اللشمانيا يهدد الفلسطينين

موقع مدينه رام الله الاخباري :

 ينتظر الطفل حمزة مسلماني (12 عاما)، دوره في مديرية الصحة في طوباس، لتلقي حقنة اعتاد عليها يوميا، في وجهه ويديه، لا يأبه حمزة بكل الآلام التي تصيبه جراء تلك الحقنة وكل ما يريده هو التخلص من التشوهات التي ظهرت في جسمه بفعل لدغات من حشرة \"اللشمانيا\" التي يُطلق عليها محليا اسم \"ذبابة أريحا\". تسجيل 41 حالة حمزة ليس الطفل الوحيد المصاب بهذه الحال، ووفق احصائيات وزارة الصحة فإنه في شهري كانون الثاني وشباط الماضيين تم تسجيل 41 حالة، بالإضافة لحالات أخرى لم يتم احصاؤها بعد حدثت في شهر آذار الجاري، وكذلك اصابات لم يتم تسجيلها بسبب عدم وصول المصابين إلى المراكز الصحية تلقي العلاج اللازم. كان حمزة يشعر ببعض الخجل من آثار اللسعات الظاهرة على جسده ويتردد في الذهاب إلى مدرسته، لكن زملاء آخرين له في مدرسة مصطفى أبو خيزران في طوباس أصيبوا أيضا بذات اللدغات، ليدرك حمزة أن الموضوع لا يقتصر عليه، وإنما نحو عشرة من زملائه لديهم ذات المشكلة ويتوجهون جميعا إلى المراكز الصحية الحكومية لتلقي العلاج والحقن اليومية كل حسب حالته. أصابع الاتهام موجهة نحو\"الوبر الصخري\" ولم يترك عبدالفتاح مسلماني والد الطفل حمزة حلا إلا وجربه لإبعاد ذبابة أريحا عن محيط منزله، موضحا أن الاتهامات توجه الآن إلى حيوان يُسمى \"الوبر الصخري\" بحيث تتغذى تلك الحشرة عليه وتعيش في وبره، وهو منتشر في المناطق الصخرية والحفر والمُغر، مشيرا الى أنه وضع كميات من التراب فوق أكوام الحجارة المحيطة بمنزله بلا جدوى وحفر حيوان الوبر الصخري التراب وخرج منه، ولم تقتصر الإصابة على إبنه حمزة وإنما وصلت أيضا إلى زوجته. وقال: ان المئات من سكان الحي الذي يعيش فيه باتوا معرضين للإصابة بلسعات \"اللشمانيا\".

\"eFG93635\" وإذا كانت الأمور كذلك في منطقة طوباس فإن الحال يبدو أكثر صعوبة في مناطق الأغوار الشمالية والمضارب البدوية، فهناك تكثر الصخور والمغر التي تعتبر المكان الأنسب لاختباء حيوان \"الوبر الصخري\"، لكن المعلومات التي توفرت لـ\"حياة وسوق\" تؤكد أنه رغم الإصابات التي تحدث في تلك المناطق لكن لا يراجع جميع المصابين العيادات والمراكز الحكومية، وبالتالي فإن أعداد الإصابات ربما تكون أكثر بكثير مما هو مُعلن رسميا. وحسب أرقام حصل عليها \"حياة وسوق\" فإن أكثر من 50 إصابة موثقة رسميا منذ بداية العام الجاري بينما في العام 2014 لم تصل الإصابات إلى هذا العدد تقريبا. وبالعودة إلى الأرقام المتوفرة يتبين أن شهر كانون الثاني 2015 شهد 16 إصابة في طوباس بينما في الشهر نفسه من العام 2014 تم تسجيل 4 حالات، ومثلها في شهر شباط من العام الماضي، وهو ما يؤشر إلى الارتفاع المتزايد والكبير في عدد الإصابات مع مضي الوقت. ما هي اللشمانيا \"ذبابة أريحا\"؟ تعتبر اللشمانيا مرضا طفيلي المنشأ ينتقل عن طريق قرصة \"ذبابة أريحا\" وهي حشرة صغيرة جدا لا يتجاوز حجمها ثلث حجم البعوضة العادية لونها أصفر وتنتقل قفزا ويزداد نشاطها ليلا ولا تصدر صوتا لذا قد تلسع الشخص دون ان يشعر بها، وتنقل الذبابة عن طريق مصة من دم المصاب (إنسان أو حيوان كالكلاب والقوارض) ثم تنقله إلى دم الشخص التالي فينتقل له المرض ويزداد انتشارها في المناطق الزراعية والريفية. وتظهر اللشمانيا الجلدية بعد عدة أسابيع من لسعة ذبابة أريحا على شكل حبوب حمراء صغيرة أو كبيرة ثم تظهر عليها تقرحات ويلتصق على سطحها افرازات متيبسة ولا تلتئم هذه القروح بسرعة, وتكبر القرحة بالتدريج خاصة في حالة ضعف جهاز المناعة عند الإنسان وتظهر عادة هذه الآفات في المناطق المكشوفة من الجسم. وتتراوح مدة الشفاء من ستة أشهر لسنة. حلول بامكانيات متواضعة وتكافح وزارة الصحة هذا المرض بامكانيات محدودة، وتلجأ إلى أسلوب رش المناطق التي تنتشر فيها ذبابة أريحا مرتين في العام، ويتم اللجوء إلى أساليب رش يدوية وبدائية، لكن المعيقات التي تقف أمام الجهات المعنية هي الحاجة إلى رش مناطق واسعة في الأغوار وداخل مدينة طوباس حيث يتطلب الأمر امكانية كبيرة غير متوفرة، كما أن مفعول المواد المستخدمة في الرشم لا يتجاوز خمسة أيام في المناطق الخارجية ما يعني أن توفير الحماية يكون لعشرة أيام في العام بحيث يتم الرش مرتين سنويا، أما داخل البيوت فإن مفعول المواد يكون لـ40 يوميا. ويؤكد مدير صحة طوباس الدكتور جميل دراغمة أن هناك جهودا مكثفة من قبل مختلف المؤسسات التي تتعاون بشكل مشترك لمواجهة البعوضة والمسببات لها، موضحا ان المحافظة والبلدية ووزارتي الأشغال والصحة وغيرها من المؤسسات تتعاون لايجاد الحلول الممكنة. ومن الحلول المطروحة لمواجهة البعوضة يؤكد دراغمة أنه تم اتخاذ قرار بمهاجمة حيوان \"الوبر الصخري\" الناقل للبعوضة حسب الاعتقاد السائد، وسيتم مهاجمته من خلال ردم الصخر والمغر وأكوام الحجارة التي يختبئ فيها في عدد من المناطق، إلا أن الأمر يبدو صعب التنفيذ في مناطق خارج مدينة طوباس خاصة في الأغوار. جمعيات حماية الحياة البرية: اتهامات باطلة وهذه الخطوة تزعج جمعيات حماية البيئة الفلسطينية التي تقول ان \"الوبر الصخري\" ليس المسؤول عن نقل البعوضة إلى الإنسان. ويؤكد عماد الأطرش المدير التنفيذي لجمعية حماية الحياة البرية الفلسطينية ان الجمعية ستتواصل مع الجهات ذات العلاقة لمنع تنفيذ هذا الحل للقضاء على ذبابة أريحا، مشيرا إلى أن حيوان \"الوبر الصخري\" بريء من كل الاتهامات بأنه الناقل للبعوضة. وقال الأطرش: \"نحن نأخذ في عين الاعتبار بعض الحقائق عندما ندافع عن الوبر الصخري، وحسب المعلومات العلمية المتوفرة لدينا فإن اللشمانيا التي تصيب الإنسان هي من النوع الشرقي ونسبة وجودها في الوبر الصخري قليلة جدا، بالتالي كيف نحمل هذا الحيوان مسؤولية نقل البعوضة، ونساهم في قتل الحيوانات البرية الفلسطينية وتدمير أماكن عيشها؟\". وأوضح الأطرش أن الحلول يجب أن تكون بعيدة عن قتل حيوان الوبر الصخري أو تدمير أماكن عيشه، مشيرا إلى هذا الحيوان موجود منذ ملايين السنين ولا توجد دراسة علمية واحدة تحمله مسؤولية حمل البعوضة ونقلها إلى الإنسان. وحسب الأطرش فإن الحل الأمثل هو الاهتمام بالنظام العامة وليس قتل الحيوانات، مشيرا إلى أن النفايات هي المسبب الرئيسي لانتشار البعوضة ووصولها إلى الإنسان ولدغه. مضيفا \"لا يوجد اتصال مباشر بين حيوان الوبر الصخري والإنسان، فكيف ينقل له البعوضة؟ المطلوب هو التخلص من النفايات والمكاره الصحية وبالتالي سيكون هناك حلول لهذه المشكلة والقضاء على المرض\". وتساءل الأطرش: أين هي دراسات وأبحاث وزارة الصحة وغيرها التي تؤكد أن الوبر الصخري يتحمل مسؤولية نقل ذبابة أريحا؟ وأضاف: لا اعتقد بوجود دراسة علمية واحدة تثبت ذلك. الطب الوقائي: وصلت المناطق السكانية ويؤكد الدكتور قدري دراغمة، رئيس قسم الطب الوقائي في مديرية صحة طوباس، أن ذبابة أريحا بدأت تمتد فعلا إلى داخل المناطق السكنية بينما كانت الإصابات سابقا تقتصر على مناطق الأغوار والمضارب البدوية، فيما وصلت اليوم إلى داخل المدينة نفسها. وأوضح دراغمة أن الاجراءات المتبعة حاليا لمواجهة البعوضة هي رش حاويات النفايات والمناطق الموبوءة، ومناطق الينابيع. ويحمل دراغمة سلطات الاحتلال جزءا من مسؤولية انتقال المرض إلى التجمعات السكنية الفلسطينية، قائلا: \"نحن عندما نقوم بالرش في مناطق الأغوار فإن البعوضة تهرب باتجاه المستوطنات، وما أن ينتهي مفعول المواد المستخدمة في الرش حتى تعود إلى تلك التجمعات مجددا\". وحول طبيعة المرض يؤكد دراغمة أن معظم الإصابات الآن هي جلدية، لكن هناك نوعا آخر من الإصابات أكثر خطورة يصيب الأحشاء ويصل إلى الكبد وعدد من الأجهزة الأخرى في جسم الإنسان لكن لم يتم تسجيل أي حالة من هذا النوع حتى الآن. وأشار إلى أن وزارة الصحة تقدم العلاج مجانا بالكامل للمصابين بلدغات \"ذبابة أريحا\" بينما كانت سابقا تتحصل على رسوم ثلاثة شواقل عن كل حقنة تُعطى للمصاب، لكن وزير الصحة قرر إلغاء تلك الرسوم الرمزية. وفي الوقت الذي تطرح فيه الحلول المختلفة لمواجهة المرض، يبقى المواطن منتظرا لحل جذري يخلصه من هذا البعوضة ولدغاتها.

المصدر : حياة وسوق - بشار دراغمة ورومل السويطي -