رام الله الإخباري
شهدت الآونة الأخيرة انخفاضاً في أسعار صرف الدولار واليورو مقابل الشيكل الإسرائيلي، ويعزو خبراء أسباب ذلك إلى عدة عوامل عالمية تؤثر بشكل كبير على قوة الاقتصاد الإسرائيلي، في مقدمتها أزمة (كورونا)، وتغير سعر الفائدة، وانخفاض المعدلات الإنتاجية خاصةً الزراعيّة منها، وأسعار البترول التي تدعم عملتي الدولار واليورو.
أسباب
قدر محسن أبو رمضان المحلل الاقتصادي في حديثه لـ "دنيا الوطن" أسباب انخفاض الدولار واليورو قائلاً: "تقف في مقدمها (كورونا) حيث لم يتعافى الاقتصاد الأمريكي والأوروبي رغم الانفتاح الذي تم مؤخراً أمام على الأسواق، ومحاولة خلق حالة من التعافي في الأسواق الأمريكية من خلال قيام البنوك المركزية بضخ الأموال في البنوك والشركات الموجود في أمريكا وأوروبا".
وأضاف أبو رمضان: "يأتي ذلك من أجل تشجيع الشركات ورجال الأعمال للاقتراض بفوائد ميسرة لتنفيذ المشاريع والتطوير المتعثر، فهذه التسهيلات تعتبر سبب رئيسي لانخفاض الدولار بالرغم من محاولات الدعم التي قامت بها البنوك المركزية".
وأوضح أبو رمضان أن الاحتياطات النقدية في البنوك المركزية تراجعت، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة طباعة الدولار، حيث يجب أن يكون الدولار محدود بالقدرة الإنتاجية التي تراجعت بصورة كبيرة بسبب القيود الموضوعة الناتجة عن أزمة (كورونا)، إضافة للتغير المناخي في العالم، وتراجع معدلات الإنتاج التي تسند العملة، وخاصةً في القطاعات الزراعية وعلى وجه التحديد القمح والحبوب، وبالتالي أصبحت العملة بدون سند إنتاجي مادي في السوق المحلي والعالمي.
وأكد أبو رمضان على أن الصراع الأمريكي الصيني للاستحواذ على الأماكن الاقتصادية والنفوذ الاقتصادي بالعالم هو أحد الأسباب، وهناك تصاعد دراماتيكي وسريع للاقتصاد الصيني الذي يقوم بتنفيذ مشاريع تنموية واستراتيجية واقتصادية في العديد من دول العالم، ومن ضمنها بلدان العالم الثالث، والتي تعتبر أسواق هامة تحتوي على ثروات للبلدان الغنية مثل الصين واليابان وأوروبا والولايات المتحدة.
ولفت إلى أن تراجع أسعار الدولار مرتبط أيضاً بانخفاض أسعار البترول الذي يتم تداوله بعملتي الدولار واليورو بشكل رئيسي، وبتنافس الصين على المنتجات النفطية في البلدان العربية.
من جانبه، أشار أمين أبو عيشة أستاذ السياسات النقدية في جامعة الإسراء بغزة إلى أن عدم وضوح السياسة الأمريكية على المستوى الخارجي والداخلي حتى اللحظة يؤثر على الدولار، وفور وضوحها سيعود الدولار لوضعه الطبيعي خلال الفترة القادمة، مؤكداً على أن السياسة في أي دولة لا تنفصل عن الوضع الاقتصادي.
الشيكل الإسرائيلي
وقال محسن أبو رمضان المحلل الاقتصادي: "إن الناتج الإجمالي القومي يصل إلى 350 مليار دولار سنوياً، ولكن يعتمد بشكلٍ أساسي على التبادل التجاري والمساعدات الأمريكية والأسواق الأوروبية، التي تعتبر أسواق ثانية بعد الأمريكية للمنتجات الإسرائيلية، وبالتالي الريع الإسرائيلي للمنتجات سيكون بالدولار أو باليورو أي أقل مما كان في السابق".
وأكمل أبو رمضان قائلاً: "ولأن معظم التداولات التجارية والنقدية الإسرائيلية تتم بالدولار واليورو، سيتأثر المردود الإسرائيلي ومعدلات النمو وربما يضعف من قيمة الشيكل، ومن جهة أخرى يوجد احتياط للبنك المركزي الإسرائيلي يستطيع سد الفجوات ولكن لفترة زمنية قصيرة لأن الاقتصاد الإسرائيلي غير مستقل عن الاقتصاد الأمريكي والأوروبي تصديراً واستيراداً على وجه التحديد".
وفي ذات السياق، قال أمين أبو عيشة أستاذ السياسات النقدية في جامعة الإسراء بغزة: "إن مؤشر الدولار (DXY) في تحسن، وهو الذي يقيس قوة الدولار أمام العملات الأخرى، وعالمياً هناك تحسن مقابل جميع العملات وعلى رأسها اليورو والمعدن النفيس الأصفر وهو الذهب".
ويعزي أبو عيشة قوة عملة الشيكل أمام انخفاض الدولار لعدة أسباب منها، زيادة معدل التضخم في الاقتصاد الأمريكي بمستويات عشرية، أي انخفاض القيمة الشرائية للدولار، ويُرجع لأزمة (كورونا) التي دفعت البنك المركزي الأمريكي لضخ ترليونات الدولارات وخفض سعر الفائدة لتشجيع المستثمرين على الاستثمار؛ مما جعل كمية عرض الدولار كبيرة، مع كمية أقل من السلع والخدمات.
ونوه أبو عيشة إلى أن انخفاض القيمة الشرائية للدولار يشجع المُصدرين الأمريكيين على التصدير للخارج، ومثال ذلك عند انخفاض قيمة الدولار يأتي التاجر الصيني للاستيراد من أمريكيا بتكلفة قليلة.
ولفت أبو عيشة إلى أن التزايد في حجم الصادرات الإسرائيلية من قبل الدول العربية وخصوصاً الغاز، نتيجة لوجود اتفاقيات التطبيع والسلام، ينعش الاقتصاد الإسرائيلي والعملة الحمراء الشيكل مقابل الدولار.
ويرى أبو عيشة أن الاقتصاد الإسرائيلي أقل المتضررين من أزمة (كورونا)، ويرجع ذلك للإدارة الحكيمة حول الإغلاق وإعادة الفتح، وإلى أن إسرائيل من أوائل الدول التي جلبت لقاح (كورونا)، وبالتالي لم يكن هناك فترة طويلة من الإغلاق للمنظومة الاقتصادية والنقدية والمالية الإسرائيلية، وهذه العوامل ساعدت في قوة الشيكل أمام الدولار".
من جهته، قال سمير أبو مدللة أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: "إن الشيكل عزز مكانته للمرة الأولى منذ فترة طويلة مقابل الدولار واليورو، وعند التحدث عن أدنى مستويات الشيكل أمام الدولار فهذا يشير إلى قوة للشيكل وضعف للدولار ووجود انخفاض بنسبة .8%".
وبيّن المحلل أبو مدللة أن سبب قوة الشيكل أمام الدولار هو تعافي الاقتصاد الإسرائيلي بعد جائحة (كورونا)، ودخول أموال أجنبية إلى إسرائيل بسبب التجارة والتطبيع مع الدول العربية.
توقعات
يتوقع أبو مدللة أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة أن تشهد الفترة القادمة ارتفاعات لليورو والدولار، وفيما يتعلق باليورو هناك توجه لرفع سعر الفائدة في دول الاتحاد الأوروبي وأيضاً بدأت الأسهم الأوروبية بالارتفاع مرة أخرى، أما الدولار فإن أمريكا تصدره بدون غطاء أي يمكن التحكم فيه من خلال رفع أسعار الفائدة والتحكم بالاحتياطي القانوني لديها وهذا ما يساعد على عودته للتعافي وارتفاعه مقابل العملات الأخرى.
بدوره، يرى أمين أبو عيشة أستاذ السياسات النقدية في جامعة الإسراء بغزة أن الانخفاض في قيمة الدولار ربما اقترب في الوصول إلى نهايته ولن يكون مستمراً، وهذا الأمر يدعو البنك المركزي الإسرائيلي للتدخل بشراء عملة الدولار من أجل الحفاظ على قوى متوازنة لعملة الشيكل مقابل الدولار، وما يهم إسرائيل أن تتواجد قوى اقتصادية إسرائيلية قادرة على المنافسة في أمام المنتجات الأجنبية والدولية الأخرى.
من جانبه، يرى محسن أبو رمضان المحلل الاقتصادي أن العملة ستستمر بالانخفاض ما لم يحدث تدخلات عملية جدية من النبوك باتجاه الدفع لعملية الإنتاج، وعدم الاكتفاء بالتداولات النقدية والمالية دون إنتاج حقيقي، ويكون التدخل بتوفير فرص عمل وتقوية بنية الاقتصاد الأوروبي والأمريكي بدلاً من الاكتفاء بضخ الأموال في البنوك دون الإنتاج الفعلي.
وفسر أبو رمضان ذلك بأن معظم المصانع الأمريكية والأوروبية نقلت إلى جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية لأن الأيدي العاملة أرخص ثمناً هناك مما يقلل من التكلفة، ولكنه يضعف من إمكانية توليد فرص عمل ووجود قاعدة إنتاجية محلية تسند العملة الداخلية سواء اليورو أو الدولار.
ويشهد الدولار منذ عدة أيام تراجعاً في إسرائيل، وسط تدخل البنك المركزي الإسرائيلي الذي اعتمد سياسة المفتوحة لشراء الدولار لوقف انخفاض التضخم في الاقتصاد الإسرائيلي.
دنيا الوطن