القمح في سوريا ينتظر قطرات السماء لاستعادة الإنتاجية المفقودة

ينتظر مزارعو القمح في سوريا أن تساعد الأمطار الغزيرة في موسم الزراعة المقبل في الحصول على محصول وفير، لتعويض الخسائر التي تكبدوها في الموسم الماضي، بسبب أزمة الجفاف.

وساعدت الأمطار التي تشهدها البلاد هذه الأيام بعضًا من المزارعين على تجهيز المساحات المخصصة للقمح وحفزتهم على شراء الأسمدة على أمل أن يستمر تساقط مياه الأمطار لحين قرب نضوج المحصول.

سوريا التي حققت اكتفاءً ذاتيًا من القمح العام 2011، بحجم إنتاج بلغ 4 ملايين طن، تحولت تدريجيًا إلى دولة مستوردة بعد تحقيقها إنتاجًا قدر بـ 1.2 مليون طن في موسم 2022، وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).

لكن تعهد وزير الزراعة السوري محمد حسان قطنا، بتوفير جميع متطلبات المزارعين من الأسمدة والوقود ورفع سعر شراء المحصول حتى يتناسب مع الأسعار العالمية ربما يزيد من إنتاجية المساحة المزروعة إلى نحو مليون ونصف المليون طن خلال العام المقبل، مقابل 900 ألف طن في العام الجاري، حسب قوله.

مؤشرات إيجابية

وقال عمار غانم، الذي يملك قرابة 50 دونمًا مخصصة لزراعة القمح، إن "أزمة الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة وأيدي عاملة ووقود بجانب تدني سعر بيع المحصول، ضاعف حجم الخسائر التي تكبدها خلال موسم الزراعة الماضي".

وأشار إلى أن القمح من المحاصيل الشتوية التي تعتمد في الري على مياه المطر، بجانب مساهمته في تحسين إنتاجية الفدان بنسب تتراوح بين 10 و15% .

وفي الطبيعي، يتراوح إنتاج الهكتار الواحد من الأراضي المروية المزروعة بالقمح بين ثلاثة وأربعة أطنان، لكن أزمة الأسمدة ونقص المياه خفض الإنتاجية إلى طنين فقط، بحسب غانم.

ومن المعلوم أن موسم زراعة القمح في سوريا يبدأ في الفترة ما بين نوفمبر وديسمبر، ويحصدون المحصول في الفترة من مايو إلى يونيو.

وفي حديثه لـ"إرم نيوز"، أوضح غانم أنه "كان يخطط لزراعة نصف المساحة قمحًا والنصف الآخر مساحات تتحمل العطش مثل الزيتون، لكنه أرجأ ذلك بعد المؤشرات الإيجابية التي تؤكد وفرة المياه".

ويضيف أن "الأمطار خالفت ما هو معتاد خلال موسم الزراعة الماضي، فسقطت على بعض المناطق دون غيرها، الأمر الذي أدى إلى اختلال موسم الزراعة وتلف مساحات كبيرة من المحاصيل".

وترتكز أغلب المساحات المخصصة لزراعة القمح في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وريف حلب الشمالي الشرقي، التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية.

من جهته، قال مزارع القمح سامر ريان، إنه توقف عن زراعة القمح منذ ما يقرب من عامين، لكن زيادة إقبال جميع الفلاحين على زراعته مع بداية الموسم الجاري شجعه على تجربة الزراعة مرة أخرى.

ورغم محدودية المساحة التي يمتلكها ريان، والتي بالكاد تلبي عوائدها النصف سنوية نفقات أسرته، إلا أنه اعتبر دخول موسم الزراعة المقبل مغامرة كبيرة لا يجب أن تفشل، وفق حديثه لـ "إرم نيوز".

شواهد حية

بدوره، توقع الخبير الاقتصادي المختص بالشأن الزراعي السوري، والموظف في أحد مراكز توزيع الحبوب الرسمية في البلاد، إبراهيم مسلم، أن يحقق محصول القمح زيادة في الإنتاج قد تتجاوز 50% بنهاية موسم الزراعة المقبل لتصل إلى 2.5 مليون طن، مقابل 1.2 مليون طن في عام 2022.

ودلل مسلم قائلًا: "عدد المزارعين الذين اشتروا بذور القمح هذا العام كبير جدًا مقارنة بالعام الماضي، وهذا يؤكد أن مساحات جديدة بالفعل دخلت حيز الزراعة خلال الموسم الجاري".

ورهن اكتمال نضج المحاصيل واستعادة الإنتاجية المفقودة، باستمرار هطول الأمطار من بداية غرس الحبوب بالمعدل نفسه حتى مارس/ آذار من العام المقبل، وفق قوله.

وفي حديثه لـ"إرم نيوز"، قال رئيس الجمعية الفلاحية، حسن ونسي، إن الجمعية اقترحت على الحكومة السورية قبل فترة مراجعة السياسة الزراعية للقمح في حال كان السيناريو مشابهًا للعام الماضي، حتى لا يتعرض آلاف المزارعين إلى الإفلاس.

لكن تأكيدات الجهات الحكومية ممثلة بالأرصاد وإدارة المياه والري، بأن العام المقبل سيشهد سقوط أمطار غزيرة على جميع المناطق بالإضافة إلى الشواهد الحية أمامنا حاليًا، زاد من طمأنتنا بأن الموسم المقبل سيكون أكثر وفرة عن الأعوام السابقة.

من جانبه، قال رئيس الجمعية الفلكية السورية، الدكتور محمد العصيري، لوسائل إعلام رسمية، إن شتاء 2023 في سوريا سيشهد هطولات مطرية وثلجية غزيرة، وسيعيدنا بالذكريات إلى شتاء العام 2005.

وأوضح أن "الهطولات الغزيرة المتوقعة مردها نسبة التبخر العالية التي شاهدناها خلال فصل الصيف، ومقدار الحمل المائي كبير جدًا بسبب التبخر، وهذا الأمر ربما يسهم في ملء سدود البلاد التي يتجاوز عددها 160 سدًا".