غداة المناوشات الحدودية «المحدودة» في الزمان والمكان، التي لم تخرج عن السيناريو المألوف في الآونة الأخيرة، بفعل الإجراءات الإسرائيلية في بلدة الغجر، بعد ضمّ الشطر اللبناني منها إلى الشطر الذي تسيطر عليه إسرائيل، تراجع الاهتمام بملف الرئاسة الأولى، حتى كاد يكون «خارج التداول»، بانتظار أمر ما «يُطبخ» في الخارج، قد يتجاوز هذه المرة مسألة وصول شخص متفاهم عليه إلى قصر بعبدا، إلى ما يمكن وصفه بـ«مقاربة فرنسية جديدة لحل الأزمة في لبنان».
ونوّهت مصادر على خط متابعة ما يتسرب من الاتصالات الجارية في الخارج إلى أن التسوية المرتقبة قد تكون شاملة، سياسياً ومالياً واقتصادياً، وقد تتناول تعديل الدستور، لجهة المهل المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل الحكومة، في ضوء ما يعتزم الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية السابق، جان إيف لورديان، طرحه في بيروت خلال زيارته المرتقبة منتصف الشهر الجاري.
أما في الوقت المستقطع، بين الفراغ المستمر وموعد انتخاب رئيس جديد، تصدر ملف حاكمية مصرف لبنان المركزي المشهد، بأبعاده المالية والسياسية فبينما كانت المؤشرات تنحو في اتجاه تسليم وتسلّم سلسيْن بين رياض سلامة، ونائبه الأول وسيم منصوري، حملت الساعات الماضية إعادة تحريك لملف التعيين، من بوابة المعلومات عن جلسة حكومية لهذا الغرض وذلك، في ضوء الرسالة الصادرة عن نوّاب الحاكم الأربعة، الذين طالبوا بتعيين حاكم أصيل بعد رحيل سلامة في 31 من الجاري، وإلا فالاستقالة الجماعية.
وبحسب تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، بات المصرف المركزي أمام 3 خيارات لا رابع لها: إما تعيين الحكومة حاكماً جديداً لمصرف لبنان، وإمّا استلام النائب الأوّل وسيم منصوري مهام الحاكمية، وإما تمديد الحكومة ولاية سلامة.
وفي ضوء التحذيرات من سيناريو «الفراغ التام» في حاكمية مصرف لبنان، في حال لم تستدرك الحكومة الوضع، ولم تعيّن حاكماً جديداً، أو تمدد لسلامة، فرض البيان المذكور نفسه بنداً محورياً على المشهدين الرئاسي-الحكومي والمالي-النقدي، من زاوية التوقيت والفعالية.
والنتائج التي يمكن أن تترتّب عليه، مع انسداد ظاهر في انتخاب الرئيس، في حين ارتفع منسوب الأسئلة المرتبطة بهذه القضية، ومفادها: كيف سينتهي هذا المسار، وهل تبدّل في اتجاهاته الزيارة المرتقبة للودريان في النصفِ الثاني من الشهر الجاري، فيعود الملفّ الرئاسي ليتقدّم على ما عداه؟
وفي ظل الانسداد الذي يظلل أفق الأزمة الرئاسية، ارتفع منسوب دعوات البعض، وفي مقدّمهم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، يطرح القضايا الأساسية، ما أعاد خلط الأوراق الرئاسية، وفاقم ريبة البعض الآخر، وتحديداً على خط ثنائي «حركة أمل»-«حزب الله»، الذي نوّهت مصادره لـ«البيان» إلى أن من شأن تدويل التسوية على النحو المطروح أن يسخّن الخلافات الداخلية.
وبدت المناخات المتوترة والمحتقنة انعكاساً لاتجاه الأزمة الرئاسية نحو مزيد من الغموض الداخلي، وسط انتظار الخطوات المتوقعة للموفد الرئاسي الفرنسي، لودريان، والموعد الافتراضي لعودته إلى لبنان، وما إذا كان يعتزم فعلاً القيام بجولة على بعض العواصم المعنية بمتابعة الأزمة الرئاسية اللبنانية وتداعياتها.
ومع أن أيّ معطيات فرنسية رسمية لم تتضح بعد حيال ما يعتزم لودريان القيام به، كما موعد عودته إلى بيروت، تردّدت معلومات مفادها أن عودته ستكون يوم 17 الجاري، حاملاً في جعبته مشروع عقد طاولة حوار، تجمع رؤساء الكتل النيابية في مجلس النواب، على أن تكون، على الأرجح، برئاسة الرئيس نبيه بري.
أما على المقلب الآخر من الصورة، فكلامٌ عن أن جموداً تامّاً ألقى بالملفّ الرئاسي على رصيف انتظار الخطوة التالية للموفد الرئاسي الفرنسي، كما على رصيف حوار، اصطدم بأكثر من جدار مسدود، بعدما تأكد للجميع أنه ما من جهة محايدة قادرة على إدارته، ويبدو أنه لن يحصل بين مكوّنات، بعضها حسم أمره برفضه، وبعضها الآخر يريده لتحقيق غايته.. فهل دقّت ساعة المؤتمر الدولي للبنان، أم أن الأمور لم تنضج بعد؟