فلسطين : آلاف الوظائف تبخرت والاقتصاد امام ركود غير مسبوق

الاقتصاد الفلسطيني

رام الله الإخباري

رام الله الاخباري : 

لم يفق الاقتصاد الفلسطيني من دوامة أزمة أموال المقاصة حتى دخل في انتكاسة أخرى منذ مارس/آذار الماضي بسبب تفشي فيروس كورونا، وما نتج من إغلاق المرافق الاقتصادية والتجارية، وبالتالي رفع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق.

وأظهرت دراسة صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقدان السوق المحلية 18 ألف وظيفة في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، وارتفاع نسبة البطالة إلى 25%.

بينما يبين تقرير صدر عن البنك الدولي، توقعات بانكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تتراوح ما بين 7.6% إلى 11% خلال العام الجاري، وتشكل هذه النسبة نحو 1.75 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي.

وأعلنت الحكومة عن إغلاق جميع محافظات الضفة الغربية بدءًا من 3 يوليو/ تموز الجاري ولمدة 10 أيام، بعد نحو 40 يومًا من رفع إغلاق شامل استمر نحو شهرين؛ لمواجهة التزايد الكبير في عدد الإصابات بفيروس كورونا.

ويشمل الإغلاق الجديد المدن والقرى والبلدات والمخيمات، مع منع الحركة والتنقل، وإغلاق جميع المرافق الاقتصادية باستثناء الصيدليات والمخابز.

وجاء إعادة فرض الإغلاق في الضفة قبل يومين من إعلان الرئيس محمود عباس فرض حالة الطوارئ 30 يومًا، للمرة الرابعة؛ لمواجهة استمرار تفشي الفيروس.

ويتفق خبيران في الشأن الاقتصادي، أن الجائحة أسهمت في توقف عجلة الإنتاج بشكل كبير، وتعطل أنشطة اقتصادية، صناعية وزراعية واسعة، والتسبب بزيادة نسبة البطالة وخروج منشآت من سوق الإنتاج.

ويرى الخبير الاقتصادي يوسف داود، أن الاغلاقات ووقف الإنتاج والتوزيع أوقف العمال عن وظائفهم، وأسهم في تقليص ميزان العرض والطلب.

ويضيف داود : "الكثير من السلع ليست نهائية؛ أي أنها لإنتاج سلع أخرى، ومع ازدياد البطالة يقل الطلب على السلع والخدمات، وتضطر المنشآت لتسريح العمال، ما يؤدي إلى تعمق في المشكلة مع نقصان إيرادات الحكومة".

وبحسب داود، فإن المُنجي الوحيد في مثل هذه الظروف هي الحكومة؛ من خلال الاقتراض وضخ النقود لإنعاش الاقتصاد.

ويستدرك الخبير خلال حديثه، بوجود معضلة في عدم تحويل الإيرادات من الاحتلال أو نقصها؛ ما يجعل موظفي القطاع العام أمام أزمة في قلة استلام رواتبهم، الأمر الذي يزيد من أمد المشكلة مع ازدياد الوقت.

وحول حساب حجم الركود الاقتصادي بشكل دقيق في هذه المرحلة، يقول إن: "المعامل الكمي غير واضح لدينا لعدم وجود دراسة كمية تحسب العلاقة بين البطالة والنمو الاقتصادي، أي أن حجم البطالة مقارنة بالنمو غير واضح بالكامل".

وفيما يتعلق بحلول الأزمة، يرى داود أن الحل المنطقي هو تبني سياسات إغلاق غير كاملة، تتيح سير عجلة الاقتصاد مع خطة لانضباط الجمهور، وتبني مسؤولية اجتماعية إلى جانب مسؤولية اقتصادية تسمح بتسيير عجلة الإنتاج دون انفلات كامل خشية من تفاقم الأزمة.

تراكم أزمات

بدوره، يقول المختص في الشأن الاقتصادي جعفر صدقة  إنه لا يمكن الحديث عن الأزمة الحالية بمعزل عن الظروف الاقتصادية العامة التي تعيشها المالية العامة الفلسطينية وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية.

ويوضح صدقة أن فلسطين دخلت في أزمة كورونا دون تعافي الاقتصاد من أزمة المقاصة العام الماضي، والتي حصلت بين شهري فبراير/ شباط وسبتمبر/ أيلول، وعادت لتدخل أزمة جديدة ناتجة عن عدم تحويل أموال المقاصة مرة أخرى لـ"أسباب سياسية غير معروفة".

ويضيف "جميعها أزمات مركّبة وضعت الاقتصاد الفلسطيني بالدرك الأسفل، وكنا نقول إن هذه الأزمة ستضع الاقتصاد الهش والضعيف على حافة الانهيار، ونحن فعلا في حالة انهيار الآن بسبب الأزمات المتتابعة".

ووفق المختص، فإن المعطيات الحالية سواء فيما يتعلق بالحالة الوبائية أو ما يرافقها من أزمة في المقاصة، لن تكن قصيرة المدى، الأمر الذي يعمّق آثارها على مجمل الاقتصاد الفلسطيني، بالتزامن مع "الضعف الكبير في إمكانيات السلطة، التي لم تستطع تقديم ما قدمته حكومات وبنوك مركزية في دول العالم الأخرى من حزم إنقاذ وحزم مساعدات، وتكتفي بإدارة الحالة الوبائية فقط".

وعلى الصعيد المالي والسياسات الاقتصادية، يلفت صدقة إلى أن "السلطة ليس لديها ما تقدمه" في هذا السياق، "وهو ما يضع الأنشطة والمصالح الاقتصادية في مهب الريح إذا طالت الأزمة، وربما نشهد عمليات خروج واسعة من السوق وخصوصا المنشآت والشركات الصغيرة".

ويشير إلى أن البطالة قفزت بشكل كبير رغم ارتفاعها أصلًا، إذ سرّح أرباب العمل آلاف العمال، مع تعطل الأنشطة الاقتصادية وعدم قدرة المنشآت وخصوصًا الصغيرة على الاستمرار في دفع الرواتب.

وعلى صعيد الإنتاج، يلفت صدقة إلى أن تعطل المصالح بين فترة وأخرى مع توجه المؤشرات إلى تمديد فترات الإغلاق بسبب تزايد أعداد الإصابات، وخصوصًا في الخليل، أو فتح مناطق وإغلاق أخرى؛ تبقي الظروف الطبيعية لاستئناف عجلة الإنتاج ناقصة.

وبشأن إمكانية وضع خطة لتعافي الاقتصاد وتنشيط قطاعات التجارة والإنتاج، يقول صدقة إن غياب لقاح الفيروس لا يجعل بديلًا سوى التعايش معه، مضيفًا أن "التعايش يحتاج إلى التزام كامل بالمعايير والبروتوكولات الصحية التي وضعتها وزارة الصحة".

ويضيف "إذا لم يكن هناك التزام بدءًا من المؤسسات الرسمية، مرورًا بالمدارس والجامعات والمواصلات العامة، وانتهاءً بطريقة السير في الشوارع؛ سنبقى تحت ضغط الإغلاقات، لنقع في دائرة الضائقة الاقتصادية".

صفا