نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، اليوم الجمعة، مقالاً للكاتب الإسرائيلي كالمان ليفسكيند، يقول فيه إنّ "الجيش الإسرائيلي خائف ومتردد ومربك، وهو يريد إنهاء اليوم والعودة إلى البيت بسلام".
وفيما يلي نص المقال:
الثمن سيكون باهظاً ما لم نستفق. من الأحداث الأخيرة، تظهر صورة واحدة مُقلقة، وهي أنّنا نبحث عن الهدوء، ولا نريد التصعيد، ونخشى إشعال النار، ونخاف المبادرة.
من فشل الشرطة في أحداث الشغب في المدن المختلطة، مروراً بغياب ردع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وصولًا إلى ضعف مصلحة السجون أمام "المخربين" في السجن – تظهر صورة واحدة مُقلقة: نحن نبحث عن هدوء، ولا نريد التصعيد. نخشى إشعال نار، ونخاف المبادرة. ما لم نستفق، سيكون الثمن باهظاً.
ليس لطيفاً قول هذا، وليس مريحاً كتابة هذا، لكن من الصعب الهروب من الحقيقة. نحن ضعفاء.
القصص التي تطفو هنا، بعد الأحداث الأخيرة، من ضمن روتين حياة للمخربين في السجن، ليست قائمة بحد ذاتها. إنها نقطة واحدة. إنها نقطة على جذوة، وهذه الجذوة تبدو سيئة جداً.
يمكن اختراع ألف جوابٍ وجواب على سؤال: كيف سمحنا بتطوّر السجون التي يحصل فيها قتلة متوحشون على حق إقامة زنزانات منتظمة للمنظمات خلف القضبان، رجلاً رجلاً مع رفاقه في المنظمة، وإدارة روتين حياة مع مطالب ومتطلبات وشروط ومتحدث فقط من خلاله يمكن لإدارة السجن التحدث معهم.
يمكن أن نشرح أن هذا أصلاً لصالحنا. يمكن الزعم أنّه أسهل لمصلحة السجون لإدارة السجن. هذا هراء. من وراء هذا الواقع تقف حقيقة واحدة: نحن خائفون منهم. نحن نخشى من أنّنا إذا أغظنا المخربين، سيثور غضبهم، والله أعلم كيف سينتهي كل هذا. ربما يموت أحدهم.
ربما يتسبب هذا بفوضى عارمة في يهودا والسامرة (الضفة) ويضطرنا إلى القتال. ولكونه كذلك، نحن نفضل أن نسمح لهم بإمساكنا في منطقة حساسة وفعل ما يحلو لهم، كأنّهم يجلسون في مكاتب منظمتهم في جنين، وليس في سجن دولة "إسرائيل".
ذكرنا الإضراب عن الطعام؟ انظروا أي هلعٍ يثور هنا كلما يقرر أحدٌ ما في السجن الإضراب عن الطعام لسببٍ ما. يبدؤون فوراً بالتوضيح لنا أنه إذا مات، فإنّ الأرض ستشتعل، والله أعلم ماذا سيحصل. بدلاً من أن نضع لهم الصحن ونبلغهم أن من لا يأتي لتناول الطعام سيتحمل النتائج، نحن ندخل في هستيريا من كل مخرب يهدد بالصوم.
بدل أن يخشى الفلسطينيون من وضعٍ تشتعل فيه الأرض، فإنّ من يخشى هذا الوضع هو "إسرائيل"، التي بحسب القصص لديها أحد أقوى الجيوش في العالم.
ما لا يُحصى من الأساطير البطولية عن الجيش الإسرائيلي الكبير الذي يرد بشدة على كل قذيفة صاروخية، وعن الحكومة – هذه كسابقتها – التي لا تتردد في الرد، لن تغطّي على الواقع الذي يفيد بأنّ سلاح جونا يقوم بكل ما في استطاعته كي لا يصيب شيئاً.
كل قصص الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن ضربة نوعية لـ"مجمعات تدريب" و"مواقع عسكرية"، أو "منشآت لتخزين وسائل قتالية"، لن تنجح في إخفاء حقيقة أنّنا خائفون، وليس لدينا الشجاعة لقتل العدو. المزيد والمزيد من الغارات تجلب معها صور غطرسة من ألواحٍ مفككة، وحديد منتشر، والكثير من الغبار، وصفر خسائر للطرف الثاني.
هل يمكن لأحد أن يشرح لماذا نجهد مرة تلو أخرى لعدم إصابة العدو؟ لماذا نمنح مقاتليه الذين يسعون لقتلنا ضمانة حياة؟ لماذا من غير الواضح لكل عنصر في حماس أنّه في خطر في كل لحظة؟ وأصلاً، ضد من نحن نقاتل؟ ضد حماس أو ضد برج حراستها الفارغ؟
الراحل بارئيل شموئيلي لم يُقتل بسبب هذا الموضوع التقني أو ذاك أو مكان تمركز القوة. قُتل لأنّنا نلعب مع العدو وفق قواعده. لدي تقدير كبير لرئيس الأركان أفيف كوخافي، لكن عندما يكتب، رداً على الغضب الجماهيري الذي ثار بعد مقتل المقاتل، لأنّ "المجتمع الذي لا يدعم جنوده وقادته حتى عندما أخطأوا، سيكتشف أنّ ليس هناك من يقاتل من أجله"، وأنّ "الاستعداد لتحمّل خسائر هو شرط للمنعة الوطنية"، يبدو لي أنّه يفوّت الحدث.
في الأسبوع الأخير فقط، روى المقدّم احتياط غور روزنفلت، نائب قائد لواء احتياط، في صفحته في "فيسبوك"، عن ابنته المقاتلة التي أُصيبت بحجرٍ في وجهها، وكتب: "الحقيقة أن هذا لم يفاجئنا. آخر مرة كانت فيها في البيت حكت عن أنهم يقفون عاجزين أمام أعمال الشغب ورشق الحجارة. السماح فقط باستخدام وسائل تفريق التظاهرات، مثل الغاز المسيل للدموع، الذي لا يثير انطباع أحد. في ثقافة الشعوب من حولنا، الحجارة تُرشق بها الكلاب. نحن لا نعرف جيشاً يجهّز جنوده بأعتدة لتفريق التظاهرات ويسمح برشق حجارة على جنوده بصورة دائمة. هذا هو الحال منذ عشرات السنين".
هنا، يا رئيس الأركان، يكمن الغضب الجماهيري. هنا بالضبط. وليس في مسألة ما إذا كان أحدهم قد أخطأ في التقدير أو في تخطيطٍ عملاني ما. بل بالرياح السيئة التي تهبّ من كل اتجاه، وتعلّم جنود الجيش الإسرائيلي أنهم هنا لامتصاص الضربات؛ الامتصاص والاحتواء. اذهبوا إلى المصطلحات وستفهمون كل شيء. عندما يفيد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن رشق عبوات وزجاجات حارقة نحو قواتنا ويصفها بأنها "أعمال شغب"، شيء ما هنا مختل. عندما يرمي العدو زجاجة حارقة نحو جنود الجيش الإسرائيلي، يجب أن يتلقّى رصاصة في الرأس.
هكذا يتصرف جيش يحافظ على حياة جنوده. هكذا يتصرف جيش يحترم نفسه. هكذا يتصرف جيش مهتم بتمرير رسالة. الغارات المتكررة، على شتى أنواع القواعد المهجورة للفلسطينيين في غزة، لا تردع أحداً في غزة. كيف نعلم هذا؟ بمنتهى السهولة. لأنهم مستمرون. على مدى سنوات والفلسطينيون يُحرقون حقولنا – نعم في ظل هذه الحكومة بالضبط كالحكومة السابقة – ونحن نبحث عن هدوء. لا نريد التصعيد، لا نريد إشعال نار، لا نريد المبادرة. في عالمٍ طبيعي، الضعيف يخاف من القوي، ويأمل منه هدوءاً. أمّا هنا فكل شيءٍ معاكس. هنا، المنظمة الصغيرة تنتج إرهاباً لا يتوقف، والدولة القوية تصلّي للهدوء.
الجيش الذي يريد أن ينتصر لا يبدو بهذا الشكل. هكذا يبدو جيش هارب، خائف، متردد، مربك، كل اهتمامه منصب على الرغبة في إنهاء اليوم بسلام. والمشكلة الأكبر هي أننا نعتاد هذا الواقع، إلى حد أنه يبدو لنا أحياناً أنّه منطقي. أنطلق النار على كل من يرشق حجراً؟
للعودة إلى البيت بسلام
لكنَّ هذا لا يبدأ في غزة، ولا ينتهي في غزة. انظروا ما الذي حصل هنا قبل بضعة أشهر. مواطنون عرب شاغبوا بالآلاف، قاموا بأعمال تنكيل بحق يهود. أحرقوا منازل وسيارات، ورفعوا أعلام العدو في شوارع "إسرائيل". بعدها بلحظة، انتقلنا جميعاً إلى جدول الأعمال، كأنّه مصير محتوم، وكأنّ هذا ما حلم به أهلنا عندما أتوا إلى الوطن من كل أرجاء المعمورة.
ليس لدينا قوة للخصومة. ليس لدينا قوة للقتال. دعونا نجلس أمام التلفاز ونشاهد "زواجاً من أول نظرة".
وزير في الحكومة يشرح أنّه لم تعد هناك حاجة للكفاح من أجل الهجرة إلى "إسرائيل"، كما كان ذات مرة وهذا لا يهز أحداً. غالبية المهاجرين إلى "إسرائيل" ليسوا يهوداً، ولا أحد يهتم. المحكمة العليا تجيز دخول المزيد من الغوييم (أغيار، غير يهود) في إطار قانون العودة، وهذا لا يصمد دقيقة ما وراء صحيفة الغد. "إسرائيل"، بعد 73 سنة، تدخل في قيلولة.
لأعدائنا طموحات وإرادات وأمنيات واستعداد للقتال من أجلها، لكن ماذا عنّا؟ هل لدينا رؤية؟ هل نعلم ما الذي نريده من أنفسنا؟ لو كنا نعيش هنا لوحدنا، لا بأس، لكن مع حقيقة وجود عدة فرق في الملعب، ومثلما يبدو عليه الحال الآن، فهي توّاقة للفوز، يجب علينا أن ننفض أنفسنا، وبأسرع ما يمكن.