على الرغم من أن عام 2022 كان عامًا سيئًا بالنسبة للأسهم، إلا أنه كان وحشيًا للغاية بالنسبة لسوق العملات المشفرة.
شهد سوق الأسهم العالمي سلسلة من الخسائر الكبيرة على مدار 2022، وقد أغلق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على تراجع بنحو 17%، ولكن الصورة كانت أكثر قتامة بالنسبة لبيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، فخلال عام 2022 تكبد البيتكوين خسائر بنحو 64% بينما تراجعت عملة الإثيريوم بنسبة 66%، في حين انخفضت معظم العملات الرقمية الرئيسية الأخرى بنحو 90%.
في يناير 2022 كان سعر البيتكوين عند حوالي 48000 دولار وبلغ الإثيريوم أكثر من 3800 دولار، حينها كان التضخم مؤقتًا وكان البنك الاحتياطي الفيدرالي يبقي معدلات سعر الفائدة عند الصفر، كان السبب الرئيسي وراء التراجع في الاستثمار في العملات الرقمية هي حرب البنك الاحتياطي الفيدرالي على التضخم، ولكن ليس هذا السبب الرئيسي وحده، بل كانت الأشهر الـ 12 الماضية مليئة بانهيارات العملة المشفرة والإفلاس والفوضى، لذا لا ينبغي أن تكون الخسائر مفاجئة لأي شخص.
والسؤال المطروح الآن هو هل ستستمر هذه الفوضى في السوق خلال عام 2023، وإلى متى سيظل شتاء العملات الرقمية؟.
إلى متى سيستمر شتاء التشفير؟
العملات المشفرة ليست غريبة على دورات الازدهار والكساد، فيما يلي سنوضح نظرة على تاريخ أسعار البيتكوين (التي تعد معيار صناعة التشفير بأكملها):
- على مدار عام 2018 انخفضت البيتكوين بنحو 84% لتصل إلى 3000 دولار بعد ارتفاع حاد إلى حوالي 20000 دولار.
- عادت البيتكوين للصعود لتصل إلى ما يقرب من 17000 دولار في نوفمبر 2020 ثم واصلت الارتفاع.
- في مايو 2021 هبطت البيتكوين بنسبة 50% قبل أن تتعافى إلى أعلى مستوي لها على الإطلاق عند حوالي 69000 دولار خلال شهر نوفمبر 2021.
ولكن يعتقد العديد من المحللين أن التراجع الحالي مختلف وذلك بفضل صراعات الاقتصاد الأوسع، يقول أحد محللي السوق: "قد يبقي شتاء التشفير لفترة أطول هذه المرة، وهذا بسبب عوامل الاقتصاد الكلي التي تشمل: أعلى مستويات التضخم في 40 عامًا وارتفاع تكاليف الاقتراض وعدم الاستقرار السياسي بعد غزو روسيا لأوكرانيا."
في الحقيقية من الصعب للغاية التوقع بما سيحدث للبيتكوين في هذه الظروف نظرًا لتاريخها القصير، فلم تكن العملة المشفرة موجودة إلا منذ عام 2009 وتم إطلاقها في أعقاب الركود الكبير، وبالتالي لم تتوافق فترات هبوط سابقة في العملات المشفرة مع سوق هابطة في الأسواق المالية التقليدية.
تمتعت الأسواق المالية بسوق صاعد طويل من عام 2009 حتى نهاية عام 2021، ولم يتوقف إلا لفترة وجيزة في بداية عام 2020 بسبب الركود الناتج عن فيروس كورونا، وتكبدت خلال عام 2022 خسائر كبيرة بعد أن افتتح سوق الأسهم العام مرتفعًا بأكثر من سبع مرات من أدنى مستوياته في مارس 2009 أي بعد شهرين من إطلاق البيتكوين.
لكن الرياح المعاكسة المزدوجة للتضخم المرتفع ورفع أسعار الفائدة الفيدرالية ضغطت بقوة على سوق الأسهم وسوق العملات المشفرة، وذلك لأن أصول المخاطرة مثل الأسهم والعملات الرقمية تتأثر بشكل سلبي عندما ترتفع أسعار الفائدة، ويرجع ذلك إلى أن رفع أسعار الفائدة يمتص السيولة من الأسواق مما يُعرض العديد من الأصول للمخاطرة بشكل أكبر.
للإجابة على سؤال حول المدة التي سيستغرقها شتاء العملات المشفرة، يعني أنك بحاجة إلى فهم المدة التي سيحافظ فيها التضخم المرتفع على الموقف المتشدد للسياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي، يعد تخفيف التضخم وهبوط معدلات الفائدة من بين الأمور التي يمكن أن تعطي دفعة ايجابية للعملة المشفرة الآن.
توقعات البيتكوين لعام 2023
أنهت البيتكوين عام 2022 عند حوالي 16800 دولار متراجعة من قرابة 19500 دولار أثناء أزمة بورصة FTX، إذا استمرت عدوى إفلاس FTX في السوق فإن البيتكوين سيكون لديها مجال أكبر للسقوط، وقد اعترف العديد من مناصري البيتكوين بأن المؤسسات المالية الكبيرة قد تتراجع عن العملات المشفرة على المدى القريب بسبب قضية FTX.
ومع تضرر سمعة العملات المشفرة بشدة نتيجة الكثير من الأزمات والفضائح التي تعرض لها السوق في 2022 وتضرر الأسواق على نطاق أوسع، فإنه ليس من المستبعد حتى الآن الوصول إلى مستوى 10000 دولار للبيتكوين في عام 2023، ويعتقد محللو بنك جي بي مورجان أن قاع البيتكوين لم يصل بعد، ويرى البنك أن القاع عند 13000 دولار تقريبًا.
توقعات الإثيريوم لعام 2023
حيثما تذهب البيتكوين فالإثيريوم يتبعها عادةً أو على الأقل هذا هو الحال حتى الآن، فبعد عملية الدمج خلال شهر سبتمبر 2022، والذي يعد إصلاح رئيسي لشبكة الإثيريوم، يتوقع عدد من الخبراء أن حركة السعر قد تنفصل عن البيتكوين ي وقت قريب.
يقول أحد المحللين: "لم تستفيد الإثيريوم بعد في قيمتها السوقية من عملية الدمج والتي تم إطلاقها مؤخرًا، وأرجح ذلك بشكل أساسي إلى شتاء العملات المشفرة، ويري أن الإثيريوم قد ترتفع خلال الستة أشهر القادمة إلى حوالي 2500 دولار"، حتي لو حدث هذا السيناريو الصعودي، إلا أن الحقيقة تظل بأن نفس التطورات التي تحرك البيتكوين ستؤثر على الإثيريوم أيضًا، يجب أن يتعاون مناخ الاقتصاد الكلي من أجل عودة المكاسب الصعودية.
وفي حال عدم حدوث السيناريو الصعودي، فمن المرجح أن يتراجع الإثيريوم كثيرًا، ولن يكون من المفاجئ أيضًا رؤية سعر مكون من ثلاثة أرقام للعملة المشفرة مرة أخرى في الأشهر الستة المقبلة، إذا ظهرت المزيد من المحفزات السلبية.
العملات المشفرة الأخرى التي يجب مشاهدتها في عام 2023
على الرغم من أن عام 2022 كان سيئًا بالنسبة إلى للبيتكوين والإثيريوم، إلا أن الوضع كان أسوأ بكثير بالنسبة لعملات أخرى تعمل على المضاربة.
في حين أن السوق الهابطة مستعرة، فإن العملات البديلة ليست في المكان الذي يريد المستثمرون أن يكونوا فيه على الأرجح، ولن يتغير هذا المأزق في أي وقت قريبًا، تواجه العديد من العملات الرقمية البديلة حاليًا معركة شاقة لإرساء الشرعية خلال السوق الصاعدة، وهي مهمة أثبتت أنها أصعب الآن مع وجود سيولة أقل في السوق.
حتى تتعافى البيتكوين والإثيريوم ستستمر العملات البديلة في اتجاهها الهبوطي، ومثل دورات الهبوط في الأيام الماضية ستختفي الكثير من العملات من الوجود تمامًا.
العملات المستقرة حالة أكثر إثارة للاهتمام لعام 2023
أعلنت منصة تداول العملات المشفرة "بينانس" عن إلغاء العديد من العملات المستقرة في شهر سبتمبر، بما في ذلك عملة USD التي تأتي في الترتيب الخامس من حيث القيمة السوقية البالغة 43 مليار دولار تقريبًا، كما كشفت شركة Circle مُنشئ عملة USDC عن خططها لإطلاق عملتها المستقرة المدعومة باليورو خلال النصف الأول من عام 2023.
يتوقع بعض المحللين أن المنافسة يمكن أن تتزايد في وقت قريب، ويرجع ذلك إلى العدد المتزايد من مشاريع العملات المستقرة التي تدعمها الدول والمعروفة باسم العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs).
يقوم بنك اليابان بتجربة طرح مع البنوك الكبرى في أوائل عام 2023، حتى أن تركيا أعلنت أنها ستطلق عملتها المستقرة في 2024، ومن المقرر أن تفعل الكثير من الدول نفس الشيء.