سعى لبنائه منذ 27 عاماً.. أردوغان يفتتح مسجد تقسيم ويعتبره “هدية في ذكرى فتح إسطنبول”- (فيديو)

اردوغان ومسجد تقسيم

افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، مسجد تقسيم المثيرة للجدل وذلك بعد 27 عاماً على قطعه وعداً ببناء المسجد في ميدان تقسيم أحد أبرز الأماكن السياحية في تركيا والعالم، معتبراً أن المسجد “هدية لإسطنبول في ذكرى فتحها” وأن افتتاح سوف يزعج “الإمبرياليين الطامعين بتركيا”، على حد تعبيره.

وكان أردوغان ظهر في مقطع فيديو قديم ونادر يعود لعام 1994 عندما كان يشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول آنذاك وهو يجري لقاءاً صحافياً من على سطح إحدى البنايات قرب ميدان تقسيم السياحي وسط إسطنبول، وقبل نهاية اللقاء يؤشر أردوغان بيده اتجاه إحدى زوايا الميدان ويقول للصحافيين: “سوف أبني مسجداً هناك”، وهو المسجد الذي صلى فيه الجمعة، وألقى كلمة أمام الآلاف في الميدان الأهم بالبلاد.

وقال أردوغان في كلمته إن “مسجد تقسيم” هدية لإسطنبول في الذكرى الـ 568 لفتحها.. مسجد تقسيم يتبوأ من الآن مكانته المرموقة بين معالم إسطنبول”، وأضاف: “لا يساوركم الشك أن الصوت الذي يتردد صداه من مسجد تقسيم يزعج الإمبرياليين الطامعين في بلادنا وداعمي الإرهاب”.

واعتبر أردوغان أن مسجد تقسيم هو “هدية لإسطنبول بعد نضال استمر نحو قرن ونصف القرن”، موضحاً أن فكرة بناء مسجد يطل على ساحة تقسيم تعود إلى أيام الحرب العثمانية الروسية بين عامي 1877 و1878، وأن الفكرة طرحت مجددا في فترة حرب الاستقلال قبل نحو قرن، لافتاً إلى العراقيل التي حالت دون بناء المسجد.

وقال: “​​البلدية التي كانت بيد حزب الشعب الجمهوري عرقلت عام 1965 قرار رئيس الوزراء آنذاك سليمان دميرل بتخصيص أرض لمديرية الأوقاف لبناء مسجد تقسيم، وذلك عبر إحالة الموضوع للقضاء واستصدار قرار ضد التخصيص”، مضيفاً: “كما لفت إلى إلغاء الانقلابيين الذين قاموا بانقلاب 12 أيلول/سبتمبر 1980 قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1979 بخصوص بناء مسجد في منطقة تقسيم”.

من جهته، وصف إمام الجمعة في المسجد رئيس الشؤون الدينية التركي علي إرباش أن افتتاح المسجد هو “لحظة تاريخية” وربط بينها وبين فتح آيا صوفيا للعبادة مجدداً العام الماضي، وذكرى فتح إسطنبول، لافتاً إلى أن هذا المسجد جاء عقب عقود من النضال من أجل تحقيق هذا الهدف.
والجمعة، أعاد آلاف الأتراك نشر مقطعه الفيديو الشهير لأردوغان والذي بقي لسنوات طويلة بعد تصويره بداية عام 1994 مثار للسخرية والانتقادات من قبل شريحة واسعة من العلمانيين الكماليين في تركيا الذين كانوا يتمتعون بقوة أكبر في الدولة في ذلك الوقت وكانوا يعارضون هذا المشروع بقوة، ووصفوا كلام أردوغان على أنه “أحلام غير واقعية لن تتحقق على الإطلاق”.
وعلى مدار عقود، عملت جهات مختلفة من خلال وزارة الثقافة والجمعيات والنقابات وبتساهل من القضاء التركي على إفشال عشرات المحاولات لبناء المسجد، وأصدر القضاء أكثر من مرة قرارات تمنع بناء المسجد وتحظر أي عمل في هذا الاتجاه وجاب ملف “مسجد تقسيم” العديد من المحاكم لسنوت طويلة وصولاً لمحكمة التمييز، وسيقت العديد من المبررات لمنع هذا المشروع منها ما يتعلق بأسس الجمهورية والعلمانية والسياحة والثقافة والتاريخ والآثار وغيرها.

ويرى أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم والعديد من أتباع الأحزاب المحافظة والجماعات الدينية في تركيا أن بناء المسجد في تقسيم يعتبر بمثابة “انتصار” يحمل رمزية كبيرة، فيما ينظر كثيرون لنجاح أردوغان في بناء المسجد رغم التحديات الضخمة التي واجهته في هذا المشروع على أنه “تعبير عن حجم الإرادة السياسية التي يتمتع بها أردوغان، وإيمانه بمشروعه السياسي، ونجاح أسلوبه في تمرير جميع ما يريده من خلال التدرج”.

وبين عام 1994 تاريخ وصول أردوغان لأول مرة إلى رئاسة بلدية إسطنبول وعام 2021 شهدت تركيا تحولات سياسية واجتماعية كبرى كان أبرزها تراجع التيار العلماني واليساري في البلاد مقابل صعود التيار المحافظ

والقومي بزعامة أردوغان بشكل تدريجي، قبل أن تنعش الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها البلاد مؤخراً آمال المعارضة بإمكانية الوصول إلى الحكم وإنهاء قرابة عقدين من حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة عام 2023.

ويوجد في ميدان تقسيم نصب تاريخي ضخم لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، كما يوجد فيه مركز أتاتورك الثقافي، وكان الميدان مسرحاً دائماً لاحتجاجات النشطاء العلمانيين واليساريين المناهضين لحكم أردوغان لا سيما أحداث غيزي بارك عام 2013 التي كان مشروع بناء المسجد أحد أسبابها، وكادت أن تؤدي لإسقاط حكومة أردوغان آنذاك حيث وصف الرئيس التركي تلك الأحداث آنذاك بأنها “محاولة انقلابية”.

وصُمِّم المسجد على مساحة تقارب 1500 متر مربع، ويتسع لنحو 950 شخصاً، ويضم قاعةً للمؤتمرات ومكتبة، فيما صممت المآذن على ارتفاع 30 متراً وهو الارتفاع المساوي لارتفاع كنسية تاريخية مجاورة، وطوال السنوات الماضية حرص أردوغان على زيارة المسجد وتفقد أعمال البناء مراراً لإظهار مدى اهتمامه بالمشروع الذي يوصف في تركيا على انه كان “حلماً كبيراً تحول إلى حقيقة”.

ويعتبر بناء مسجد تقسيم أبرز خطوات أردوغان في هذا الاتجاه بعد الخطوة الكبرى التي أقدم عليها العام الماضي بإعادة فتح مسجد آيا صوفيا للعبادة بعد عقود من تحويله إلى متحف، كما بنا مؤخراً مسجد “تشامليجيا الكبير” على أعلى مرتفع على الجانب الآسيوي المطل على مضيق البوسفور، وهو المسجد الأكبر في البلاد الذي يتسع لعشرات آلاف المصلين ويمكن رؤيته من معظم أحياء المدينة التي تتميز بمساجدها وتعتبر من أكثر مدن العالم التي تضم مساجد في بلد يوجد به قرابة 85 ألف مسجد.

وإلى جانب الجدل السياسي والقضائي، تحول الموضوع طوال السنوات الماضية إلى مادة للجدل على المستوى الشعبي ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي بين المؤيدين والمعارضين لبناء المسجد، حيث يقول المؤيدون إن المنطقة السياحية الهامة لا يوجد بها أماكن عبادة كافية للمسلمين، ويضطر الكثير من المواطنين والسياح لأداء الصلوات لا سيما صلاة الجمعة في أزقة المنطقة السياحية.

في المقابل، يرى المعارضون أن مشروع المسجد هو محاول لإضفاء صبغة دينية أكبر على إسطنبول وميدانها المركزي، إلى جانب إضعاف مكانة نصب أتاتورك التذكاري الأبرز في الميدان وضمن خطة متكاملة يهدف من خلالها أردوغان إلى نزع مكانة أتاتورك من الشعب التركي، بحسبهم.