الفلسطينيون في تركيا.. واقع أليم.. ومستقبل مجهول

1571484404BVMnu

رام الله الإخباري

رام الله الاخباري:

كأنها متوالية هندسية، تتضاعف فيها الأحزان، يومًا بعد يوم يزداد السوء، وتضيق الدائرة حول عُنُق الفلسطينيّ.. ها هو قطاع غزة، نبتة جفت، وسط صحراء حصارٍ، وأوتادٍ، وأسلاك شائكة وكلاب مُدرَّبة.. أربعة عشر عامًا، والخناق الإسرائيلي يتزايد، ويتسرَّب شباب غزة وعائلاتها إلى أيِّ أرضٍ يُنبِتون فيها زهرةَ المحبَّة والسلام.

أيُّ قرارٍ أصعب من هِجرة البلاد، وحَمْل جُعبَة الذكريات والترحُّل بها من دارٍ إلى دارٍ، أيُّ ألمٍ أقسى من هَجْر الأصدقاء ومُفارقَةِ العائلة.. على أيَّة حال هو أخفُّ الأمرين؛ أهْوَنُ من مُواجهةِ فُوَّهة بُندقيَّةٍ صهيونيَّةٍ، وأبسطُ من الوقوفِ في قلب الانقسام الفلسطينيِّ، وثقب الانفراجِ الذي يزدادُ ضِيقًا.

هناك مَن يُغادِرُ القطاع إذًا خوفًا من الانتماءِ الفصائليِّ والآراء السياسية، وثمَّةَ مَن يخرج للبحث عن وظيفة، وآخر أُجبِرَ على الفِرار هربًا من الانتهاكاتِ الجسيمةِ بحقِّه.. تعدَّدتْ الأسبابُ والغربةُ واحدة!

تبدو تركيا وسط هذا المحيط المتلاطم كما لو كانت جزيرةً..!

تركيا الوجهةُ الأولى للغزيينَ وبوابَتُهُم لأوروبا، الآلافُ منهم يحاولونَ الاستقرارَ بها، وآخرونَ يتخذونَها محطّة، ليُكمِلوا طريقَهُمْ إلى أوروبا بعدَها عبرَ البحرِ أو الحدودِ البرِّيَّة بحثًا عن حياة كريمة.

الكاتب والصحافي الفلسطيني «م.ع» في حوارٍ خاصّ قال إنَّ الآلاف يدفعون مبالغَ كبيرةً للخروج من واقع غزَّة المظلِم، يدفعونَ ثمنَ «الفيزا» لتركيا، ثم التنسيق للخُرُوج من بوابةِ معبرِ رفح البري، ثم تذاكر الطيران من القاهرة إلى إسطنبول، وعندما يصلُ إلى الأراضي التركيَّةِ، يُفاجأُ بواقع غير الذي سَمِع عنه؛ ساعات عملٍ لا تقلُّ عن عشرِ ساعاتٍ يوميًّا، وأَجْرٌ قليل، الأمرُ الذي لا يستطيع الفلسطيني فيه أن يُكمِلَ حياته، لأن ما يحصل عليه من خلال العمل لا يزيد على أُجرةِ مسكنِهِ وتوفيرِ الطعامِ لنفسِه وسجائرِهِ إن كان مدخِّنًا.

كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ، يبدو انطباقُ المثلِ على حالِ كلِّ فلسطينيٍّ، كأنْ لم يَكْفِ التفرُّقُ ومصافحةُ الآلامِ ومجابهةُ المشقَّةِ، وكأنما الاحتلالُ قد عُلِّق بعُنُق كلِّ فلسطيني، كأنه قد كُتِبَ عليهم، حتى وهُمْ بالخارج!

ياسر العريني، فلسطينيٌ مقيمٌ في اسطنبول منذ 3 سنوات، يؤكدُ أنّه وجدَ صعوبةً كبيرةً في التأقلمِ مع الأوضاع بتركيا بسبب اللغة، واختلاف الثقافة، وقوانين المعاملاتِ الرسميةِ لاستخراجِ الإقامة وتجديدها بشكلٍ دوري.

وأضافَ بأنه بدأَ العمل في مجالِ الخياطة بمرتبٍ قليل، وبعدَ عام من عملِه بدأت ترتفعُ أجرتَه ولكن لا تكفِ أن يدخرَ منِه أكثرَ من 50 دولارًا شهريًا، مشيرًا إلى أنّه لا يستطيعُ بهذا الأجرِ أن يتزوجَ أو يعيلَ أسرة له.

ظروفُ عملٍ قاسية، وأوضاعٌ معيشيةٌ عالية، تدفعُ الفلسطينيَ إلى العملِ في أيِّ مجال، وجاءَ ما لمْ يكن بالحسبان، أزمةٌ كورونا التي شلَّت الحياة بشكلٍ كامل في أغلبِ دولِ العالم، لتكونَ عقبةً جديدةً في وجهِ ما جاءَ تركيا قاصدًا العمل.

إيمان حسن، مقيمة في اسطنبول، تقولُ إنّها جاءَت قبلَ عامٍ بحثًا عن العمل، وتقدمَت للعديدِ من الشركات، وبسبب القوانين الجديدة التي فرضتَها الحكومةُ التركية على أذوناتِ العمل، وجدتْ صعوبةً كبيرةً في الحصولِ على فرصةِ للعمل، وبعد ذلك وجدَت عملًا في شركةِ عقارات، وكان الراتبُ ضعيفًا جدًا، وعدد ساعاتِ العمل تصل إلى 10 ساعات يوميًا إضافة 3 ساعات تقضيها في المواصلاتِ للذهابِ والعودةِ من العمل، لينتهي يومها دونَ أن تفعلَ شيء آخر.

وتضيفُ إيمان أنه بسببِ أزمةِ الكورونا فقدتْ عملَها، وذلك بسببِ إغلاق أغلب الشركاتِ الخاصةَ في اسطنبول، لتزداد الأمور صعوبةً، مؤكدةً أنها لنْ تستطيعَ استكمال المعيشةِ في حال لمْ تجد عملاً خلال شهر بالكثير، الأمرُ الذي يدفعها للتفكيرِ بالعودةِ إلى غزة.

وازدات الحياة صعوبةً في تركيا خاصةً على الفلسطينيين بسبب جائحة كورونا والتي أوقفَت الحياةَ بشكلٍ شبه كامل في البلاد في إطار مكافحةِ الحكومة التركية انتشار الفايروس، لتتقطع السبل ببعضِ العائلاتِ والأشخاصِ الغزيين في اسطنبول.

بدوره قالَ بلال الشيخ المتطوع في اتحاد المستثمرين الفلسطينيين بتركيا، إنه خلالَ تطوعه في الاتحاد تفاجئوا بكمِّ مَنْ تقطّعتْ بهم السبل في اسطنبول، وحاولوا بأسرع وقتٍ تشيكل خلايا وُزِعَت على جميعِ المحافظاتِ التركية، وأطلقوا "حملة خير" لتلبية احتياجاتِ أكبرَ عددٍ من الفلسطينيين، وتنوعَتْ المساعدات بين ماديةٍ، وطرود غذائية، وعلاجاتِ للمرضى، وعمليات للمصابين من الاحتلال.

من جانبها أعلنَتْ السفارةُ الفلسطينيةُ في تركيا والقنصليةُ العامةُ في بيانٍ لها في وقتٍ سابق أنها كانت على تنسيقٍ مع كلٍ الجهاتِ الرسميةِ لاغاثة رعاياها، وإتمام عمليةَ إجلاءهم، مشيرةً إلى أن مثلَ هذه القرارات تأخذُها الحكوماتُ بعد ترتيبٍ وتحضيرٍ وتنسيق مع عدةِ جهاتٍ داخلية وخارجية.

وأشار بلال الشيخ إلى أن الاتحادَ كان على تواصلٍ مباشر مع السفارةِ الفلسطينية والجاليةِ الفلسطينية في تركيا، مضيفا أنه بعد الانتهاءِ من "حملة خير"، أطلقَ السفيرُ الفلسطيني الدكتور فائد مصطفى، مبادرةَ صندوق "التضامن" لدعمِ وإغاثةِ الفلسطيينين، بمشاركة السفارة والجالية والاتحاد ولفيف من المؤسسات الفلسطينية في تركيا.

ويقدر عدد الفلسطينيين المتواجدين في تركيا قرابةَ 22.000 فلسطيني من غزة والضفة والداخل المحتل وسوريا والأردن ولبنان.

رام الله الاخباري