الأزمةُ الماليةُ للسلطة .. تحدياتٌ وحلول

تنزيل

رام الله الاخباري:

في الوقت الذي تحاول فيه السلطة الفلسطينية أن تراوغ بين البقاء والانهيار الكامل، تقف على جبهات مختلفة للحيلولة دون السقوط؛ وذلك بسبب عوائق مختلفة، ابتداءً بحجز سلطات الاحتلال على أموال المقاصة ورفض استلام السلطة الأموال ناقصة، وتأخُّر المانحين عن تحويل الالتزامات المالية للسلطة، وليس انتهاءً بوقف الأنشطة الاقتصادية؛ بسبب جائحة فيروس كورونا على مدى الأشهر الخمسة الماضية.

أزمةٌ بدأت ملامحها تظهر بشكلٍ واضح، خاصة بعد أن تأخرت السلطة في دفع رواتب موظفيها لشهرَيّ مايو ويونيو الماضيَيْن، ودفعت نسبة 50 % من الرواتب في يوليو الجاري، حسب ما أعلنه وزير المالية شكري بشارة في مؤتمر صحفيّ في الثاني من يوليو الجاري.

مصادرُ التمويل

وتعتمد السلطة الفلسطينية في تمويلِ نفقاتها على ثلاثة مصادر، أولها: أموالُ المقاصة وتشكّل حوالي 80 % من الإيرادات الكلّية للسلطة، وهي تبلغ (2.5 مليار دولار سنوياً)، والمقاصة جزءٌ من اتفاقية باريس الاقتصادية والتي وُقِّعَت عام 1994، والتي بموجبها فوّضت السلطةُ الفلسطينية سلطاتِ الاحتلال بجباية أموال الضرائب والجمارك والرسوم على البضائع الواردة إلى السلطة، بحكم السيطرة الأمنية الكاملة على المعابر والمطارات التجارية للأراضي الفلسطينية من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي.

أمّا المساعدات الخارجية فهي تُعتبَر المصدرَ الثاني الذي تعتمد عليه السلطة في تمويل موازنتها، وتشكِّل حوالي 25%، بقيمة إجمالية تقدر بنحو (1.2 مليار دولار سنويّاً).

المصدرُ الثالثُ: الضرائبُ المحليّة بمختلف أنواعها، والتي تشكل حوال 25% من الإيرادات الكلّية للسلطة، وتُقدَّر بحوالي (1.1 مليار دولار سنويّاً)، وتشمل "ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المُضافة (البلو)، وضريبة الملكية".

تحدّياتٌ تواجِهُ السلطة

إلى ذلك قال الخبيرُ في الشأن الاقتصادي الفلسطيني سمير أبو مدلله في تصريح خاص:" إن التحدي الأول للسلطة يكمن في سيطرة إسرائيل وقرصنتها على أموال المقاصة، والتي تصل إلى مليون دولار شهرياً، وتمثل 60 % من نفقات السلطة".

أمّا التحدي الثاني، يتعلق بالمانحين وتراجُع المِنَح التي تُقدَّم للسلطة الفلسطينية، خاصة بعد قطع الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للسلطة، إضافة إلى كثير من الدول الأوروبية أو العربية والذين لم يسدِّدوا التزاماتِهم المالية، وتراجُع الإيرادات الداخلية والتي يتم جبايتُها من قِبَل السلطة بسبب جائحة كورونا خلال الأشهر الخمسة الماضية.

وأشار أبو مدلله إلى أن السلطة عليها التزامات شهريّة، ما بين رواتبَ وأشباهِ رواتب، ومصاريفَ جاريةٍ والسفارات في الخارج، والوزارات، وتصلُ قُرابة (150 – 200 مليون دولار شهريّاً).

وأوضح أبو مدلله أن السلطة بسبب الأزمات التي عصفت بها، تراكمت عليها ديونٌ لصندوق التأمين والمعاشات، والتي وصلت إلى قُرابة (مليار و800 مليون دولار)، وأيضاً ديونٌ للبنوك بنحو (مليار و600 مليون دولار) إضافة إلى الديون الخارجية، مشدِّداً على أن جميع هذه التحديات عنوانها ليس اقتصاديّاً فقط بل هو سياسيٌّ بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، ونتيجة المستوطناتِ والحواجز المنتشرة في الضفة، وكذلك بسبب سيطرة إسرائيل على موارد السلطة، خاصة في المناطق "C"، وليس انتهاءً بمنع حركة التجارة ما بين المدن الفلسطينية من جهة، وبين قطاع غزة والمحافظات الشمالية من الوطن من جهةٍ أخرى.

خياراتٌ للخروج من الأزمة

أمّا الحلولُ المتاحةُ أمام السلطة سياسيّاً حسب الخبير الاقتصادي: التوجُّهُ للمحاكم الدولية والأمم المتحدة؛ طلباً لحماية شعبنا، وعقدُ مؤتمرٍ دوليّ للسلام تُشرفُ عليه الأممُ المتحدة بعيداً عن الاستفراد الأمريكي، خاصة بعد أن قضت إسرائيل على الاتفاقيات السياسية بقرصنتها على أموال المقاصة.

واقتصاديّاً أكّد أبو مدلله أن السلطة لديها عدّةُ خيارات، منها: استلامُ أموال المقاصة عبر طرفٍ ثالثٍ بعد إعلانها قطع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، على أن يتم استلامُ أموال المقاصة عبر دولةٍ ثالثةٍ صديقةٍ للشعب الفلسطيني، إضافة إلى تخفيفِ النفقات، وحثِّ المانحين وبالأخصّ الدول العربية؛ للإيفاء بالتزاماتها تجاه السلطة وتضمنُها "شبكةُ الأمان العربية" التي تمَّ الحديثُ عنها بتقديم 100 مليون دولار للسلطة منذ عدّة سنوات.

الصندوقُ الأسود

أمّا المختصُّ في الشأن الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جيّاب، قال:" إنَّ صندوق الاستثمار الفلسطيني، قليلٌ جداً مَنْ يعرفُ مواردَه، وكيف تُشغَّلُ أموالَه، مطالباً أن تكون أموالُهُ معروفة لدى الجانب السياسيّ من قِبَل القوى والشعب الفلسطيني".

وأضاف أن أموال صندوق الاستثمار هي أموالٌ للشعب الفلسطيني، متسائلاً: "إنْ لم يتم استخدامُ هذه الأموال للفلسطينيّين في الوقت الحالي، متى ممكن أن تُستخدَم؟".

وطالب أبو جيّاب باستثمار الأموال في الصناعات والمصانع؛ للتخفيف من حِدّة البطالة والفقر، وتقديم مبالغ مالية للسلطة لتفيَ بالتزاماتها تجاه الموظفين، والمصاريف الجارية، والجاليات الفلسطينية في الخارج.

من جانبه، أشار أبو مدلله إلى أن صندوق الاستثمار باع في بداية الشهر الجاري عدّة أسهم تُقدَّر بـ (12 مليون دولار) إلى شركة أيبك "وهي شركة مشكّلة من عدّة شركات تعمل في مجال الصناعات الغذائية ومواد البناء وغيرها، مؤكّداً أنها تحقّق أرباحاً، إلا أن صندوق الاستثمار باع جزءاً من أسهمه.

الوضعُ الاقتصاديّ

وحول الوضع الاقتصادي في الضفة، أظهر تقريرٌ لسلطة النقد الفلسطينية أنّ تحسُّناً ظهر عليه بعد عودة المنشآت الصناعية إلى عملها الاعتيادي خلال الشهر الماضي، ليؤكّد الخبيرُ الاقتصاديّ أبو مدلله أن هذا التحسُّن بطيءٌ وغيرُ ملموسٍ في الضفة وفي غزة، مشدّداً على أن هذا التحسُّن الطفيف لن يخفِّفَ من الأزمة المالية المتراكمة لدى السلطة في ظل البطالة الكبيرة بين المواطنين في الأراضي الفلسطينية.