رام الله الاخباري :
سارع سائقو الشاحنات كافة بحمولاتهم التي تصل إلى 560 طناً من المُطهّرات، وهم يحملون تصاريح تطلب «سرعة المرور» من شرقي الصين إلى ووهان، المدينة المُغلقة التي يقطنها 11 مليون نسمة في مركز الجهود الهائلة لاحتواء المرض الفيروسي الجديد.
وعلى مشارف المدينة الكبيرة في منتصف الصين، نُقِلَت حسب وكالة Associated Press، الشحنة إلى شاحناتٍ محلية يقودها سائقون يرتدون الأقنعة والبدلات الواقية، في جزءٍ من تدفُّق المواد الغذائية والإمدادات شديدة الإحكام عبر نقاط التفتيش التي حظرت غالبية أشكال الوصول إلى ووهان منذ الـ23 من يناير/كانون الثاني.
مع تزايد القلق العالمي من الفيروس الجديد، منعت السلطات 50 مليون شخص من مغادرة ووهان والمدن القريبة في مركز تفشّي المرض. وهو ما يتطلّب جهوداً هائلة لإمدادهم بالطعام والضروريات الأخرى.
أعلنت صحيفة Yangtze Daily الحكومية أنّ «ووهان ليست جزيرةً معزولة "
لا تستطيع كل الحكومات أن تُحاول فرض هذا النوع من القيود الصارمة على تعداد سكانٍ أكبر من تعداد دولٍ مثل كوريا الجنوبية أو أستراليا. ولكنّها صارت ممكنةً بفضل الضوابط الواسعة التي فرضها الحزب الشيوعي على المجتمع، والخبرة التي اكتسبها من مكافحة وباء السارس بين عامي 2002 و2003.
يُسمح لبعض الشاحنات بمغادرة المدن الـ17 المُغلقة من أجل جلب المواد الغذائية. إذ تُظهِرها صور وسائل الإعلام الحكومية وهي تصطف أمام نقاط التفتيش، بينما يرتدي سائقوها الأقنعة. في حين يفحص رجال الشرطة، الذين يرتدون بدلات واقية بيضاء، السائقين لكشف المُصابين بحمى الفيروس. ويُطلب من السائقين الذين لا يحملون التصاريح أن يعودوا إلى داخل المدينة.
إغلاق كل شيء.. من المطاعم إلى السينما
أُغلِقَت المدارس ودور السينما والمطاعم في ووهان، المركز الصناعي الذي يساوي تعداد سكانه 1.5 ضعف سكان مدينة نيويورك. كما أُغلِقَت خدمات مترو الأنفاق والحافلات، وحُظِرَ استخدام المركبات الخاصة في مناطق وسط المدينة، من أجل إبقاء الناس في منازلهم وتقليل فرص العدوى.
حكومة مقاطعة هوبي، التي تقع بها جميع المدن المغلقة، وعدت بتوفير إمدادات كافية من الخضراوات والأرز واللحوم واللوازم الطبية.
قالت إن السلطات تتعاون مع تجار التجزئة لجلب الطعام من أماكن بعيدة، مثل مقاطعة يونان في الجنوب الغربي وجزر هاينان في بحر الصين الجنوبي. وأُطلِقَت حملةٌ على الاكتناز ورفع الأسعار الذي مارسه التجار، عقب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وجاء في بيان الحكومة: «رجاءً لا تقلقوا، ولا تكنزوا، حتى لا تتسببوا في هدر الموارد».
أفادت التقارير الصينية، الجمعة 31 يناير/كانون الثاني، بوجود 9.692 حالة مُؤكّدة للإصابة بالفيروس، الذي يُمكن أن يُسبِّب الالتهاب الرئوي وغيره من أعراض الجهاز التنفّسي الحادة. ومات 213 شخصاً بسبب المرض حتى الآن.
ونُقِلَت شحنة المُطهّر، السبت الماضي 25 يناير/كانون الثاني، بواسطة سائق اثنتين من شركات الشحن في مقاطعة جيانغسو الشرقية، بحسب مدير إحدى الشركتين، شركة Huai’an Hazardous Goods Transport Co.
بحملهم التصاريح الرسمية؛ تمكّنت فرق السائق الـ18 من خفض وقت السفر العادي الذي يُقدّر بـ20 ساعة إلى 15 ساعة فقط، بحسب مدير الشركة ليو هانكانغ.
وأضاف ليو في محادثةٍ هاتفية: «يجب على الشركات أن تتحمّل المسؤولية».
ولم تُصدر الحكومة أيّ تفاصيل حول الكيفية التي تفرض بها قيود السفر على الطرقات والقرى الأصغر في ضواحي المنطقة الشاسعة المُغلقة.
قال السكان الذين تواصلنا معهم عبر الهاتف، إنّ غالبية محلات السوبر ماركت تمتلك إمدادات كافية من المواد الغذائية.
إذ أوضح والدٌ لطفلين بالأربعين من عمره في ووهان، لم يذكر سوى اسم عائلته كاي: «تستطيع المتاجر تلبية احتياجاتنا في الوقت الراهن».
لا حديث للإعلام
يخشى السكان الحديث إلى المراسلين بعد أن قالت السلطات إنّ ثمانية أطباء عُوقِبوا في ديسمبر/كانون الأول، بسبب تحذيرهم من ظهور الفيروس.
تستطيع السلطات الاستفادة من شبكة الرقابة الواسعة التي تشمل آلاف كاميرات الفيديو، وتتبُّع الهواتف الذكية، ومراقبة الشبكات الاجتماعية وغيرها من أشكال التكنولوجيا التي طُوِّرَت بمساعدة الشركات التقنية الغربية لحماية احتكار الحزب للسلطة.
تُعاني المستشفيات من أجل استيعاب آلاف المُصابين بالفيروس، في حين يُعالِج الأطباء حالات أخرى أيضاً.
قالت وسائل الإعلام الحكومية إنّ رجال الشرطة، الذين يرتدون ملابس واقية، يتمركزون في المستشفيات من أجل الفصل بين الأشخاص المُصابين بالحُمى وغيرها من أعراض الفيروس المُحتملة والمرضى الآخرين.
روي تشونغ، إحدى مواطنات ووهان التي تعيش في واشنطن حالياً، قالت إنّ ابن عم والدتها المُسن مات في المدينة خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد أن تأخّرت سيارة الإسعاف في الوصول إليه.
وأضافت أنّ الرجل كان يبلغ من العمر 73 عاماً، ويُعاني مشكلات بالرئة، ومات في طريقه إلى المستشفى.
تم إحراق جثة أحدهم فوراً
روي، التي تعمل في مركز Woodrow Wilson Center البحثي، أضافت: «من الصعب أن نجد إجابة السؤال التالي: هل كان من الممكن إنقاذه؟ لكن عائلتي ستظل تتساءل. لم يفحصه الأطباء عن قُرب، بل جرى إحراق جثته فوراً». ولم يتحدّد سبب الوفاة قط.
تُسارع المدينة الزمن من أجل بناء مستشفى تتسع لـ1.000 سرير، من أجل مرضى الفيروس. ومن المُقرّر افتتاحها يوم الإثنين المُقبل، الثالث من فبراير/شباط، بعد 10 أيامٍ من بدء الإنشاءات. ومن المقرر افتتاح مستشفى ثانٍ، تتّسع لـ1.500 سرير، بعدها بفترةٍ وجيزة.
يقل الأهالي الذين تواصلت معهم الوكالة عبر الهاتف، إنّ الأطفال يُجبَرون على البقاء في المنزل، ويشغلون أوقاتهم بإنهاء واجباتهم المدرسية ومشاهدة التلفاز.
طاهي مطعم بجينغتشو، إحدى مُدن مقاطعة هوبي، قال إنّ طفله (12 عاماً) لا يكلّ ولا يملّ. وأضاف الطاهي، الذي لم يذكر سوى اسم عائلته نونغ: «كان يريد الخروج من المنزل، ولكنّني أجبرته على البقاء».
الشرطة في مدينة جينغتشو عمدت إلى توقيف المارة في الشوارع الخالية؛ من أجل التحقُّق من درجات حرارتهم، وطلب عناوينهم.
وأردف نونغ: "نحن نزرع خضراواتنا هنا، ولكن المخزون لن يكفي إلا لعشرة أيامٍ أخرى تقريباً. وأعتقد أنّ لجنة القرية يجب أن تُقدّم لنا الإمدادات في حال استمر حظر خروجنا "
تقول طالبة الصحافة بجامعة ووهان ليو شياوران، إنّها تناولت طعام العشاء في رأس السنة القمرية الجديدة مع والديها، في أهم حدثٍ عائلي سنوي بالصين، وتَشارَكوه مع أقاربهم عبر تطبيق WeChat الشهير لخدمات المراسلة. وقالت إنّ أجدادها يرفضون مغادرة المنزل أو استقبال الزائرين.
وأضافت ليو إن إحدى النساء كانت تطلب المساعدة عبر الإنترنت بعد فرض الحجر الصحي على أربعةٍ من أفراد عائلتها الخمسة داخل ثلاثة مستشفيات مُختلفة. وطالبت بتوفير أماكن لهم في المستشفى نفسه، أو مساعدتها على الذهاب إلى مختلف المستشفيات للاعتناء بهم، وهي المهمة التي تزداد صعوبةً في ظل إغلاق خدمات الحافلات ومترو الأنفاق في ووهان.
أردفت ليو (21 عاماً)، إنّها عند الخروج، «أرتدي طبقتين من الأقنعة، وأُحاول عدم لمس أيّ شيء، وأبقى على مسافةٍ بعيدة من الآخرين، وأُطهِّر نفسي بالكحول بمجرد عودتي إلى المنزل. أشعر بالتوتّر، خاصةً حين أذهب إلى مكانٍ به عديد من الناس، مثل الصيدليات ومحلات السوبر ماركت».
تفرض المدن الأخرى ضوابطها الخاصة للسفر. إذ تحظر بعض المجمعات السكنية في بكين دخول أي شخصٍ ليس مقيماً في الداخل. وقال سكان قريتين على مشارف العاصمة الصينية، إنّهم أقاموا حواجزهم الخاصة لمنع الغرباء من الدخول.
حكومة شنغهاي، مركز الأعمال العالمي الذي يسكنه 25 مليون نسمة، مددت عطلة نهاية السنة القمرية 10 أيام حتى التاسع من فبراير/شباط، لتشجيع الجمهور على البقاء في المنزل وتجنُّب نشر العدوى.
في ووهان، طُلِبَ من المدارس العامة أن تبدأ الدراسة عبر الإنترنت في العاشر من فبراير/شباط، بعد تأجيل الفصل الدراسي الجديد. كما تُنظّم جامعة ووهان فصولها عبر الإنترنت.
أستاذٌ بجامعة ووهان، طلب عدم ذكر اسمه، حتى لا يقع تحت طائلة المساءلة: «بالنسبة للأصحاء، من الأفضل أن يعتبروه (يوماً مُثلجاً)، وأن يلزموا منازلهم. وبالنسبة للمصابين، فإنّ المستشفيات مكتظةٌ بهم».