رام الله الاخباري :
تحت رعاية وحضور الرئيس محمود عباس، انطلقت مساء اليوم الاثنين، فعاليات المؤتمر الدولي "نزاهة وحوكمة من أجل التنمية المستدامة" الذي تنظمه هيئة مكافحة الفساد، في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة برام الله، الذي تنظمه هيئة مكافحة الفساد، ويستمر لمدة يومين، بمشاركة وحضور مختصين وباحثين وخبراء ومسؤولين محليين وإقليميين ودوليين.
ورحب الرئيس، في كلمته بافتتاح المؤتمر، بالحضور أعضاء الوفود من المغرب والأردن ومصر والكويت وبولندا وصربيا وبولونيا، وتونس وكل العالم العربي والأشقاء والأصدقاء في العالم، متمنيا التوفيق لهم في هذا المؤتمر، واستخلاص العبر والنتائج الهامة.
وقال الرئيس إن الفساد آفة من الآفات التي تصيب شعوب الأرض كلها، ولا ننكر أننا جزء من هذه الشعوب، ولذلك شكلنا مؤسسة مكافحة الفساد برئاسة رفيق النتشة قبل 10 سنوات من أجل أن نحارب الفساد، وقلت له في حينه إنه لا يوجد أحد مسؤول عنك، لا يوجد لك مرجعية إلا ضميرك والقانون، نريد أن نستأصل شأفة الفساد من هذا البلد، وهي قضية طويلة ونحن نعرف أنها طويلة وصعبة وشاقة محاربة الفساد.
وتابع: نحن قررنا فعلا أن نحارب الفساد، وقلت لهم يكفي أن تأتيك رسالة من أي إنسان، من أي شخص، من أي جهة، لتقول لك هناك قضية فساد في المكان الفلاني وعليك أن تتابعها من الألف إلى الياء، ولا تأخذك في الله لومة لائم، إنما إذا جاءك شخص برسالة كيدية وكثير اولئك الكيديون، هؤلاء يحاكمون، فبدلا أن تحاكم الشخص المدعى عليه تحاكم الشخص الذي جاء بدعوة كيدية شريطة أن تتأكد أنها تهمة كيدية. إذن الأرض مفتوحة والطريق مفتوحة، وعلينا أن نسير إلى النهاية في هذا الموضوع، الفساد مكروه في كل مكان في الدنيا، ولكن المهم كيف نحاربه إذا توفرت الرغبة والإرادة، وقد ورد في القرآن الكريم عشرات المرات عن الفساد ومحاربته، وكذلك في الشريعة المسيحية، واليهودية، لأنه لا يمكن أن تكون هناك شريعة سماوية لا تحارب الفساد. حتى في الديانات السماوية جميعها الفساد محارب، ويجب أن نحاربه إلى النهاية، ومن هنا كان مؤتمركم هذا هنا، وأرجو أن نستفيد من تجاربكم، وأن نستخلص العبر مما نحصل عليه من نتائج، وأن نسير بها إلى النهاية دون أي تحفظ.
بدوره، أشار رئيس هيئة مكافحة الفساد المستشار أحمد براك، إلى أن الهيئة دأبت منذ تأسيسها على ممارسة مهامها واختصاصاتها التي أُنيطت بها بموجب القانون، رغم الظروف الصعبة والتحديات الجسام التي لا تخفى على أحد، وعلى رأسها الاحتلال الذي يعمل بكل السبل والطرق على تقويض جهود بناء دولة فلسطينية تستند على قواعد الحوكمة والعدالة والشفافية والنزاهة
وأكد أن إقرار قانون مكافحة الفساد العام 2010 شكل علامة فارقة في مسيرة الدولة التشريعية، وجاء كمتطلب وطني، ومعبر عن الإرادة السياسية العليا القاضية بالمضي قدما لمحاربة ومكافحة الفساد، مشددا على ضرورة إدخال عدد من التعديلات على نصوص القانون، ليكون أكثر انسجاما مع الاتفاقيتين العربية والأممية لمكافحة الفساد، خاصة في قضايا تجريم جرائم الرشوة والاختلاس بالقطاع الخاص، وتجريم الجرائم الاقتصادية التي تمس بالاقتصاد الوطني وعلى رأسها التهرب الضريبي والجمركي الماسة بالمال العام، وتعزيز وسائل التعاون الدولي في استرداد الأموال المهربة وتسليم المجرمين، إلى جانب عدد من التعديلات الضرورية الهادفة لتمكين الهيئة من القيام بمهامها وعملها باستقلالية وفاعلية.
وبين براك أن الهيئة تمكنت ورغم كافة الصعوبات ومن حداثة تجربتها من تحقيق جملة من الإنجازات، حيث سجلت حضورها على المستويين المحلي والدولي، سواء في مجال التوعية أو التدابير الوقائية أو في جانبي إنفاذ القانون والتعاون الدولي، واعتمدت خلال السنوات الماضية استراتيجيتين خلال الفترة الممتدة من العام 2012 حتى العام 2019، وُضع لهما خطط تنفيذية تمكنت من خلالها من تنفيذ ما يقارب (2000) نشاط وفاعلية، هدفت إلى تعميم المعرفة والتوعية بآثار الفساد ومخاطره والوقاية منه، شارك فيها أكثر من (150) ألف مواطن، وطالت تلك الأنشطة كافة قطاعات المجتمع ومكوناته "القطاع العام، والقطاع الخاص، والمنظمات الأهلية".
وتابع: كما قامت الهيئة بإعداد واصدار ما يزيد عن (40) منشوراً ما بين دراسة ومواد تدريبية وتوعوية، وأعدت ما يزيد عن (10) دراسات شملت قطاع الحكم المحلي بهيئاته المحلية والقطاع الصحي وقطاع النقل والمواصلات، تبعها تقارير أُعِدَّت لتوضيح مدى الاستفادة والتصويب الذي تم من قبل القطاعات المستهدفة على ضوء ما أُجري من دراسات.
وشدد براك على اهتمام الهيئة بقطاعي الشباب والمرأة، فخصصت لهما عددا كبيرا من الأنشطة سواء بالمدارس أو بالأندية أو الجامعات، موضحا أن الهيئة تمكنت من إعداد مساقين جامعيين تبنتهما ثمانية جامعات وكليات جامعية فلسطينية، والتحق بهم أكثر من (8000) طالب وطالبة، في إشارة واضحة لتنامي الوعي لدى الطلبية بأهمية هذا الموضوع.
وكشف أن الهيئة تسعى حاليا لإنشاء أكاديمية فلسطينية لمكافحة الفساد تابعة للهيئة، على غرار ما قامت به عدد من دول العالم، كما أطلقت الهيئة عام 2017 استراتيجية نسوية لمكافحة الفساد انبثق عنها عشرات البرامج والأنشطة بهدف إشراك المرأة الفلسطينية في جهود مكافحة الفساد.
وأكد اهتمام الهيئة أيضا بالقطاع الإعلامي، فعملت على إعداد استراتيجية إعلامية عام 2017، انبثق عنها العديد من البرامج والأنشطة التي هدفت الى استخدام الإعلام في جهود مكافحة الفساد بالدولة والتوعية بأهمية الاندماج والمشاركة من قبل الجميع بجهود مكافحة الفساد والتوعية بمخاطره.
وكشف أن هيئة مكافحة الفساد تلقت منذ تأسيسها (3949) شكوى وبلاغا، أحيل منها (437) ملفاً الى السلطات القضائية المختصة، فيما تشير الإحصائيات الى أن عدد القضايا التي أُحيلت لمحكمة جرائم الفساد حتى منتصف الشهر الماضي قد بلغ (208) قضية سجلت أمام محكمة جرائم الفساد، تم الفصل في (173) قضية منها، وبلغ عدد الأحكام الصادرة بالإدانة من بين تلك الأحكام (123) حكماً، أما فيما يتعلق بالمتحصلات الجرمية المحكوم بها من قبل القضاء فكانت كالتالي: ما يقارب ثلاثة وخمسون مليون دولار، وما يزيد عن ستة وثمانين الف دينار أردني، وما يزيد عن اثنين وعشرين مليون شيقل، وما يقارب تسعة ملايين درهم إماراتي، وما يزيد عن مائتين وسبعة وعشرين مليون جنيه مصري.
وأشار براك إلى أن الهيئة اعتمدت الاستراتيجية الوطنية عبر القطاعية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد 2020-2022 بالتعاون والشراكة مع كل اطياف ومكونات المجتمع الفلسطيني، وتعمل حاليا على أتمته شاملة لكل أعمال الهيئة واجراءاتها بما يكفل ويضمن تحقيق النتائج المطلوبة، من حيث السرعة والدقة العالية في العمل، كما بدأت في إعداد نظام ودليل اجراءات خاص بتنظيم عملية تعبئة إقرارات الذمة المالية من بدايتها وحتى نهايتها الى جانب المباشرة بإعداد نظام الكتروني محوسب خاص بهذه الاقرارات، إضافة إلى اطلاق برنامج محوسب مخصص لاستقبال الشكاوى والبلاغات من خلال الهواتف الذكية، ووقعت الهيئة حتى اليوم ست مذكرات تعاون وتفاهم دولية بهدف تعزيز وتفعيل التعاون الدولي لمكافحة الفساد، كما اعتمد مجلس الوزراء وأقر خلال الاشهر القليلة الماضية ثلاثة مشاريع انظمة جديدة تقدمت بها الهيئة تتعلق بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة بالدولة وهي: "نظام حماية الشهود والمبلغين، نظام خاص بالهدايا، ونظام منع تضارب المصالح"، إلى جانب إقرار مجلس الوزراء للنظام الخاص بعمل المجلس الاستشاري لهيئة مكافحة الفساد، مشددا على أهمية اقرار حق الحصول على المعلومات لتكون دولة فلسطين الدولة الثامنة على المستوى العربي التي تقر هذا القانون.
بدورها، أشادت الممثل الخاص لمدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إيفون هيلي، بالجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الفلسطينية وهيئة مكافحة الفساد على وجه الخصوص لمحاربة الفساد ومكافحته، مشيرة إلى أن هذه الجهود تتقاطع مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وأكدت أن السلطة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1994 سعت لمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية.
وأوضحت هيلي أن تنظيم هذا المؤتمر الدولي يؤكد الرغبة السياسة الكبيرة بمكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه، شاكرة هيئة مكافحة الفساد على دعوتها للمؤتمر، وتمنت التوفيق للهيئة بكامل أنشطتها المستقبلية.
من جهته، أكد رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في المملكة الأردنية مهند حجازي، خصوصية العلاقة بل الأخوّة الأردنية الفلسطينية كونها متجذرة تاريخاً ونسباً تنسج يوماً بعد يوم، نموذجاً متميزاً في علاقات الشعبين الشقيقين، ونموذجاً تعززه وحدة الدم ويُعظّمه المصير المشترك.
وقال: " كلنا يعرف ومتابع للجهود الحثيثة والتوجيهات التي يبذلها الملك عبد الله الثاني بن الحسين في إرساء قواعد السلام في المنطقة وتحقيق أماني الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف" .
وتابع حجازي: "اخوانكم في المملكة الاردنية الهاشمية قطعوا شوطاً متقدماً على صعيد تفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية في الإدارة العامة، وضمان تكاملها، والتأكد من التزامها بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق، وأنها تقدم خدماتها للمواطنين بجودة عالية وبشفافية وعدالة، ونواصل ملاحقة الفاسدين والحد من شرورهم متسلحين بإرادة سياسيةٍ جادةٍ ، متوجة بدعمٍ من الملك عبد الله الثاني بن الحسين، رغم أننا نواجه معركة شرسة أبطالها قوى الشد العكسي التي لا تريد النجاح لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لأنها تُلاحقهم وتقترب مع الوقت من براثنهم ومن ملفات فسادهم .
واستعرض جهود المملكة في مكافحة الفساد على مدار السنوات الماضية، وقال: "عززنا التعاون والتنسيق مع الجهات الرقابية في المملكة، من أجل تلافي الازدواجية وتحقيق العمل التكاملي بيننا، للحفاظ على المال العام وما في حكمه، وبصراحة مطلقة، يمكنني القول إنه لا يوجد لدينا قضايا فساد كبيرة جديدة كتلك التي وقعت قبل عام 2010، ورغم ذلك ما زلنا نسعى للتصالح مع الرأي العام، الذي ما زالت فكرةُ الفسادِ الانطباعي مسيطرةً عليه".
بدوره، شدد رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومحاربتها في المملكة المغربية محمد بشير راشدي، على أن الفساد يساهم في المس بقواعد الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون، وفي الحد من التوزيع العادل لموارد الانتاج والثروات، كما يؤدي الى تردي جودة العيش باعتباره عبئا اقتصاديا يلقي بثقله على قدرة المواطنين الشرائية فيوسع بذلك من اللامساواة الاجتماعية والمجالية، كما يؤدي الى تفشي الجريمة المنظمة، وتكريس انعدام الأمن والإرهاب.
واستعرض جهود المغرب في مكافحة الفساد والآليات التي طورتها في مجال مكافحة الفساد على المستويين الداخلي والخارجي.
ونقل نائب رئيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت المستشار رياض الهاجري إلى الرئيس والشعب الفلسطيني، تحيات دولة الكويت أميراً وحكومةً وشعباً، مؤكداً عمق روابط وعلاقات التعاون الوثيق والمثمر بين دولة الكويت ودولة فلسطين.
وقال: "مساعي الكويت في إطار منع ومكافحة الفساد، أفرزت إطلاقها استراتيجيتها الأولى لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، لتعكس وتُترجم جهودها الحثيثة وحرصها على ضمان تطوير الآليات والخطط الواقعية والفنية المرتبطة بسياسات منع ومكافحة الفساد بصورة أكثر اتساعاً وشمولاً، تتسق تماماً مع متطلبات التطبيق الأمثل لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد".
وأضاف: "لا شك في أن الشفافية وتحديد المهام والمسئوليات والمساءلة، هي أبرز مبادئ ومستهدفات الحوكمة، كما أنها تمثل إحدى المقومات الرئيسية لتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، نظراً لارتباطها القوي بالمحاور والأولويات الاستراتيجية المتصلة بمنع ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة وترسيخ قيم الشفافية في جميع قطاعات الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة.
وبين أنه إدراكا من المجتمع الدولي بأهمية الحوكمة، منحها دوراً رئيسياً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، سيما الهدف السادس عشر منها، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمكافحة الفساد ومن ثم أصبحت الحوكمة وسيلة أساسية وحقيقية من شأنها تمهيد السبل الرئيسية لتنمية المجتمعات، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، ومن هذا المنطلق، أصبحت الحوكمة تمثل أداة الحكومات للوصول إلى مجتمع يتسم بالتنظيم والرقابة وسيادة القانون وتحكمه مبادئ النزاهة والشفافية وقواعد المسئولية والمساءلة.
واستعرض الهاجري تجربة الكويت في مكافحة الفساد وتبنيها مبادئ وآليات الحوكمة، إيماناً راسخاً منها بأهمية ولزوم الحوكمة في إنجاح الخطط والبرامج التنفيذية لهذه الاستراتيجية على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
يذكر أن المؤتمر يستمر ليومي الثلاثاء والأربعاء، في رام الله، وستناقش خلاله أكثر من سبعين ورقة عمل وبحث علمي، من قبل مختصين وخبراء محليين وإقليميين ودوليين.