تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من الضبابية في ظل تعزّز الاحتمالات بتوصل رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو إلى صفقة مع النيابة العامة بشأن ملفات الفساد المتهم بها، التي تهدد بتنحيته عن المشهد السياسي.
وتسود حالة من التوتر الصامت مركبات الائتلاف غير المتجانس في “حكومة التغيير”، برئاسة نفتالي بينيت ونائبه يائير لبيد، في انتظار حسم نتنياهو قبوله أو رفضه “صفقة الادّعاء”، وهو الحسم الذي سيعصف بالمشهد السياسي إذا رحل نتنياهو أو قرر البقاء في رئاسة حزب الليكود.
صفقة تضمن عقوبة مخففة
يسابق نتنياهو الزمن لحسم موقفه قبل نهاية ولاية المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبليت، في نهاية يناير/كانون الثاني الجاري، حيث عقدت 6 لقاءات حتى الآن بين طاقم الدفاع عن نتنياهو والنيابة العامة التي تقع ضمن صلاحيات مندلبليت الذي عيّنه نتنياهو، ويدفع نحو صفقة تُلغي تهم الفساد وتضمن عقوبة مخففه.
وحسب الاقتراح الذي قدمه محاميه للمستشار القضائي، فإن نتنياهو سيعترف بتهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة، شريطة ألا يُتهم بالرشوة، وأن تُشطب جميع الاتهامات الأخرى، وأن يستقيل من الكنيست، وأن تكون عقوبته العمل لخدمة الجمهور 3 أشهر، وإلغاء “وصمة العار”.
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك تفاهمات على مختلف البنود إلا إلغاء “وصمة العار”، ويتمسك مندلبليت بصفقة تتضمن “وصمة العار” وتنحي نتنياهو عن الحياة السياسية 7 سنوات، وهو الطرح الذي جعل نتنياهو يتردد في قبول الصفقة، لكن احتمال منحه العفو من الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، قد يجعله يقبل بالصفقة ليلتف في المستقبل على “وصمة العار”.
وتشير التقديرات إلى أن غياب نتنياهو وتنحيه عن المشهد السياسي قد يجعل أحزاب اليمين في الحكومة، خاصة الحركات والتحالفات التي أسستها شخصيات انشقت عن الليكود بسبب نتنياهو، تفضل تشكيل حكومة جديدة مع الليكود أو الأحزاب الحريدية (المتدينين اليهود)، وهناك إجماع أنه لا مصلحة لأحد لا في المعارضة ولا الائتلاف في التوجه إلى انتخابات جديدة.
ويجمع محللون أن غياب نتنياهو سيقوّض ائتلاف حكومة بينيت ولبيد المركّبة من أحزاب اليمين والمركز واليسار الصهيوني، وتحظى بدعم القائمة العربية الموحدة.
قناعات نتنياهو الجديدة
يعتقد المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإسرائيلي محمد مجادلة أن تنحي نتنياهو ورحيله سيفتح باب اللعبة السياسية على مصراعيه، سواء على حكومة بينيت ولبيد غير المتجانسة، أو داخل الليكود ومعسكر اليمين، كما ستكون له تداعيات إقليمية على كل ما يتعلق بالتطبيع والملف النووي الإيراني، والعلاقات الإسرائيلية الأميركية، وهي ملفات كان محورها نتنياهو.
ويوضح مجادلة للجزيرة نت أن كل المؤشرات تظهر توجّه نتنياهو لإبرام صفقة مع النيابة، والخروج من قفص الاتهام، حتى إن كان الثمن التنحي عن المشهد السياسي إلى حين الحصول على عفو من الرئيس الإسرائيلي، مستبعدا بالمقابل أن يتنازل نتنياهو بسهولة عن مكانته في الليكود، وهو ما ينذر بصراعات داخلية في السعي للإطاحة به من رئاسة الليكود.
ويعزو المحلل توجه نتنياهو لإبرام صفقة مع النيابة العامة إلى مخاوفه من المستشار القضائي الجديد للحكومة، الذي سيعيّنه خصمه اللدود وزير القضاء جدعون ساعر، حيث لن يكون متسامحا معه، وقد لا يقبل الصفقة أصلا، وسيصرّ على مواصلة محاكمة نتنياهو.
ويقول مجادلة إن نتنياهو تعززت لديه القناعة بأن حكومة بينيت ولبيد غير المتجانسة مستقرة رغم هشاشتها، ومستمرة لعامين على الأقل، وهذا مع احتدام الصراع الخفي ضده بالليكود وتعالي الأصوات التي تتهمه بشلّ قدرة الليكود على تشكيل حكومة يمين بسبب بقائه في المشهد السياسي بشكل يحافظ على تكتل الحكومة الحالية.
الصحافي الإسرائيلي، يؤاف شتيرن: تقديرات بتشكيل حكومة جديدة ويستبعد الذهاب لانتخاباتالصحفي الإسرائيلي يؤاف شتيرن يستبعد الذهاب لانتخابات ويتوقع تشكيل حكومة جديدة
تغييرات في الائتلاف الحكومي
ويتبنّى الصحفي الإسرائيلي يؤاف شتيرن الرأي ذاته، ويعتقد أن نتنياهو يبحث في اللحظات الأخيرة عن حل، ولو كان جزئيا، لإبعاده عن قفص الاتهام أو السجن الفعلي وفقا للتهم الموجّهة له بالفساد، والرشوة، والاحتيال وخيانة الأمانة.
وأكد شتيرن، للجزيرة نت، أن نتنياهو الذي يتجه للصفقة، رغم تردده، على قناعة بأن المستشار القضائي للحكومة الذي ستنتهي ولايته نهاية الشهر الجاري سيتساهل معه،
وسيبرم صفقة في غضون أيام مقارنة بأي مستشار قضائي تعيّنه حكومة بينيت، الذي من شأنه أن يرفض إغلاق الملفات ويوصي بمواصلة محاكمة نتنياهو.
وعن تداعيات تنحي نتنياهو، يعتقد شتيرن أن ذلك سيؤثر في المشهد السياسي الإسرائيلي عبر تحالفات وتكتلات جديدة داخل معسكر اليمين، حيث يؤسس لعهد جديد بالليكود
بعيدا عن سطوة نتنياهو مع انتخاب خليفة له، وأيضا سينعكس على الحكومة الحالية التي قد تتجه لإحداث تغيير في تركيبتها الائتلافية.
لكن شتيرن يستبعد أن تتوجه إسرائيل إلى انتخابات جديدة للكنيست، ويرى أن بالإمكان تشكيل حكومة جديدة دون حاجة إلى انتخابات، علما أن بقاء نتنياهو هو أكبر ضمان لاستقرار حكومة بينيت وبقائها.
تحالفات وانتخابات
وفي محاولة لإظهار متانة حكومته، تطرّق بينيت إلى احتمالات سقوط ائتلافه إذا توصّل نتنياهو مع النيابة العامة إلى صفقة، قائلا “عليكم أن تطمئنوا، فحكومة إسرائيل ستستمر بالعمل من أجل المواطنين”.
ورغم تطمينات بينيت، فإن أصواتا في الائتلاف الحكومي لا تستبعد إمكانية حدوث تغييرات إذا تنحى نتنياهو، فقد قالت عضوة الكنيست شيران هسكل، من حزب “أمل جديد” الذي انشق عن الليكود بسبب نتنياهو، إنه “إذا رحل، فإن كل شيء سيكون مفتوحا. وأي أحد سيحل مكان نتنياهو في رئاسة الحزب، فسيتمكن على الأرجح من تشكيل حكومة”.
والموقف ذاته عبّر عنه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، قائلا للقناة 12 الإسرائيلية، إن “رحيل نتنياهو عن الحياة العامة، ولو مؤقتا، يعني حدوث الانفجار الكبير للخريطة السياسية الإسرائيلية”.
وقال ليبرمان، الذي شغل على مدى سنوات طويلة مدير مكتب نتنياهو، إن “التطورات بشأن الصفقة وغياب نتنياهو عن السياسة يضعنا أمام سيناريوهات واحتمالات مختلفة، بحيث إن انتخابات داخلية في الليكود لانتخاب رئيس جديد ستستغرق بضعة أشهر وتستمر خلالها ولاية الحكومة الحالية”.
وعلى الرغم من التقديرات التي تشير إلى أن السيناريو الأكثر واقعية هو تشكيل حكومة جديدة، فإن ليبرمان لا يستبعد الانتخابات، وألمح إلى إمكانية توحيد أحزاب “يمينا” برئاسة بينيت و”أمل جديد” برئاسة ساعر، وحزب “إسرائيل بيتنا” برئاسته وشخصيات من حزب الليكود ضمن قائمة واحدة تخوض انتخابات الكنيست المقبلة.