يلاحظ جميع الدبلوماسيين الغربيين والخبراء والمراقبين في العاصمة الأردنية عمان كيف بلغ اهتمام الرأي العام الأردني، ولأول مرة، بقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ذروته خلال الأسبوع الماضي الذي شهد عملية نفق الحرية ونجومه الستة من الأسرى المعروفين، في الوقت الذي بات فيه الشارع الأردني يتابع كل صغيرة وكبيرة لها علاقة بملف الأسرى، وهو ملف لم يكن الرأي العام الأردني يظهر تجاهه بالعادة حجم الاهتمام اللازم أو المفترض أو المطلوب.
عملية نفق الحرية بكل تفاصيلها، شغلت الأردنيين حكومة وشعباً، طوال الأيام العشرة الماضية. ذلك الاهتمام يؤسس مجدداً لفكرة سياسية طالما رغب بعض الدبلوماسيين الغربيين وحتى بعض السياسيين في الأوساط الأردنية، في تجاهلها أو نفي حصولها، فكل ما يحصل غربي النهر من أحداث صغيرة أو كبيرة يؤثر بشكل كبير على ما يحصل شرقي نهر الأردن. وهي مسألة يجمع عليها اليوم كبار الساسة الأردنيين.
ملف «الأسرى» في سجون العدو إلى قمة أولويات الشارع
الأهم أن ملف الأسرى قفز إلى الواجهة ودخل عملياً كل بيت أردني، وأصبح -بسبب عملية نفق الحرية- الأسرى الستة الذين تم اعتقال أربعة منهم قبل عدة أيام نجوماً بكل ما تعنيه الكلمة من المعنى بالنسبة للشعب الأردني بمختلف مكوناته الاجتماعية وشرائحه السياسية.
صدرت عشرات البيانات من أحزاب وسطية وإسلامية ويسارية تسلط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وعادت النغمة التي تعتبر إسرائيل العدو الرئيسي والمركزي للشعب الفلسطيني، إلى تصدر المنصات والمقالات والتعبيرات الإلكترونية بصورة عامة، كما لاحظ الناشط الإلكتروني عمر القطو، وهو يرصد في معية «القدس العربي» نحو نصف مليون تعليق وصورة أردنية خلال ثلاثة إلى أربعة أيام فقط بعد عملية نفق الحرية، نشرت أو أعيد نشرها عبر التواصل الأردني.
المحور الأساسي
هذه الحيثيات الرقابية التي رصدها القطو وزملاء له تعني بأن القضية الفلسطينية لا تزال هي المحور الأساسي بالنسبة للأردنيين، والجديد تماماً في الموضوع أن ملف الأسرى كان منسياً في الحالة السياسية والإعلامية الأردنية، لكنه يتصدر الاهتمام اليوم؛ فعدد كبير من التغريدات والتعليقات والتقارير الإعلامية الإلكترونية والصحافية الأردنية يتحدث عن الأسرى وعدد سجون الاحتلال وما يحصل خلف قضبان تلك السجون، كما برزت مجدداً قضية الأسرى الأردنيين وعددهم أكثر من عشرين شخصاً داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الرد على الأسئلة التي رافقت عملية نفق الحرية خصوصاً بعنوان أين ذهب الطمم وكيف تمت العملية، وكل ما رافق مثل تلك الأسئلة من تشكيكات، ظهرت الفتوى من عميد الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال، وهو الأسير المحرر سلطان العجلوني، الذي انتقد كثرة هذه الأسئلة وشرح للأردنيين بعض ما يحصل داخل السجون، وكيف يشتري الأسرى الفلسطينيون والأردنيون بعض المعدات من جنود وضباط قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستغرباً التشكيك بكل أصنافه.
وبسبب عملية نفق الحرية، أصبحت أسماء الأسرى الفلسطينيون المعنيون بتلك العملية تحتكر التغريدات والمجالسات والسهرات، وتحولوا إلى نجوم في المجتمع الأردني؛ فقد كتبت قصائد الشعر ونشرت عشرات الآلاف من التعليقات والمقالات التي تسلط الضوء حصرياً على بعض قادة تلك العملية، وأصبح الأسير والقائد الفتحاوي المعروف والشاب زكريا الزبيدي، نجماً بالنسبة للأردنيين والأردنيات.
وبالتالي، بدأت تظهر تلك الحيثيات الرقمية عن عدد الأسرى الفلسطينيين وعن عدد الأسيرات الفلسطينيات، وبدأت بعض المنظمات المدنية والحقوقية الأردنية تنشط في هذا الاتجاه.
مبادرات للزحف القبائلي
وهو ما لم يكن يحصل في الماضي، مع أن كبار المسؤولين ومن بينهم رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة، تحدثوا مراراً وتكراراً عن تلك العلاقة القوية التي تربط المكونات الشعبية الأردنية بجميع أصنافها بالقضية الفلسطينية، خصوصاً أن القبائل والعشائر الأردنية تحتفظ بوجود ثأر بينها وبين الإسرائيليين.
وهو ثأر قال مراقبون سياسيون عدة مرات بأن عملية السلام واتفاقية وادي عربة وفتح السفارات المتبادلة، مسائل لم تساهم إطلاقاً بطريقة أو بأخرى في تبديده أو إعادة إنتاج مشهد يوحي بوجود حالة اجتماعيه بين الأردنيين ودولة الكيان الإسرائيلي، ولو على أساس القبول بخيارات الدولة الأردنية في اتجاه التطبيع والسلام.
وقد ظهر ذلك وتجلى في كثير من المحطات، خصوصاً في الأحداث الأخيرة من الصدام العسكري مع المقاومة الفلسطينية، وبروز مبادرات للزحف القبائلي والعشائري الأردني على الحدود مع منطقة الأغوار، خلافاً لتمجيد الأسرى مؤخراً والتركيز على كبار الأسرى وما يحصل معهم الآن، مثل زكريا الزبيدي وبقية رفاقه الخمسة، في الوقت الذي بدا فيه بأن تلك المشاعر الوطنية في الشارع الأردني خرجت عن السيطرة جراء الاعتداءات الإسرائيلية والإرهاب الإسرائيلي الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني.
ولم تعد ثمة إمكانية للسيطرة على مشاعر الشارع الأردني المتوقدة ضد كيان الاحتلال تحت أي عنوان له علاقة بالتطبيع الرسمي، أوحتى بعملية السلام مع الإسرائيلي، خلافاً بأن القوى السياسية والشعبية والمدنية الأردنية تسلط الضوء أكثر اليوم على أوجاع ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
بالتزامن مع عملية نفق الحرية التي لفتت نظر الأردنيين وأظهروا اهتماماً وشغفاً كبيراً بها طوال الوقت حتى هذه اللحظة، لوحظ حجم الاهتمام ورصد مستوى الاهتمام الشعبي والفلسطيني الأردني بتشييع ما تبقى من جثمان شهيد وعسكري أردني سقط شهيداً على أسوار مدينة القدس أو بالقرب منها، وقد تم إجراء مراسم تشييع شعبية فلسطينية في المسجد الأقصى تحديداً للشهيد الأردني، وهو عسكري عثر على بقايا رفاته مؤخراً فقط في إحدى ضواحي القدس، وتليت الفاتحة على روحه في المسجد الأقصى وفي مساجد العاصمة عمان، في دلالة على تلك الوحدة العضوية المرتبطة بالدم بين الشعبين.