الضفة الغربية : قطاع الحليب والاجبان يواجه شبح الافلاس

الحليب وشبح الافلاس

رام الله الإخباري

رام الله الاخباري : 

منذ تفشي وباء كورونا عالميا وإعلان حالة الطوارئ في فلسطين برزت العديد من المشاكل الاقتصادية في مختلف قطاعات الإنتاج، ويعتبر قطاع مزارع الأبقار وإنتاج الحليب والألبان من أكثر القطاعات تضررا، بسبب ضعف التسويق، وعدم استيعاب المصانع لإنتاج المزارع.

يقول صبري غالب وهو مالك مزرعة أبقار في محافظة قلقيلية: إن مزارع الأبقار تتعرض لخسائر جسيمة بسبب بطء عجلة الإنتاج نتيجة أزمة كورونا، فالسوق والمصانع لم تعد تستوعب غالبية إنتاج الحليب، وفي حال عدم تسويق المزارعين كامل إنتاجهم أو معظمه فلن يتمكنوا من تغطية احتياجات المزارع وتكاليفها.

ويضيف في حديثه للوكالة الرسمية  أن مزرعته التي تضم 700 رأس من الأبقار تحتاج إلى مصاريف يومية تقارب 40 ألف شيقل، وتزيد عن المليون شيقل شهريا، وهي مصاريف الأعلاف للأبقار، بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية، ورواتب العاملين.

ويشير إلى أن المزرعة تنتج حوالي 15 طنا من الحليب يوميا، وجميعها كانت تستوعبها المصانع ومحلات الحلويات في منطقة شمال الضفة، ولكن في الوقت الحالي يعاني من كساد كبير بسبب ضعف حركة السوق.

إغلاق محلات الحلويات بشكل كامل وتخفيض المصانع لقدرتها الإنتاجية إلى النصف أو أقل أدى إلى كساد الحليب لدى المزارعين، فمجموع ما يتم بيعه لا يتعدى عشر الإنتاج اليومي، كما قال صبري.

ويوضح أن المزرعة تشغّل ما يزيد عن 20 عاملا وهؤلاء لا يمكن إيقافهم عن العمل خلال فترة الطوارىء، فالأبقار بحاجة إلى رعاية باستمرار لتبقى على قيد الحياة، فالقطاعات التي تتعامل مع الأرواح تعتبر من أكثر القطاعات خسارة حاليا؛ بسبب عدم إمكانية إيقاف الإنتاج أو الخدمة فيها لحين انتهاء الأزمة.


الحليب وشبح الافلاس

من جهته، أوضح ماهر الأخرس وهو مالك مزرعة أبقار تضم ألف رأس من الأبقار في قرية سيلة الظهر بمحافظة جنين أن مزرعته التي تنتج حوالي 20 طنا من الحليب يوميا تكلفه مبلغ 60 ألف شيقل يوميا، وهي مبالغ يتم دفعها وخسارتها دون استردادها من الربح بسبب عدم تسويق الحليب.

ويؤكد الأخرس أن مئات مربي الماشية وأصحاب المزارع يواجهون اليوم خطر الإفلاس والإغلاق، فتكاليف المزارع تفوق ما يتم بيعه بأضعاف مضاعفة.

يسوّق أصحاب مزارع الحليب في الضفة الغربية منتجاتهم عادة لمصانع إنتاج الألبان، ومحلات الحلويات، والعاملين في مجال تصنيع الأجبان، وهذه القطاعات كانت تستوعب كامل إنتاج الحليب بالضفة الغربية، ولكن في ظل حالة الطواريء يواجه هذا القطاع خسائر كبيرة، فالمصانع خفضت قدرتها الإنتاجية إلى النصف، أو أقل من النصف، كما أن محلات الحلويات لا تستوعب أي كميات في الوقت الراهن فجميعها مغلقة.

الحليب وشبح الافلاس

حاول المزارعون التغلب على كساد الحليب من خلال تصنيع الأجبان منه، ولكن ذلك لم يحل المشكلة، فالقدرة الشرائية لغالبية المواطنين تراجعت، وأصبحت تقتصر على أقل القليل.

ويؤكد الأخرس أن مزرعتهم تعرضت خلال هذه الأزمة لأكبر حجم خسائر في منذ تأسيسها، فهم يتوارثون هذه المهنة أبا عن جد منذ العهد العثماني، مشيرا إلى أن أصحاب المزارع تعرضوا لخسائر كبيرة خلال انتفاضة الأقصى بسبب الحصار وإغلاق الطرق، لكن الخسائر الحالية تعتبر الأكبر.

ويقترح أصحاب المزارع على الحكومة والمؤسسات المعنية شراء منتجاتهم بسعر التكلفة أو حتى بنسبة خسارة قليلة، والهدف من ذلك مساعدتهم على الاستمرار بأقل الخسائر لحين انتهاء الأزمة، وخاصة أن هذا القطاع من الصعب استمراره في ظل التكاليف اليومية الباهظة.

وفيما يتعلق بالخسائر التي تتعرض لها مصانع الألبان، أوضحت ناريمان أبو عطوان مديرة شركة "برو أكتيف" المشغلة لمصنع الصفا التابع للجنة زكاة نابلس، أن المصنع كغيره من المصانع يعاني من انخفاض حجم المبيعات نتيجة صعوبة التوزيع وانخفاض الحركة التجارية.

كما أشارت إلى أن مصانع الألبان لا تستوعب كميات الحليب التي كانت تستوعبها سابقا، نظرا لعدم توافر عبوات تخزين الحليب طويل الأمد بسبب تعطل المصانع العالمية، حيث يتم استيراد هذه العبوات من الخارج، بالإضافة إلى صعوبة تسويق المنتجات، موضحة أن نسبة خسائر المصنع نظرا للظرف الحالي تقدر بحوالي 40%.

كما انخفضت مبيعات المصنع بشكل ملحوظ مقارنة بالمبيعات السابقة خلال نفس الفترة من السنة، علما أن هذه الفترة من العام عادة تشهد ارتفاعا في استهلاك منتجات الألبان.

وللحد من مشكلة كساد الحليب، أوضحت أبو عطوان أن المصنع قام بعدة مبادرات، منها تخفيض الأسعار والبيع بسعر التكلفة من أجل زيادة المبيعات والتمكن من زيادة الطاقة الاستيعابية، كما قام المصنع بالعديد من المبادرات الإنسانية بالتعاون مع المزارعين وصندوق الزكاة وتم توزيع طرود غذائية من منتجاته.

بدوره، أشار وزير الزراعة رياض العطاري إلى أن تفشي وباء كورونا ترك آثارا سلبية على كافة مكونات الاقتصاد الفلسطيني والحياة بشكل عام، كما يحدث في مختلف دول العالم، والقطاع الزراعي أحد القطاعات التي تأثرت مباشرة نتيجة للإجراءات التي اتخذت، والتي تهدف أساسا للحفاظ على حياة المواطن الفلسطيني أولا.

وأضاف في حديثه للوكالة الرسمية  "يعتبر القطاع الزراعي أساس الأمن الغذائي الفلسطيني، وهذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني قطعنا فيه كفلسطينيين شوطا كبيرا، بحيث

وصلنا في معظم جوانبه إلى الاكتفاء الذاتي، وفيما يتعلق بإنتاج الحليب، هناك اكتفاء  ذاتي من حليب الأغنام بنسبة 100%، حيث يوجد 900 ألف رأس غنم، واكتفاء بنسبة 55% من حاجة السوق من حليب الأبقار، وبالتالي نسبة الاكتفاء من حاجة السوق إلى الحليب بشكل عام تبلغ 75%، ولا نستورد إلا كمية قليلة جدا، لذلك تعتبر الحكومة الفلسطينية هذا القطاع من أهم القطاعات وحمايته أحد الاهتمامات الرئيسية لها".

وأرجع تأثر قطاع الحليب خلال الأزمة الحالية لسببين، أولهما إغلاق محلات الحلويات التي تستهلك 18% من إنتاج الحليب على مدار العام، وحوالي 35% من كمية الحليب خلال شهر رمضان المبارك، والسبب الثاني تخفيض عمل مصانع الألبان بنسبة 50 %، وهذا انعكس على قدرة المصانع على الاستمرار بشراء كل كميات الحليب لدى المزارعين.

وأكد العطاري أن وزارتي الزراعة والاقتصاد اتخذتا مجموعة من الخطوات التي تهدف إلى التقليل من الأزمة إلى حد كبير، ولكن حلها النهائي يكون بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد السيطرة على وباء كورونا.

وأضاف أن أهم المبادرات التي تم تنفيذها مع مؤسسات العمل الأهلي هي شراء كميات كبيرة من الأجبان وتحديدا من قبل اتحاد لجان الإغاثة الزراعية، وهذه الكمية تم شراؤها بسعر عادل من المنتج وبيعها بسعر عادل للمستهلك، بهدف شراء كميات أكبر للتخفيف من حدة الأزمة، "ونستطيع القول إن المشكلة حلت بنسبة تصل إلى 90% في مناطق الجنوب".

ونوه إلى أن المشكلة الحقيقية الآن هي في مناطق الشمال، لأن المصانع التي تعمل في الشمال لا تعمل إلا بثلث طاقتها، مضيفا أن "الحكومة الفلسطينية تدرس الآن العديد من المقترحات وفي مقدمتها سبل حل أزمة تسويق منتجات الحليب، ومن المتوقع حل الأزمة خلال فترة قياسية.

ويعتبر قطاع إنتاج الحليب من الروافد الأساسية للاقتصاد الفلسطيني، كما قال العطاري، فعدد العاملين في هذا القطاع كبير جدا، حيث يبلغ عدد مربي الأغنام حوالي 47 ألفا، وعدد مربي الأبقار 1200، بالإضافة لآلاف الأيدي العاملة في هذا المجال.

وأوضح أن الأولوية في الوقت الراهن لتخفيف الأزمة، فإذا لم يكن هناك مجال للربح خلال حالة الطوارئ فعلى الأقل عدم الوصول للخسارة.

 

وفا