رام الله الإخباري
لم تزين الوالدة أميرة الغول منزلها في مخيم جنين كباقي الأمهات، استعداداً للاحتفاء بنتائج الثانوية العامة "التوجيهي" التي أعلنت اليوم، بعدما غيب رصاص الاحتلال نجلها وحبيب قلبها الطالب مجدي يونس عرعراوي، في اليوم الثاني من العدوان على مخيم جنين بتاريخ 5-7-2023، لكنها قاومت حزنها احتراماً ووفاءً لروح شهيدها، وكتمت دموعها، وزينت جدران منزلها بصور مجدي.
تردد أم مجدي أثناء وضع صور شهيدها، "أكرمه رب العالمين بشهادة أعظم وأسمي وأكبر، شهادة الدنيا لا تساوي شيئاً، أمام كرامة ومكرمة رب العالمين، ورغم كل الحزن والظلم، سنفرح بنجاح رفاق وأصدقاء مجدي الذين سيكملون مشواره ومسيرته".
حدقت الوالدة الصابرة، بصور مجدي، وهي تتذكر قائلةً: "أحب التعليم دوماً، كان لديه طموح بإكمال دراسته العليا، والالتحاق بالجامعة ودراسة تخصص هندسة السيارات الكهربائية، ثم بناء مستقبله والوقوف لجانبي، بعدما توفي والده بسبب المرض قبل سنوات".
وتضيف: "لم يكن مطلوباً، ولم يكن مسلحاً، وقتلوه مع ابن عمه بدم بارد فجر الإثنين، بعدما أصيب برصاص قناص إسرائيلي حاقد على بوابة حي الدمج في المخيم المقاوم".
بعد وفاة رفيق دربها، حلت المآسي والهموم في منزل العائلة، لكن وجود مجدي شكل كما تقول والدته: "أهم عامل لتخفيف أحزاني وأوجاعي، أصبح فرحتي وسعادتي خاصة عندما وصل للثانوية، فوعدني بالتفوق والنجاح لنعيش الحياة بسعادة وشطب الحزن من مستقبلنا".
وتضيف: "واظب واجتهد وثابر طوال العام وخاصة في الامتحانات، حتى يصل لأمنياته وأحلامه ودراسة الهندسة، وبعد نهاية الامتحانات في 28-6، بدأنا ننتظر على أحر من الجمر، يوم الفرح الموعود".
حتى في أسوأ كوابيس حياتها، لم تتوقع والدة مجدي، ما حدث معه خلال مجزرة الاحتلال في حي الدمج، الذي صمد 15 ساعة خلال المواجهات العنيفة التي خاضتها المقاومة مع قوات الاحتلال حتى لم تتمكن من اقتحام الحي.
وبحسب الشهود، فإن الاحتلال أمام عجزه استخدم الطائرات التي قصفت المنازل ومسجد الأنصار بشكل عشوائي وكثيف، بينما أطلقت فرق القناصة النار على كل جسم يتحرك في الحي من مواقعها التي احتلتها وحولتها لثكنات عسكرية.
وتقول والدة الشهيد: "كغيره من الشبان والصغار الذين شعروا بالخوف من القصف، انتقلوا من حارة لأخرى هرباً من القصف وغدر القناصة، لكن فجأة انهمر الرصاص عليهم".
يروي الشهود لـ"القدس" دوت كوم، أن قناص إسرائيلي أطلق الرصاص نحو المنطقة خلال مرور أمجد ورفاقه، فأصيب الفتى علي هاني الغول (17 عاماً)، وعندما سارع مجدي لإخراجه وإنقاذه، تعرض لإطلاق النار من القناص الذي أصابه بثلاثة رصاصات في الصدر والفخذ والرقبة، وخلال نزيفهما حاول العديد من الشبان إسعافهما، لكن الرصاص استمر.
وبعدما منع الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول لمجدي وهاني، خاطر الشاب كمال عرعراوي، ابن عم الشهيد مجدي، وحاول التسلل من خلف مركبة، وخلع قميصه وألقى بطرفه نحوه ليسحبه، لكن رصاص الاحتلال كان أسرع، فأصيب بعيار ناري في العين، وبقي الثلاثة ينزفون لفترة طويلة، وعندما وصلت مركبات الإسعاف ونقلتهم، تبين أن مجدي وعلي ارتقيا شهيدين، بينما فقد كمال بصره.
تعانق الوالدة صور مجدي، وتقول: "اغتال الاحتلال أحلامي وأفراحي، لم أتوقع أن لا يعود لمنزلنا الذي يرتدي الأسود وزي الحداد على حبيب قلبي وعمري الذين لن يعوضني أحد عنه".
وتضيف: "كلما اقترب موعد إعلان النتائج، أشعر بقلبي ينتفض ويصرخ، أعانق كتبه وملابسه التي جهزتها ليوم النتائج، وملابسه المخضبة بالدم والتي استشهد فيها، لكن ما يصبرني، أن رب العالمين كرمه بشهادة كبرى".
القدس