رام الله الاخباري :
يحتفظ أهالي محافظة قلقيلية، بعادة قديمة وتراثية في شهر رمضان المبارك، توارثوها على مدى عقود، تعرف بالـ "السَّكبة"، وتعني سكب الطعام للجيران والأصدقاء، أو تبادله، في سبيل توطيد المحبة والعلاقات الاجتماعية والشعور بالآخرين.
رغم افتقاد شهر رمضان هذا العام، لأهم طقوسه الدينية، وشعائره الاجتماعية، بفعل فيروس "كورونا"، لكن أهالي قلقيلية استمروا بهذه العادة الجميلة التي أوشكت على الاندثار، في مشهد يوحي بالبهجة التي تفيض على أجواء المكان بخصوصية أيام هذا الشهر الفضيل.
وقالت المواطنة مي نزال من قرية حبلة جنوب قلقيلية، أن " السكبة"، هي عادة قديمة توارثتها الأجيال منذ عشرات السنين، كان لها خصوصية مميزة في شهر الصيام، و تزداد بشكل ملحوظ في وقت الأزمات، و معظم الأحيان الأطفال يقع على عاتقهم مهمة توزيع هذه الأطباق .
وتابعت :"أتذكر عندما كنت طفلة صغيرة، اعتادت أمي أن تُحضِر الطعام وتطلب مني قبل أذان المغرب بدقائق، أن أذهب واسلمه لجارتنا، وفي اليوم التالي أو في ذات اليوم كانت تحضر جارتنا الاناء ممتلئا، والطعام كان بالعادة يسكب لعائلات فقيرة الحال في الحي".
وبينت المواطنة نزال أنه ومع مرور السنوات قل الاهتمام بالسكبة، مشددة على أنها بقيت محافظة على هذه العادة الى اليوم، ونقلتها لمنزلها بعد زواجها، وتحرص على تعليمها لأطفالها، لما لها من آثار ايجابية ونفسية على المجتمع.
وتوافقها الرأي المواطنة هديل ناصر من مدينة قلقيلية، وأشارت إلى أن عادة سكب الطعام تلاشت شيئا فشيئا، الا أن هناك قلة من يعلمون ويعملون بها بفعل انشغالات الحياة والتطور الذي نعيشه، لكنه و في ضوء ما نمر به من ظروف اقتصادية صعبة، بفعل تعطيل معظم مناحي الحياة مع انتشار فيروس كورونا.
وأضافت، عادت "السكبة" وظهر الاهتمام بها اكثر، وأصبحنا نتفقد عائلاتنا وجيراننا، ونتقاسم ما نشتريه مع بعضنا، ونسكب لهم الطعام قبل الآذان، في إطار ابهى صور التلاحم والتضامن والتكافل الاجتماعي.
وأكد المواطن ساهر الجيوسي من قرية جيوس شرق قلقيلية، أن هذه العادة لا تزال موجودة خاصة بالقرى والاحياء المنعزلة، فهي تلعب دورا بارزا في الصلح، وطريقا لفتح باب الود والمسامحة سواء بشهر رمضان او خلال ايام السنة.
وتابع: " كانت تظهر هذه العادة بشكل ملحوظ في أيام الاجتياح كما حدث خلال الانتفاضة الثانية، حيث فرض الاحتلال الاسرائيلي حظر التجول على المواطنين ومنعه من التنقل والحركة، ولم يبق للجار سوى جاره يتفقده ويسأل عنه، ويتبادل الحديث معه، ولا يمكن أن ينساه من رغيف خبزه، أو ما تيسر له من طعام".
ولـ"السكبة"، آثار اجتماعية تؤثر على الحالة النفسية للإنسان، بحسب دكتور علم النفس والأخصائي الاجتماعي، حاسم الشاعر من قلقيلية، الذي يؤكد أن هذا السلوك يساهم في تقوية النسيج الاجتماعي، ما ينعكس أثره على التعامل الإيجابي بين الناس، وإزالة الضغائن من النفوس، ويثبت المودة والمحبة بين الأفراد.
وأضاف الشاعر، أن تفقد الآخرين يساهم في تعزيز التواصل والتزاور والتعاون بينهم ، ويزيل آثار أي مشاكل او سوء تفاهم قد حصل بينهم سواء قبل مجيء رمضان أو خلاله، ما يخلق أجواء من الصفاء النفسي والمحبة والاحترام بين بعضهم.
من جهته، قال مدير الارشاد الديني والمساجد في مديرية اوقاف قلقيلية خليل خضر لـ"وفا"، إن عادة تبادل الطعام هي من افضل العادات واكثرها أجرا ، سواء كان ذلك في شهر رمضان او افي اي شهر اخر من السنة.
ودعا الى تعزيز هذه العادة الاجتماعية التكافلية، وتعريفها للأبناء حتى لا تندثر وتبقى مرهونة للظروف الحياتية، باعتبارها سلوكيات فاضلة ويجب أن نتمتع بها في كل وقت، وما يلزم المواطنين تعزيز لحمتهم ووحدتهم المستقبلية بدلا من الفرقة والنزاع.