أذربيجان المنتصرة في قره باغ تعقد مباحثات سلام مع الانفصاليين الخميس

تعقد أذربيجان والانفصاليون الأرمن في ناغورني قره باغ الخميس مباحثات سلام بوساطة روسية، غداة إعلان باكو انتصارها في عملية عسكرية سريعة شنّتها في الإقليم المتنازع عليها منذ عقود.


ويلتقي الجانبان في مدينة يفلاخ الواقعة على مسافة أكثر من 200 كيلومتر غرب باكو، في يوم من المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة دعت إليها فرنسا للبحث في أزمة الإقليم.


وفي أعقاب عملية عسكرية استمرت 24 ساعة وقال الانفصاليون إنها أدت الى مقتل أكثر من 200 شخص، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الأربعاء أن بلاده "استعادت السيادة" على الإقليم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار شملت بنوده موافقة الانفصاليين على إلقاء أسلحتهم وإجراء محادثات مع باكو.


وأكد الكرملين ليل الأربعاء أن قوات حفظ السلام الروسية المنتشرة في قره باغ منذ العام 2020، ستتولى دور الوساطة في مباحثات السلام الخميس.


وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أمله في أن تتيح المباحثات "التوصل الى خفض التصعيد... ونقل هذه المشكلة الى مسار سلمي"، وذلك خلال استقباله وزير الخارجية الصيني وانغ يي في وقت مبكر الخميس.


وشكّل إقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه غالبية من الأرمن محور نزاع مديد. وخاضت الجمهوريتان السوفيتيان السابقتان أذربيجان وأرمينيا حربين بشأنه، إحداهما بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بهزيمة يريفان.


وأجرت باكو ويريفان مباحثات سلام بوساطة غربية حققت بعض التقدم نحو إعداد نص سلام دون التوصل لاتفاق ناجز. ووافقت يريفان على الاعتراف بقره باغ كجزء من أذربيجان، لكنها طالبت بآليات دولية لحماية حقوق السكان.


وبعد مقتل أربعة شرطيين ومدنيَّين بانفجار لغمَين في قره باغ واتهام أذربيجان الانفصاليين بالمسؤولية عن هذه الأعمال "الإرهابية"، أطلقت باكو عملية عسكرية "لمكافحة الإرهاب".


وأكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الأربعاء أن بلاده "أعادت بسط سيادتها" على قره باغ، مؤكدا تدمير "معظم" قوات الانفصاليين وعتادهم العسكري، وأن هؤلاء باشروا الانسحاب وتسليم أسلحتهم بموجب الاتفاق المبرم.


وأشاد بـ"الحكمة السياسية" التي أظهرتها يريفان بعدم تدخّلها مباشرة لإسناد الانفصاليين الأرمن.


وأكد مستشار علييف حكمت حاجييف أن باكو ترغب في "إعادة الإدماج السلمي للأرمن في قره باغ وتدعم أيضًا عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان"، متعهدا توفير ممر "آمن" للمقاتلين.


وأثارت المعارك خشية من تفاقم الأزمة الانسانية في الإقليم، والتي تتهم يريفان باكو بالتسبب بها منذ فترة نتيجة إغلاق ممر لاتشين، وهو المعبر البري الوحيد بين أرمينيا وقره باغ.


وأعرب البيت الأبيض الأربعاء عن قلقه من تفاقم الوضع الإنساني في الإقليم، بينما حضت أطراف أوروبية أذربيجان على ضمان حقوق الأرمن في قره باغ.


وأثار الانتصار الأذربيجاني مخاوف من نزوح جماعي للسكان المقدر عددهم بـ120 ألف نسمة. وقال أمين المظالم لشؤون حقوق الانسان في المنطقة غيغام ستيبانيان إنه "تم إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص من مناطق إقامتهم الأصلية" نحو أنحاء أخرى فيه، مشيرا الى افتقادهم "التغذية الملائمة والأدوية ومواد النظافة الأساسية".


وأكد ستيبانيان أن العملية العسكرية أدت الى مقتل 200 شخص على الأقل وإصابة أكثر من 400 آخرين، مشيرا الى وجود عشرة مدنيين على الأقل بين القتلى، خمسة منهم من الأطفال.


وأكد الانفصاليون أن الاتفاق يشمل انسحاب الوحدات العسكرية المتبقية وحلّ التشكيلات المسلحة ونزع سلاحها، وأنه ستتم في مباحثات الخميس "مناقشة القضايا التي أثارها الجانب الأذربيجاني بشأن إعادة الدمج وضمان حقوق وأمن أرمن ناغورني قره باغ".


وبعدما أكدت قوات حفظ السلام الروسية الأربعاء عدم تسجيل أي خرق لوقف النار، قالت وزارة الدفاع الأرمينية ليل الأربعاء إنّ "وحدات الجيش الأذربيجاني أطلقت نيران أسلحة خفيفة على المواقع القتالية الأرمينية بالقرب من سوتك".
وكانت باكو اشترطت منذ بداية عمليتها استسلام الانفصاليين وتسليم أسلحتهم لإنهاء النزاع الطويل في الإقليم.


وفي باكو، لم يخف سكان فرحهم بأن النزاع شارف النهاية. وقالت الموظفة المتقاعدة رنا أحمدوفا (67 عاما) لوكالة فرانس برس "وأخيرا، انتهت الحرب".


وكان المزاج معكوسا في يريفان بعد هزيمة هي الثانية في ثلاثة أعوام، أعادت تحريك الانتقادات الداخلية في وجه رئيس الوزراء نيكول باشينيان.


وحاولت المعارضة الأرمينية على مدى السنوات الماضية إقناعه بمغادرة السلطة محمّلة إياه مسؤولية الهزيمة العسكرية خلال حرب خريف 2020 في قره باغ. ولليوم الثاني، تجمّع متظاهرون الأربعاء خارج مقر رئيس الوزراء واتهموا الحكومة بالتخلي عن الأرمن الذين يشكلون غالبية سكان الإقليم. ووقعت مواجهات بينهم وبين الشرطة.


وطالب الكثير من المتظاهرين برحيل باشينيان، ومنهم سركيس هياتس البالغ 20 عاما الذي قال إن باشينيان "يجب أن يرحل... نحن نخسر وطننا وشعبنا".


وكان باشينيان أكد أن بلاده لم تشارك في صياغة اتفاق وقف النار، مذكّرًا بأن يريفان "ليس لديها جيش" في الجيب الانفصالي منذ آب/أغسطس 2021.


وكان تجدّد القتال في ناغورني قره باغ أثار قلق المجتمع الدولي ودعوات متعددة لوقف النار، أبرزها من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والبابا فرنسيس ودول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.


وفي حين دعت فرنسا الثلاثاء الى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث التوتر، رأت باكو أن لا جدوى لذلك.
وقال المستشار حاجييف "نعتقد أن جلسة كهذه في حال انعقادها، ستكون غير ذي جدوى وضارة... ليست ضرورية".