نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافي إيشان ثارور قال فيه إنه في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انتشر شعار أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو أن “حماس هي تنظيم الدولة”، وربط بين المذبحة التي نفذها مقاتلو الفصيل الفلسطيني والخراب الذي
ارتكبه تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا قبل عقد من الزمان تقريبا. وقد كان تنظيم “الدولة” – مدفوعا بعقيدة الألفية المروعة – في موجة من القتل والتعذيب والإعدام المروع واختطاف المدنيين من مجتمعات المرتدين والأعداء المفترضين. إن التقارير حول ما فعله مقاتلو حماس في البلدات والكيبوتسات في جنوب إسرائيل تذكرنا بقسوة وهمجية هياج تنظيم “الدولة”.
ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الأمر يستحق ردا مماثلا. وقال نتنياهو: “مثلما اتحدت قوى الحضارة لهزيمة داعش، يجب على قوى الحضارة أن تدعم إسرائيل في هزيمة حماس”.
وتحولت هذه العبارة إلى وسم، ورددها المسؤولون والسياسيون الإسرائيليون من مختلف الأطياف، وكذلك حلفاء إسرائيل. وبعد أسبوع من المجازر، وصف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ما فعلته حماس بأنه “أسوأ من تنظيم الدولة”.
وفي يوم الثلاثاء، ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب نتنياهو وذهب إلى أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن التحالف الدولي الذي قاتل أمثال تنظيمي القاعدة و”الدولة” يجب الآن أن يهزم فريسة إسرائيل. وقال إن إسرائيل ليست وحدها وأن “فرنسا مستعدة لأن تقاتل في التحالف الذي يقاتل في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة ضد حماس أيضا”. وما يعنيه ذلك من الناحية العملية لا يزال غير واضح.
ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب نتنياهو وذهب بعيدا، إذ أشار إلى أن التحالف الدولي الذي قاتل أمثال تنظيمي القاعدة و”الدولة” يجب الآن أن يهزم فريسة إسرائيل
وقد تعهد المسؤولون الإسرائيليون بشن حملة انتقامية لا رحمة فيها ضد “الحيوانات البشرية” وصاغوا أفعالهم، التي أدت إلى ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، بنفس الضوء الأخلاقي الذي اتسمت به المعارك ضد النازيين، ناهيك عن الحملة العالمية لهزيمة تنظيم “الدولة”.
لكن الباحثين في شؤون الشرق الأوسط يؤكدون أن مثل هذا الخطاب يتعمد تسطيح القوى العميقة المتفاعلة.
وتقول مونيكا ماركس، الأستاذة في سياسة الشرق الأوسط في جامعة نيويورك فرع أبوظبي، إن القول إنه لا يوجد فرق بين حماس وتنظيم “الدولة” وهو “تكتيك فعال لتصويرها – وجميع سكان غزة، بالنظر إلى اللغة التعميمية للعديد من القادة الإسرائيليين – على أنها غير إنسانية، وشريرة بشكل لا يمكن إصلاحه، يهدف إلى جعلهم أهدافا مشروعة للوحشية في الانتقام”.
وأضافت أنه يمكن القول إن شخصية حماس الإسلامية وقناعاتها العقائدية كانت أقل أهمية من رؤيتها بأنها حامل لواء التحرير الوطني الفلسطيني المسلح.
مونيكا ماركس: القول إنه لا يوجد فرق بين حماس وتنظيم “الدولة”، وهو تكتيك فعال لتصويرها – وجميع سكان غزة – على أنها غير إنسانية وشريرة يهدف إلى جعلهم أهدافا مشروعة للوحشية في الانتقام
ويتفق مع ذلك إسحق وايزمان، مؤرخ إسرائيلي للحركات الإسلامية في جامعة حيفا. قال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي: “هناك ميل للقول بأن [حماس] كانت دائما داعش. لكن هذا ليس صحيحا بالضرورة. إنها منظمة تستجيب للوضع”، في إشارة إلى كيفية تسامح حماس مع الجماعات الدينية الأخرى في غزة. وأضاف: “حاولت حماس أن تشمل جميع سكان غزة. وفي المقابل، كان داعش يقتل أي مسلم لا يصلي في الوقت الصحيح. لا يمكنك أن تقول فقط: داعش ذبح الناس وكذلك فعلت حماس، لذا فهما نفس الشيء. هذا سطحي للغاية”.
هناك أيضا مشكلة صغيرة، كما أشار آرون زيلين، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهي أن داعش “تنظر حرفيا إلى حماس على أنها مرتدة” بسبب علاقاتها مع النظام الديني الشيعي في إيران.
قد تكون رغبة إسرائيل في القضاء على حماس بشكل كامل مفهومة، لكن المحللين يتساءلون عما إذا كان ذلك ممكنا بالفعل. وسوف يتطلب الأمر حربا برية وحشية أكثر صعوبة وتعقيدا من الجهود المبذولة لطرد داعش من معاقله في العراق وسوريا. وعلى الرغم من طردهم من ما يسمى “الخلافة”، إلا أن أيديولوجيتهم لم تُمحى إلا بالكاد، وتنتشر فروع داعش في أجزاء مختلفة من العالم.
وحذر أندرو إكسوم، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاغون في إدارة أوباما والذي ساعد في صياغة استراتيجية مكافحة داعش، من الخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين عندما استعادت قوات التحالف معقلي داعش الرئيسيين في الموصل في العراق والرقة في سوريا. وكتب إكسوم: “كانت التكاليف البشرية لاستعادة الرقة والموصل مذهلة”، مضيفا أن “الرقة والموصل، مثل غزة أيضا، منطقتان حضريتان كبيرتان: وكان تجنب سقوط ضحايا على نطاق واسع في صفوف المدنيين أمرا مستحيلا”.
وحتى لو تم سحق حماس وتجريدها من قدرتها على تهديد إسرائيل بالعنف المروع الذي أطلقته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإن ذلك لن يعالج السياق الذي نشأت منه حماس والتي تعمل منذ ذلك الحين. ويشمل ذلك، كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مجلس الأمن يوم الثلاثاء، أكثر من خمسة عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وانتهاكات مشروع الاستيطان الإسرائيلي الذي شجعته حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وانهيار السلطة الفلسطينية.
كتب المؤلف والناقد اليهودي الأمريكي آدم شاتز، في مقال نشر في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس: “على الرغم من كل الجهود التي تبذلها إسرائيل لتصويرها على أنها الفرع الفلسطيني لـ”الدولة”، وعلى الرغم من رجعيتها وعنفها، فإن حماس هي منظمة قومية إسلامية، وليست طائفة عدمية، وجزء من المجتمع السياسي الفلسطيني. إنها تتغذى على اليأس الناتج عن الاحتلال، ولا يمكن تصفيتها ببساطة أكثر من تصفية المتعصبين الفاشيين في حكومة نتنياهو”.