رام الله الإخباري
لأول مرة منذ طرح اليورو في مطلع العام 2002، تنحدر العملة الأوروبية لتتساوى مع الدولار الأميركي، فيما يعكس صورة قاتمة لاقتصاد القارة العجوز، تحت ضغط مستويات تضخم هي الأعلى في أربعة عقود، عمق تأثيرها حالة الغموض بشأن توجهات البنك المركزي الأوروبي.
يعزو المحللون الهبوط الحاد في قيمة اليورو، ثاني أكثر العملات تداولا في العالم بعد الدولار، إلى هروب رؤوس الأموال نحو الدولار باعتباره ملاذا آمنا، في وقت يتجه اقتصاد أوروبا نحو مصير مجهول مع التقليص المستمر في إمدادات الطاقة الروسية وتزايد احتمالات وقفها بالكامل، بينما ما زالت القارة تكافح للتعافي من تداعيات جائحة كورونا.
وأظهرت قراءات نهائية صدرت اليوم الأربعاء، في كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، أول وثاني ورابع أكبر اقتصادات في أوروبا، أن موجة التضخم في القارة لم تصل ذروتها بعد.
ففي ألمانيا، ورغم تباطؤ التضخم في حزيران/يونيو الماضي، إلا أنه ما زال يحوم قرب أعلى مستوى في 40 عاما، مسجلا زيادة سنوية بنسبة 7.6%، مقابل 7.9% في أيار/مايو.
وتسارع في كل من فرنسا وإسبانيا، مسجلا زيادة سنوية في حزيران/يونيو بنسبة 5.8% و10.2 بالمئة على الترتيب، ارتفاعا من 5.2% و8.7% في أيار/مايو.
وكما هو الحال في كل أنحاء أوروبا، كانت القفزة الكبيرة في أسعار الطاقة المساهم الأكبر في ارتفاع معدل التضخم، إذ جاءت الزيادة في هذا المكون 40.8% في إسبانيا، و38% في ألمانيا، و33.1% في فرنسا.
كما واصلت أسعار الغذاء ارتفاعها، لتسجل زيادة سنوية في حزيران بنسبة 12.9% في إسبانيا، و12.7% في ألمانيا، و5.8% في فرنسا.
ومنذ آذار/مارس 2016، يحافظ البنك المركزي الأوروبي على سعر فائدة صفر بالمئة لدعم النمو الاقتصادي، وزادت الحاجة لهذه السياسة المرنة، من وجهة نظر البنك، مع تفشي فيروس كورونا في الربع الأول من عام 2020، بل قرنها ببرامج واسعة لضخ السيولة في الأسواق، تجاوزت 1.8 تريليون يورو في سنتين.
قبل أسابيع قليلة، وتحت ضغوط التضخم، قرر المركزي الأوروبي التخلي عن هذه السياسة، بإعلانه انه سيرفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية مرتين هذا العام، الأولى في تموز/يوليو الجاري، والثانية في أيلول/ سبتمبر.
لكن المحللين يكادون يجمعون على أن تأثير هذه الخطوة سيكون محدودا، إن لم يكن معدوما، إذ جاءت هذه الخطوة متأخرة كثيرا، وبوتيرة بطيئة، وعلى الأرجح ستكون غير كافية لكبح التضخم.
لكن لماذا هذا التلكؤ من المركزي الأوروبي؟
يسيطر على صانعي السياسات في البنك هاجس أزمة الديون السيادية التي واجهتها القارة في 2011 – 2012، وتشير التقديرات إلى أنها ستكون أشد وأخطر هذه المرة، إذ من شأن رفع أسعار الفائدة زيادة كلفة الديون، على الحكومات والشركات والافراد، وربما تدخل أوروبا في فوضى عارمة بقطاع السندات.
فقد نمت الديون الأوروبية بشكل غير مسبوق خلال عامي جائحة كورونا، وتجاوزت ديون منطقة اليورو (19 دولة) 11.6 تريليون يورو (حوالي 13.5 تريليون دولار) في الربع الأول 2021، أو ما يعادل 98.3% من إجمالي الناتج المحلي للتكتل، متراجعا قليلا من حوالي 100% في عام 2020.
ورغم أن معاهدة ماستريخت، التي أسست للوحدة النقدية الأوروبية، حددت نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي بـ60% كحد أقصى، إلى أن الديون في جميع دول اليورو تتجاوز هذه النسبة.
ففي اليونان، يبلغ حجم الدين حوالي 350 مليار يورو، يزيد عن ضعفي الناتج المحلي (205%)، وفي إيطاليا يتجاوز الدين 2.5 تريليون يورو، أو 155% من اجمال الناتج المحلي.
وحتى في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، فإن نسبة الدين تتجاوز حاجز الـ60% (حوالي 70% من الناتج المحلي).
ويتخذ المركزي الأوروبي من هذا الدين المرتفع في منطقة اليورو مبررا للتلكؤ في تشديد السياسة النقدية، إذ يرى أن رفعا "متسرعا" لأسعار الفائدة سيؤثر على فرص النمو في القارة، لكن، يرى المحللون أن القارة في طريقها لركود اقتصادي مؤكد، ولم تعد أسعار الفائدة أداة مناسبة للحيلولة دون وقوعه.
وفا