تقديرات حكومية: 630 ألف مركبة تسير في شوارع الضفة منها 150 ألف غير قانونية

رام الله الإخباري

تشهد الشوارع الفلسطينية في السنوات الأخيرة زيادة مضطردة في أعداد السيارات سواء القانونية أو غير القانونية، فيما لم تشهد تلك الشوارع أعمال توسعة لمجاراة الزيادة في أعداد المركبات.

حتى هذا البعد لم يُأخذ في حسبان الجهات المسؤولة، إلا أنه يطرح مرارا مع تكرار مشاهد الأزمات المرورية، فيما هناك بعد آخر غائب تماما عن الأجندة، يتمثل بالأضرار البيئية الناتجة عن المركبات عموما، والمشطوبة منها على وجه الخصوص.

المتجول في القرى والبلدات الفلسطينية من أقصى شمال الضفة إلى جنوبها، يلاحظ بلا عناء، أعداد السيارات المشطوبة التي تسير على الطرقات. إلى جانب ذلك تنتشر عشرات "المشاطب" التي تتكدس فيها مئات المركبات بشكل عشوائي، ويُنظر إليها على أنها بؤر تلويث بيئي وبصري.

حملات موسمية تنظمها الشرطة الفلسطينية لضبط تلك المركبات، لكنها لم تخرج حتى اللحظة عن إطار الحملات التي يضبط فيها آلاف المركبات سنويا، في مشهد يبدو أنه خارج عن السيطرة.

إسرائيل تغرق الضفة بالسيارات المشطوبة

تفيد تقديرات الشرطة الفلسطينية بأن عدد السيارات غير القانونية في الضفة قرابة 150 ألف مركبة، وفق العقيد لؤي ارزيقات متحدثا لمراسل "آفاق البيئة والتنمية". وبالطبع، فإن هذه السيارات تشمل المركبات "المشطوبة" من وزارة النقل الاسرائيلية وتهرب إلى الضفة وتكون غير صالحة للسير على الطرق. والنوع الثاني المركبات المسروقة من إسرائيل، وتعمل في هذا المجال مجموعات لتهريبها لأسواق الضفة، والثالث المركبات المحجوزة في إسرائيل بقرار من المحاكم، وتهرب إلى الضفة وتباع خوفا من مصادرتها عند تجديد رخصتها في إسرائيل، وأخيرا المركبات الفلسطينية، التي كانت مرخصة ولم يتم تجديد ترخيصها حسب الأصول.

تفيد آخر معطيات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية أن عدد المركبات المسجلة لديها في نهاية 2021، بلغ نحو 480 ألف مركبة، منها 300 ألف مركبة مرخصة. بمعنى أن هناك 180 ألف مركبة لم يتم تجديد ترخيص بعضها، والبعض الآخر ملغى قانونا، أي تعرض للشطب من قبل الوزارة.

وإذا ما أضفنا الرقم الإجمالي للمركبات المسجلة إلى الرقم المقدر للسيارات غير القانونية، نجد أن العدد الكلي للمركبات في شوارع الضفة الغربية يصل إلى 630 ألف مركبة.

بدوره، يوضح الباحث في مركز أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) مسيف جميل، أن هذه المركبات تدخل إلى السوق الفلسطيني بطريقتين؛ الأولى بشكل مهرب سواء كانت مشطوبة أو مسروقة، أما الثانية فهي من خلال شرائها من إسرائيل على أنها قطع غيار بموجب فاتورة مقاصة، ومن ثم بيعها لاستخدامها وحدة كاملة بشكل غير قانوني.

وخلال ورشة عمل لمناقشة ورقة بحثية صادرة عن المعهد في نهاية العام الماضي، حول موضوع السيارات غير القانونية بما فيها المشطوبة واثارها المالية والاقتصادية، أوضح الباحث مسيف أن اهم الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة هي عدم الرقابة على المناطق "ج" التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي والذي لا يسمح للسلطة التنفيذية الفلسطينية ممارسة عملها الرسمي إلا بوجود تنسيق أمني، بالإضافة إلى عدم قدرة السلطات الفلسطينية على إتلاف هذه السيارات بشكل لحظي الا من خلال حملات، وهذه الحملات عادة ما تكون غير ناجحة أو غير كافية لمصادرة الكم المطلوب من السيارات.

أضرار بيئية

من الناحية البيئية، فإن السيارات المشطوبة قديمة وملوثة بيئياً أكثر من غيرها، باعتبار أن العوادم لا تعمل بفعالية، ومع الوقت تصبح الأنظمة غير فعالة وتصدر انبعاثات أكثر من غيرها، وفق الخبير البيئي د. خالد صويلح، المحاضر في جامعة بيرزيت.

وبنظر صويلح، فإن المشاطب (أماكن تجميع السيارات المشطوبة)، عبارة عن أماكن تلويث بيئي وبصري، إذ تتكدس مئات المركبات في أماكن معينة في الضفة الغربية.

وعند تركها تصبح عرضة للتآكل، ويمكن تسرب مواد خطرة إلى التربة والمياه الجوفية سواء الزيوت أو الوقود أو مكونات البطاريات والأجهزة الأخرى في المركبات والتي تحتوي على مواد ثقيلة مثل الرصاص والزنك. كذلك إطارات هذه المركبات مرهقة للبيئة وغالبا ما يتم التخلص منها بالحرق، وفق صويلح.

ويؤكد الخبير البيئي أن هذه السيارات انتهت صلاحيتها داخل "إسرائيل"، وبدل من تحمل الأخيرة عبء التخلص منها، يتم إرسالها إلى الضفة الغربية. فهي تتخلص من مشكلة لديها بطرحها عند الفلسطينيين.

علاوة على ذلك، تترك المركبات على الأرصفة وقرب التجمعات السكنية، وقرب مراكز الشرطة القريبة من التجمعات السكنية، وهي تشكل خطرا على السلامة العامة إلى جانب التداعيات البيئية، ختم صويلح حديثه مع مراسل "آفاق البيئة والتنمية"

أثر اقتصادي واجتماعي

ويقول مسيف إن تدني مستويات الدخل في القرى الفلسطينية، وبالمقابل ارتفاع أسعار السيارات الرسمية، شجع على استخدام البدائل غير القانونية من خلال شراء السيارات المشطوبة التي تباع بأسعار زهيدة جدا بمعدل 2000 شيكل للسيارة، كما أنه لا يوجد أي نوع من التعقيدات الورقية أو البيروقراطية أو عقود شراء لامتلاكها.

وتُظهر الورقة أن هناك حوالي 105 تجار للسيارات غير القانونية بحسب بيانات الضابطة الجمركية (وهذا لا يعني ان هذا العدد دقيق ولكنه بالحد الأدنى)، وبلغ عدد المزادات العلنية لبيع السيارات المشطوبة المصادرة من قبل الشرطة الفلسطينية 4 مزادات، بيع فيها 7379 سيارة بلغ ثمنها ما يقارب المليون شيكل للعام 2020.

ووفق مدير التنظيم والإدارة في إدارة المرور الشرطة الفلسطينية رجا القدومي، فإن الشرطة أتلفت 72 ألف مركبة خلال السنوات الماضية بما معدله حوالي 10 الاف مركبة سنويا، قائلا إن الشرطة تواجه صعوبة عمل حملات أمنية في المناطق التي تقع خارج سيطرة السلطة الفلسطينية، بالإضافة الى التكلفة المترتبة على عملية اتلاف هذه المركبات، لذلك طالب بتغليظ العقوبات ضد أصحاب السيارات غير القانونية والمتاجرين بها. كما طالب برفع الوعي الجماهيري والشعبي بخطورة هذه المركبات من قبل كافة أطراف المجتمع المدني.

كما أن الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق تكبد خسائر كبيرة بلغت قيمتها أكثر من 13 مليون شيكل للفترة 2017-2021، وأن الشرطة قامت بإتلاف ما يقارب 72 ألف سيارة غير قانونية خلال 10 سنوات الماضية، اما خسائر الخزينة الفلسطينية فقدرت بحوالي 15 مليون دولار سنويا، وفق الورقة البحثية.

ونظرا لأنها سيارات غير مسجلة وغير مدرجة تحت اسماء مُلاكها، فأصحبت بالتالي أداة بيد شريحة معينة من افراد المجتمع لارتكاب الجرائم مثل تجارة المخدرات والسرقات والتزوير، كما أنها سبب رئيسي لوقوع حوادث السير القاتلة من قبل سائقين قاصرين بالعمر لا يملكون رخص قيادة، بالإضافة إلى التكلفة العالية والمضاعفة نتيجة للتضامن الاجتماعي لحماية اصحاب السيارات المشطوبة، والأضرار المالية لكل من الصندوق والخزينة العامة وشركات التأمين، وفق الورقة.

وطالبت الورقة الصادرة عن معهد "ماس" بضرورة قيام مجلس الوزراء بالإيعاز للجهات القانونية إعادة دراسة الجوانب القانونية لتداعيات هذه الظاهرة على قطاع التأمين برمته، وعلى الصندوق الفلسطيني لتعويض مصابي حوادث الطرق أيضا، كما يجب أن يتم رفع وتيرة الجهود المبذولة من قبل الحكومة لمحاربة هذه الظاهرة من خلال أجهزة الشرطة الفلسطينية والأجهزة الامنية الاخرى، لإتلاف السيارات المشطوبة وضبط السوق الفلسطيني.

كما أوصت بضرورة اصدار أنظمة وتعليمات مشددة من قبل السلطة القضائية تخص المركبات غير القانونية بكافة انواعها تكون موجهة للشرطة والنيابة كأساس قانوني يمكن البناء عليه وتفعيله حاليا ومستقبلا، واتباع اسلوب الضبط القضائي والضبط العدلي، على ان يتم ذلك من خلال دوريات السلامة العامة، وتحويل كل ضبطية لجهات الاختصاص (الضبط القضائي والنيابة العامة، والشرطة)، وتغليظ العقوبات وعدم التهاون في انفاذ القانون من خلال عقوبات مشددة وغرامات مالية مرتفعة على مستخدمي هذه السيارات، وتطبيق العقوبات القانونية بالحد الأقصى لمرتكبي مخالفات السيارات غير القانونية، بالإضافة إلى تفعيل وتسريع الأحكام القضائية وانفاذها وعدم اطالة قضايا حوادث التعويض.

أما فيما يخص وزارة المالية والجهات الأخرى، دعت الورقة إلى ضرورة البحث عن سبل توفير سيارات بأسعار عادلة لذوي الدخل المحدود، وتخفيض تكاليف التامين والجمارك لنوع محدد من السيارات حتى يتمكن أصحاب الدخل المحدود من اقتنائها لتشجيعهم على استبدال السيارات المشطوبة، ووضع تعرفة تأمينية خاصة ومدعومة للآلات الزراعية. أيضا، وضع كافة التجار الرسميين وغير الرسميين ضمن الرقابة والمتابعة، والتدقيق اللاحق، واتباع إجراءات إدارة المخاطر، وبناء ملفات قانونية بمعلومات دقيقة ومحاسبة كل من يخالف وفقا للقانون. وان يتم تشديد الرقابة على المشاطب من قبل وزارة المواصلات والجمارك، ووضع أنظمة رقابية جديدة وصارمة عليهم. وتعزيز قدرات وامكانيات وأدوات الضابطة الجمركية في محاربة التهريب الأمر الذي يحل جزءً كبيراً من هذه المشكلة.

في المحصلة، لا يبدو في المستقبل القريب أن ظاهرة السيارات غير القانونية، ستجد طريقها نحو الحل طالما بقيت السياسات القائمة على حالها مقتصرة على الحملات الموسمية. إلى جانب ذلك، من الضرورة بمكان أن يحظى البعد البيئي لهذه الظاهرة بجزء من اهتمام الجهات ذات الاختصاص. صحيح أن الأثر الاقتصادي والاجتماعي مهم ويجب التركيز عليه، لكن لا يجب إغفال الزاوية البيئية في منطقة أصبحت مكبا لشتى أنواع النفايات الإسرائيلية، ومنها المركبات التي انتهى عمرها.

آفاق البيئة والتنمية