رام الله الاخباري :
قتل عشرون جندياً هندياً على الأقل في اشتباكات اندلعت مع القوات الصينية في منطقة متنازع عليها في جبال الهمالايا، إذ يعد أول اشتباك دموي يقع بين الجانبين في كشمير منذ 45 عاما.
وأوردت التقارير أن الجنود على الجانبين استخدموا العصي والهراوات وقضبان الخيزران المزودة بالمسامير في الاشتباكات التي بدأت في وقت متأخر من ليلة الإثنين في منطقة لاداك، دون أن يشهد أي إطلاق للنار.
وقال الجيش الهندي إن الجانبين تكبدا خسائر، وأكدت الصين وقوع الاشتباكات ولكنها لم تدل بأي معلومات أخرى، وفق موقع قناة الجزيرة.
وقالت الهند إن الصين "حاولت تغيير الوضع القائم من جانب واحد"، أما بكين فقد اتهمت القوات الهندية "بمهاجمة العسكريين الصينيين". وأجرى المسؤولون العسكريون من الجانبين لاحقا مفاوضات في مسعى لنزع فتيل الأزمة.
وقع الاشتباك في منطقة صخرية وعرة تقع في وادي جالوان ذي الموقع الاستراتيجي حيث يفصل إقليم التبت الصيني عن منطقة لاداك الهندية، حيث كانت قوات هندية وصينية تقفان وجها لوجه.
تقع المنطقة على ارتفاع نحو 4200 متر حيث تنخفض درجات الحرارة في العادة إلى ما دون الصفر، في منطقة جبلية نائية تتميز بأنهارها سريعة الجريان عند الطرف الشمالي للهند، ملاصقة لهضبة "أكساي تشين" التي تطالب بها الهند وتعتقد بأحقيتها فيها، لكنها تخضع لإدارة الصين.
منذ أوائل مايو/أيار الماضي، اتخذ مئات من الجنود الهنود والصينيين وضع الاستعداد في مواجهة بين الطرفين عند ثلاثة مواقع على امتداد الحدود، واتهم كل طرف الآخر بالتعدي على أراضيه.
ووقع الاشتباك في جالوان مساء يوم الاثنين في وقت كان الجيشان يحاولان فيه تهدئة الأمور، وبعدما التقى قادة عسكريون لإجراء محادثات في الأيام الأخيرة.
ويقول الإعلام الهندي إن الجنود على الجانبين اشتبكوا بالأيدي وإن البعض منهم ماتوا جراء الضرب المبرح. وقالت إحدى الصحف الهندية إن بعض الجنود سقطوا في أحد الأنهار أو رموا فيه.
وقال الجيش الهندي أول الأمر إن ضابطا برتبة عقيد وجنديين قتلوا في الاشتباك، ولكنه أعلن لاحقا مقتل "17 عسكريا هنديا أثناء تأدية واجبهم"، مما رفع حصيلة القتلى إلى 20.
ويصر الجانبان على أنهما لم يتبادلا إطلاق النار منذ أربعة عقود، وقال الجيش الهندي يوم الثلاثاء إن الحادث الأخير "لم يشهد أي إطلاق للنار".
وقال أنوراغ سريفاستافا، الناطق باسم وزارة الخارجية الهندية، إن الاشتباك اندلع نتيجة "محاولة الجانب الصيني تغيير الوضع القائم في المنطقة الحدودية من جانب واحد".
ولم تؤكد الصين عدد الخسائر، ولكنها اتهمت الهند بانتهاك خط الحدود والعبور إلى الجانب الصيني.
ولم يتطرق رئيس الحكومة الهندية نارندرا مودي للقضية حتى الآن، وهو أمر أشار إليه راهول غاندي الزعيم السابق لحزب المؤتمر المعارض.
وكتب وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ تغريدة يوم الأربعاء قال فيها إن "خسارة الجنود في غالوان أمر محزن ومؤلم جدا".
وأضاف "برهن جنودنا على شجاعتهم وتفانيهم في أداء واجبهم وضحوا بحياتهم تماشيا مع تقاليد الجيش الهندي الرفيعة".
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية جاو لي جيان إن "الجانب الهندي انتهك بشكل جسيم توافقنا وعبر خط الحدود مرتين، واستفز القوات الصينية واعتدى عليها".
من جهتهم، يقول خبراء عسكريون إن أحد أسباب المواجهة الحالية تتمثل في أن الهند تشق طرقا وتقيم مطارات لتحسين القدرة على ربط قواتها، وتضييق الهوة مع البنية التحتية المتفوقة لدى الصين على الجانب الآخر من الخط الفاصل بين البلدين.
وفي جالوان أكملت الهند شق طريق يؤدي إلى مهبط للطائرات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واعترضت الصين على ذلك وطالبت الهند بالتوقف عن كل أعمال البناء، في حين تقول دلهي إنها تعمل في الجانب الهندي من الخط الحدودي.
وينص اتفاق سابق بين الجانبين على ألا تفتح الدوريات النار قرب الخط الحدودي. وقد وقعت عدة اشتباكات عنيفة على ارتفاعات عالية دون استخدام الأسلحة النارية فيها.
وتمثل الخسائر البشرية التي شهدها هذا الأسبوع أول خسارة من نوعها منذ اشتباك حدودي كبير عام 1967 بين الجارتين النوويتين، كما أنهما أكثر دولتين في العالم سكانا. وسقط مئات القتلى في ذلك الاشتباك.
ويطالب كلا الجانبين بأحقيته في مساحات شاسعة من أراضي الطرف الآخر على امتداد الحدود في منطقة الهيمالايا. وترجع جذور بعض الخلافات إلى عمليات ترسيم الحدود إبان عهد الاستعمار البريطاني في الهند.
كان الاشتباك الذي وقع عند الحدود في لاداك الأخطر من نوعه منذ نصف قرن تقريبا. ولكن لم تكن هذه المرة الأولى التي يشتبك فيها جنود الجارتين النوويتين دون استخدام الأسلحة النارية عند حدودهما المشتركة، فللصين والهند تاريخ طويل من المواجهات عند حدودهما المشتركة غير المحددة بدقة وتمتد لأكثر من 3440 كيلو متر.
فقد كانت دوريات الحدود من الجانبين تصطدم ببعضها بين الفينة والأخرى مما يسفر عن اشتباكات بالأيدي، ولكن لم تشهد هذه الحوادث إطلاق نار منذ أربعة عقود.
ويعود ذلك إلى أحد بنود الاتفاق الثنائي الذي وقع عليه الجانبان في عام 1996، وينص على "أن الجانبين لن يفتحا النار أو يقوما بتفجيرات أو يستخدما الأسلحة النارية أو المتفجرات في منطقة يبلغ عمقها كيلو مترين على جانبي خط الحدود .
ويسيّر الجانبان دوريات في المنطقة تصطدم بين وقت لآخر مع دوريات الجانب المقابل في اشتباكات بالأيدي. وكان العشرات من العسكريين الصينيين والهنود قد تبادلوا اللكمات واللطمات في اشتباك وقع على الحدود في ولاية سيكيم الهندية أصيب جراءه سبعة من الجنود الصينيين وأربعة من نظرائهم الهنود بجروح. وعندما تسوء الأمور يلجأ الطرفان إلى القتال بالسلاح الأبيض.
وخاضت الهند والصين عام 1962 حربا حدودية قصيرة لكنها كانت دموية، وأدى ارتياب كل طرف في الآخر إلى تفجر الوضع أكثر من مرة منذ ذلك الحين. وفي كثير من الأحيان يقال إن السبب في ازدياد التوتر هو أعمال البناء في مجال البنية التحتية قرب مناطق موضع نزاع أو عليها.
ويقوم الخط الحدودي الفاصل إلى حد كبير على أساس خط وقف إطلاق النار بعد حرب 1962، لكن كلا البلدين يعترض على مسار الخط.
ووقع آخر نزاع كبير في العام 2017 وكان على هضبة دوكلام النائية قرب حدود الهند وبوتان والصين عند الطرف الشرقي للحدود التي يبلغ طولها 4056 كلم. وبعد مواجهة متوترة، اتفق الطرفان على "فك الاشتباك على وجه السرعة" بين القوات، وفقا لما تقوله وزارة الخارجية الهندية.
خط الحدود بين الصين والهند في هذه المنطقة ليس مرسّما ترسيما جيدا، فوجود الأنهار والبحيرات والأسطح الجليدية في المنطقة يعني أن الحدود قد تتغير. ويواجه جنود الطرفين - الذين يمثلون إثنين من أكبر جيوش العالم - بعضهما البعض في نقاط عدة.
وشهدت المنطقة الحدودية آخر حادث أستخدمت فيه الأسلحة النارية في عام 1975، قتل فيه أربعة جنود هنود في ممر جبلي وعر يقع في ولاية أروناشال براديش الهندية الشمالية الشرقية.
وكانت الهند قد شيدت مؤخراً طريقاً جديداً في المنطقة التي يقول الخبراء إنها من أكثر المناطق وعورة عند خط الحدود في لاداك. ويبدو أن قرار الهند بتعزيز البنى التحتية في المنطقة قد أثار غضب بكين.
ومن شأن الطريق الجديد أن يعزز قدرة الهند على نقل القوات والمعدات بسرعة في حال وقوع صدام عند الحدود.
كما تتنازع الهند السيادة على كشمير - الإقليم الجبلي الذي تبلغ مساحته 140 ألف كيلومتر وتسكنه أقليات مختلفة - مع باكستان.
وحثت الأمم المتحدة الطرفين على "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" عقب الاشتباك الأخير.