تسميم وقنص الكلاب الضالة في فلسطين سياسة "قديمة جديدة" تواجهها اليوم أصوات رافضة
السبت 07 مارس 2015 10:50 م بتوقيت القدس المحتلة
انتشر مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قصير لكنه احدث ردود فعلٍ غاضبة، لم تقتصر فقط على النطاق المحلي بل تناقلته أيضاً مواقع عربية، ويظهر في الفيديو أفرادٌ من الشرطة الفلسطينية يقومون بقنص كلاب ضالة في احدى المدن الفلسطينية، ثم يجمعونها ويلقونها في شاحنة جمع النفايات. من يشاهد هذا الفيديو ويتأمل حمل الكلاب بعد قنصها وهي ميتة وبعضها ما زال يتأوه من الألم بشكل عنيف ومن ثم قذفها في المركبة، لا بد ان ينزعج ويشعر بألم تلك المخلوقات.
كانت اغلبية التعليقات معترضة على هذه الطريقة في القتل، ووصفتها بالمخجلة والغير إنسانية، وجاء في بعضها: \"لو حدث ذلك في اوروبا لسجن الفاعل\". وفي تعليق آخر: هل هذا هو الرفق بالحيوان ؟؟..بينما كتب معلق آخر: كان يجب جمعهم في ملجأ وليس إعدامهم بهذه الطريقة البشعة\".
فيما أيدت بعض الأصوات عملية القتل، مستندة الى وقائع هجوم كلاب ضالة على قطعان من الماشية والفتك بها، أو الاعتداء على نساء وأطفال وشباب في الطرقات، والتسبب بأذى وذعر للمارة، عدا عن النباح الليلي المزعج.
الكلاب والقطط ضحية السم
حول قنص الكلاب الضالة وتسميمها برؤوس الدجاج كطريقتين متبعتين في مختلف بلديات الوطن ومحافظاته، تابعت مجلة آفاق البيئة هذا الملف في مدينة رام الله بالإضافة الى تسليط الضوء على مبادرة من محافظة بيت لحم، والذي رغم تزاحم القضايا الانسانية المختلفة في حياة الفلسطيني، ومع إبلاء الأهمية البالغة لحياة شعبنا وتفهمنا لقضية الخوف من الكلاب الضالة، إلا انه لا بد من مناقشة جدوى وإنسانية قضية تستمر لأكثر من 80 عاماً بطرق غير رحيمة دون ايجاد حلول عملية لمشكلة الكلاب الضالة الآخذة بالازدياد، عدا أن طريقة التسميم تشمل القطط ايضاً وتضرّ بالأرض والكائنات الأخرى.
ضحايا التسميم
\"علي\" شاب ثلاثيني من رام الله، ما زال يذكر حتى اللحظة كيف فقد كلبه المنزلي قبل 15 عاماً حين استيقظ يوم العطلة فرحاً ليلهو معه، ولكن وبسبب وصول سم رؤوس الدجاج من خلال قطة او طير ادخله الحديقة من الشارع فالتهمه كلبه، وخرّ صريعاً. لم يعرف علي المصدوم حينها السبب، قبل ان ينظر خارج المنزل، ويجد الكلاب جثثاً ملقاة في الشارع.
\"كان موقفاً مؤلماً بالنسبة لي، كرهت الطريقة، فما ذنب هذا الحيوان البريء المجبول بالإخلاص والحب....منذ ذلك اليوم وأنا أتجنب الابلاغ عن أي كلب ضال، وقد منعت زوجتي عدة مرات من الابلاغ عن كلاب ضالة لانزعاجها من صوتها ليلاً، لأن مصيرها سيكون غير إنساني\".
ابتسام معلمة في احدى مدارس رام الله تهوى أيضاً تصوير طبيعة فلسطين وحيواناتها، تعلقت قبل سنوات بقطة زارت بيتهم فأطعمتها وأسكنتها الحديقة والتقطت لها الصور. في يوم عادت ابتسام من المدرسة فوجدت البستان مقبرةً لقطتها الام وإبنيها الثلاثة، شاهدت مخلوقاتها اللطيفة مستلقية على النجيل وأفواهها مفتوحة ويندلق منها زبد ابيض\".
حول تلك الواقعة قالت ابتسام: \"كانت صدمة كبيرة لنا، فكرة فقدان شيء تحبه ولو كان قطة وبشكل فجآئي أمر محزن جداً، فقطتنا كانت مصدر سعادة للبيت، حركاتها، أفعالها ذكاءها الفطري، كل تفاصيلها جعلتنا نتعلق بها\"
استطاعت ابتسام ان تنقذ هراً صغيرا كان على وشك الموت لولا ان سقته كمية من زيت الزيتون فقذف السم خارجاً، لكن الموت حال دون ذلك مع الأم وابنها، فاضطرت الى وضعهما في صندوق، والتقاط صورة الوداع لهم، ثم دفنهما.
قتلت قطط ابتسام قبل 3 اسابيع من نشر التقرير، نتيجة عملية التسميم التي تنتهجها بلدية رام الله بين فترة وأخرى ضد الكلاب الضالة، حيث تلقي رؤوس الدجاج المسممة بالقرب من الحاويات الملاصقة للمنازل، ويكون للقطط نصيب منها.
وكذلك الأمر حدث مع زهران من رام الله حيث فقد قطته وصغيريها نتيجة السم. يعلّق زهران: \"يتساءل بعض الناس وماذا فيها أن تقتل قطة أم كلب فالبشر يموتون يومياً!!.. بالنسبة لي ولكثيرين فالرفق في الحيوان جزء من تركيبتنا الإنسانية، وعلاقتنا بهذه المخلوقات الأليفة نتيجة أحاسيس خلقها الله فينا، فكيف نتقبل قتل حيوان بغير حق، أو نتلذذ في تعذيبه وهو لم يسبب لنا أي أذى!!\".
أنقذ زهران قطته من ايدي اطفال عنيفين قاموا بتعذيبها عبر حرق ذيلها، فأخذها عند الطبيب البيطري د. طه الرفاعي، الذي قام بقص الذيل وإنقاذها من الموت. بقيت القطة ستة شهور في منزل الطبيب حتى تعافت تماماً، ومن ثم تربت في بيت زهران الذي وفر لها الطعام والدفء، ولكن ...فتك بها السم أيضاً!
ويوجه زهران من خلال منبر آفاق البيئة والتنمية رفضه الشديد لعملية التسميم والقنص، معتبراً أن الملجأ هو الخيار الوحيد المقبول، متسائلاً: ما موقف الأطفال حين يشاهدون الكبار يقتلون الحيوانات ويسممونهم بتلك السهولة، ألن يعزز لديهم ثقافة تعذيب المخلوقات!!.
رأي بلديتي البيرة ورام الله
يشير د. اياد ضراغمة رئيس دائرة الصحة والبيئة منذ عام 2009 في بلدية البيرة، أن مكافحة موضوع الكلاب الضالة تتم بطريقتين: التسميم والذي توقفت البلدية عن استخدامه مؤخراً لملاحظتنا ان الكلاب أصبحت متيقظة للطعم وتتجنبه، فاستبدلته بالقنص مرتين اسبوعياً وذلك في احياء المدينة التي يسمح لهم فيها بإطلاق الرصاص بعيدا عن المستوطنات والمربع الأمني.
تتم الحملات وفق د.ضراغمة ليلاً بعد الساعة الثانية عشرة، حيث يتم القنص بأسلحة كاتمة للصوت، تقتل الكلاب ومن ثم تجمع في شاحنة جمع النفايات.
ولفت إلى قيامهم بحملة قنص يومية مكثفة قبل سنوات بالتعاون مع البلديات الثلاث للقضاء على الكلاب، ومع ذلك فلم تنتهِ ظاهرة الكلاب، ليتبين لهم ان اعداداً هائلة تقذف الى الأراضي الفلسطينية بفعل الاحتلال، اضافة الى منع الاقتراب من مناطق معينة ما يسمح بتكاثرها فيها.
وحول سؤال السيد ضراغمة عن وجود فكرة ملجأ لحماية الكلاب الضالة وتأهيلها على أجندة بلدية البيرة، فقد تفاجأ من السؤال، ولفت الى أن تلك الكلاب ضالة يجب القضاء عليها ولا يمكن تأهيلها، مشيراً الى انها تنتشر في المدن بكميات كبيرة، ومن الأجدر التخلص منها، مؤكداً أن الشكاوي كلها تأتي من المواطنين، وهناك حالات عضّ واعتداء من هذه الكلاب على الناس\"
وفي ذات الموضوع تم سؤال مديرة وحدة الصحة والبيئة في بلدية رام الله السيدة ملفينا الجمل عن الطريقة المتبعة للقضاء على الكلاب الضالة، فأشارت الى أنها تقتصر على التسميم حيث يلقى الطعم ليلاً ومن ثم تقوم البلدية بجمع الكلاب المقتولة في الصباح الباكر، مؤكدة أنهم بحثوا موضوع الملجأ لاحتواء تلك الكلاب وتعقيمها وتأهيلها للتبني، ولكن لم يتم تجنيد المال الكافي لذلك.
وبخصوص الإضرار بالقطط ايضاً، فأشارت الجمل إلى أنها متيقنة لخطر ذلك على الحيوانات الأخرى والتوازن البيئي، لكن ما من طرق بديلة، وأكدت أن البلدية تعلن عن موعد التسميم وتحذّر المواطنين عبر منشورات تُلصق على المحال التجارية قبل أيام من عملية التنفيذ لحماية حيواناتهم الخاصة من كلاب وقطط.
الكلاب الضالة في الخليل
ضحايا عض الكلاب
د. اسعد الرملاوي مدير عام ادارة الرعاية الصحية الاولية والصحة العامة في وزارة الصحة الفلسطينية، أشار للمجلة وفق احصائيات الوزارة لعام 2014 أن هناك أكثر من 698 حالة تعرضت لعض الكلاب Animal Bite)( منها 331 من الطلبة، و 25 من النساء و72 حالة من الأطفال.
طريقة قديمة غير انسانية وبلا جدوى
د.طه الرفاعي، طبيب بيطري معروف في مدينة رام الله لمساعدته عشرات الكلاب والقطط وإنقاذهم من الموت منذ بدأ عمله في عام 1978. أكد ان عملية تحويل الكلاب الضالة الى آمنة ليس بالأمر العسير لأي بلدية، وذلك عبر توفير قطعة ارض وتأمين عدة اطباء بيطريين يقومون بتطعيمها وتعقيمها لمنع تكاثرها أو اختيار طرق موت رحيمة للمريض منها.
عملية تسميم وقنص الكلاب وفق د. طه هي عملية غير إنسانية، تسبب العذاب للحيوان قبل موته، فالتسميم يسبب آلاماً مبرحة تشمل تقلصات في العضلات وضربات عنيفة للقلب تستمر لربع ساعة قبل وفاة الحيوان، فيما تؤدي عملية القنص إلى جرح الحيوان احيانا وليس قتله مباشرة، ما يسبب له عذابا شديداً، كما وصلت د. طه شكاوٍ من أن بعضاً ممن ينفذ عمليات القتل يقوم بضرب الكلاب بالعصي حتى الموت.
البدء من الأطفال
وأوضح بأن عمليات التسميم والقتل قديمة جدا منذ 80 عاماً، وبالرغم من أنها مرفوضة وغير انسانية إلا أنها لم تؤت ثمارها، فهي لم تحدّ من انتشار تلك الحيوانات التي بقيت متواجدة وسط شكاوي البلديات المتكررة.
\"على الرغم من وحشيتها فهي أيضا غير ناجعة\" يقول د. الرفاعي.
ولفت د. الرفاعي وهو صاحب جمعية حديثة التأسيس تعنى بالرفق بالحيوان تنتظر توفير قطعة ارض ومصدر تمويل لإقامة مأهل للكلاب في رام الله: \"يجب القضاء على موروث موجود لدى كثير من اطفالنا وهو حب تعذيب الحيوان وكأنه حشرة لا قيمة لها، سنسعى من خلال جمعيتنا الى تخفيف هذا السلوك المؤذي الى الحد الأقصى خلال مدة اقصاها 10 سنوات\". تحدث متفائلاً.
يذكر الطبيب الذي يربي في بيته عشرات القطط التي اهتم بها من خلال عيادته، قصصاً كثيرة عن انقاذه لحيوانات تم تعذيبها من قبل اطفال بشكل مرعب، وأخرى اضطر لتخديرها وإتباع طرق الموت الرحيم بعد ان استحال شفاؤها.
وحول طُعم السم، أشار د. الرفاعي الى انه يشكل خطورة على التوازن البيئي ايضاً، فهو يقضي على الزواحف والطيور وغيرها من المخلوقات المهمة للتنوع الحيوي.
وتهدف جمعيته التي تتوفر صفحة لها على الفيسبوك إلى العمل على حماية البيئة، ورفع الوعي بها، رفع المستوى الثقافي للمواطنين حول أهمية التعامل مع الحيوان بإنسانية ورحمة، والعمل على الحفاظ على الصحة العامة ومكافحة الأمراض التي تنتقل بين الحيوانات والبشر من خلال توفير الرعاية الإنسانية للحيوانات، والتعامل مع الحيوانات الضالة بطريقة تتفق مع المعايير المحلية والدولية للصحة العامة والإنسانية، حيث ستجمع من خلال ابرة مخدرة تسهل عملية أخذها من الطرقات بغرض تأهيلها\".
قطة ابتسام قبل موتها
ملجأ للكلاب في بيت لحم
كمبادرة ملفتة ونتيجة حب عميق للحيوان أسست إحدى سيدات مدينة بيت لحم ورئيسة مركز تدريب حالياً \"ديانا بعبيش\" جمعية تعنى بالرفق بالحيوان في محافظة بيت لحم بهدف ايواء الكلاب الضالة التي تنتشر في المحافظة وتسبب ذعراً للسكان المحليين، تمهيداً لإعادة تأهيلها وذلك من خلال عمل مشروع بيت آمن لهذه الكلاب. ديانا تنتظر الموافقة النهائية من وزارة الأوقاف على قطعة ارض بمساحة 3 دونم في منطقة الخضر لإقامة الملجأ عليها.
ديانا التي عملت لأكثر من 20 عاماً في القطاع المصرفي، العام الماضي فكرت بالجمعية والملجأ لحبها الكبير للكلاب والقطط منذ الصغر ورفضها لعمليات القتل السائدة، كما انها تشعر ان هناك علاقة خاصة تربطها فيهم فتفهم عليهم ويرتاحون بقربها\".
الكلب الوفي
تعطف ديانا على أي كلب وقطة تجدهم في الطريق وتساعدهم بتطعيمهم قدر المستطاع من خلال اللجوء للبيطري، وهي تتألم حين تسمع قصص تعذيب الاطفال للحيوانات، كما تعترض على طرق البلديات وتراها خاطئة، لذلك تسعى للملجأ.
وترى ان الكلاب الضالة ليست عنيفة بطبعها بل هي تعتدي على حيوانات المزرعة نتيجة جوعها، وتتصرف بغريزتها نتيجة غياب مأوى يوفر لها الطعام والدفء، وهي مخلصة وذكية وتشعر مع أصحابها. وتؤكد ديانا بأن الكلاب بعد الرعاية من الانسان تصبح أليفة وغير مؤذية.
انقذت ديانا عدة مرات كلاباً من التسمم (اسلوب البلديات) عبر سقيها الزيت والحليب، وقد تحدثت مع البلدية والشرطة طالبة منهما التوقف عن قتل الكلاب، فأخبروها انهما لا يقدران فالحملات تقتل اسبوعيا 60 كلباً لحجم انتشارها الكبير.