضر ندوة نظمتها مجلس الجمعيات اليهودية في فرنسا بحضور سفيرة الكيان”، داعياً “الجزائريين المقيمين في فرنسا لأن يعبروا عن رفضهم لهذا التصرف المشين المناقض للموقف الرسمي الجزائري ولموقف الشعب الجزائري”.
كما طلب مقري من “السلطات الجزائرية اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه هذا الذي فُرض ليمثل الديانة الإسلامية في فرنسا، وهو الذي لا يصلح لذلك أبداً”، على حد قوله.
وظهر شمس الدين حفيز، في تلك المناسبة، بجانب السفيرة الإسرائيلية خلال انعقاد المؤتمر الوطني للمجلس النيابي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، وتحدث في موضوع بعنوان “فرنسا- الجزائر.. هل المصالحة ممكنة؟”، وهو ما أثار عدة تساؤلات في الإعلام الجزائري، وعلق عليه موقع “الجزائر وطنية” الناطق بالفرنسية بالقول: “مَن كَلَّفَ عميد مسجد باريس ليتحدث عن الجزائر في هذا المنتدى الذي يروج لإسرائيل وسياستها في المنطقة؟”.
ويمتلك حفيز الجنسية الفرنسية، وهو أحد المقربين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قلّده وسام جوقة الشرف، باعتباره هدفاً، كما قال، لأعداء الجمهورية المتطرفين. وظل الرجل يدافع عن نسخة للإسلام متوافقة مع قيم الجمهورية الفرنسية، حتى أنه أسقط، قبل مدة، دعوى قضائية كان قد رفعها ضد مجلة شارلي إيبدو، بسبب رسوماتها المسيئة ضد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
ويمثل مسجد باريس بتاريخه أحد أكبر المؤسسات الدينية الإسلامية في فرنسا، وهو ساحة للتأثير الجزائري بامتياز، منذ سنوات طويلة، على اعتبار أن الجزائر تعد أكبر جالية مسلمة في فرنسا، وتود الاحتفاظ بعلاقة قوية بينها وبين الوطن الأم. وتقدم الجزائر نحو 3 مليون أورو سنوياً لمؤسسة مسجد باريس، وهي مؤسسة عريقة خاضعة للقانون الفرنسي، تولى عمادتها، منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي، شخصيات جزائرية.