الصحافة "الفضائحية".. قوت يومٍ للصحافي وغداء لفضول الإنسان

الصحافة الفضائحية

رام الله الإخباري

بقلم ديالا أبوبكر:

تستخدم جملة "ها! أكمل وماذا بعد؟" يومياً أو حتى في كل دقيقة من اليوم، في الشارع، في المقهى، في البيوت وأماكن العمل، أو حتى بين جداتنا اثناء تحضير خبز الطابون.

جُملةٌ ولدت مع كل شخص ولد على هذه البسيطة، تلخص لك خاصية الفضول الموجودة في الإنسان، والتي تدفعه لمعرفة ما يجري وما يحصل حتى وإن كان موضوع الحديث لا يمت للسائل بأي صلة، لتبدأ من بعدها ما يسمى بالفضيحة، بعد أن تنتقل تلك الاخبار من شخص لأخر.

منذ أن خُلق مفهوم الصحافة والاعلام، وهو المصطلح الأقرب لطبيعة الانسان البشرية، لأن الانسان يجد فيها كل ما يبحث عنه سواء من أخبار، معرفة، معلومات، أو حتى فضائح، فلن يكون غريباً أن تجد صحافة متخصصة تبحث في أمور سرية، شخصية وخاصة وتظهرها للعلن على أنها سبقٌ صحفي حتى وإن كان فضائحياً.

منذ دخولنا في زمن العصر التكنولوجي، وجدت الصحافة الفضائحية ضالتها، فلقد غيرت التكنولوجيا، ومن بعدها وسائل التواصل الاجتماعي، شيئا ما في أدمغتنا, وأختزلت وجودنا البشري ككائنات حية، إلى مجرد عدسات على شكل عيون تحاول أن تخترق خصوصية أي شخص، وما أقصده هنا أن التكنولوجيا ليست أمراً لعيناً بشكل بحت! فحديثي هنا يدور حول كيف تحول حب المعرفة إلى الفضول، فلسان حال الانسان يقول، لا تقل لي بأن العالم الفضائي قام بإكتشاف كوكب جديد, قد ينقذ العالم البشري فيما بعد، بل قل لي ما هو لون غطاء فراش توم كروز مثلا...

كبسة واحد من على لوحة المفاتيح, أضغط عليها, وأدخل إلى صفحة اليوتيوب, بإمكانك أن تعرف أي شيء، هنالك ثمان وعشرون حرفاً, إختار ما تريد.. وأعرف ايضاً ما ترد

ما أود قوله, أنه بإستطاعة فضولك أن يدفعك نحو المعرفة, لكنك سوف تقع ضحية لهذه المعرفة، لإن المعرفة عبارة عن مصيدة كبيرة, ماذا تريد أن تعرف؟ هذا التسأول قد يدفعك نحو الصحافة الفضائحية.

ظهرت الصحافة الفضائحية, في خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية على يد روبرت موردخ, وكان الهدف من ذلك هو تلبية الرغبة الفضولية للجماهير, وبحسب دراسات أجرها البعض من علماء الإجتماع على أن هذه الصحافة فرضت نفسها على أنها سلوك إجتماعي, وقال الاستاذ الجامعي المتخصص في الإعلام أوتارا مانوهار، " ان أهم مميزات هذه الصحف، هو قدرتها على إنتاج مشاهير مثيرين، انطلاقاً من أي خبر سواء تعلق الأمر بخبر سياسي أو رياضي أو له ارتباط بعالم الأعمال".

وحاليا إخترقت هذه الصحافة معظم الشخوص العالمين في المجالات السياسية, والإقتصادية، والفنية وغيرها, وقد خلت من كل وسائل النزاهة, فقط تريد منك، أن تصنع لها قصة إن كنت صحافياً, بإمكانك التجسس في الحمام في المطبخ, حتى من غرفة النوم, وأنت كقارئ عليك الإستمتاع.. هل هذا ما تريد معرفته؟, إذا إقرأ..

تختبئ خلف الأسرار والمعلومات حقيقة ما, إنها دائما كذلك, ليست الفضائحية غاية إعلامية, لكنها وسيلة جيدة عندما تساعد على نشر الحقيقة المختبئة في صندوق الشخوص العامة على أنها ضمن خصوصيتهم, وهي بالأصل أمور عامة تصدر من خلال شخص للصالح العام, وبذلك فإن معظم الصحفيين الذين يلجؤن لذلك النوع من الصحافة يعرفون إنها مقامرة كبيرة, قد تجعلك مشهور خلال لحظة، وإذا كنت تحتفظ بالقليل فبإمكانك العودة إذا ما خسرت أول مرة, ذلك النوع يحفظ لك خطوط العودة إذا إرتكبت خطأً فادح.

وربما بأن هذا النوع أيضا لا يجعل منك كقارئ فرداً مشاركا, أو ذا شأن في طرح قضية ما, فهذا العالم مليئ بالأسرار, وبحسب عالم النفس فرويد, فإننا وبطريق ما محتجزون في هذه الحياة منذ البداية وحتى النهاية, قد تظهر لك بأنها مليئة بالحرية, لكنها بالنهاية عبارة عن سجن لك، وبناءً على ذلك فإن السلوك الإنساني مرتبط كثيراً بالبيئه المحيطة أو ببيئة المنشأ، فالفضول هو عبارة عن مجموعة من العناصر المختزلة داخل الإنسان والتي تواجدت بفعل ثقافة ما، مثل الغيرة، أو حب التشبه في شخص

ما، وبذلك فقد تكون مستعد لإنتهاك خصوصية أحد، أو الشعور بالراحة عندما تقرأ خبر ما عن شخص، وقد يظهر ذلك من خلال البرامج التلفزيونية والتي تهتم في عرض

قصص الإنسان من خلال سرد واقعة ما تفتقر للبراءة, وذلك لا يعني بأن هذا الشكل سيء للغاية لكنه مرتبط تماما بالشخص التي تدور حوله الحلقة، على سبيل المثال,

برنامج تلفزيوني يستضيف شخص يعاني من مشاكل مع عائلته, ليقوم البرنامج بدوره بحل هذا الخلاف على الهواء مباشرة، فإن ذلك سوف يعتمد على ردة فعل الضيف، وبرغم ذلك فإنه إنتهاك مباشر للخصوصية والهدف منه جلب المشاهدات حول القناة التلفزيونيه, بينما حينما يقوم برنامج تلفزيوني بإستضافة شخصية سياسية، حاولت خلال عملها إخفاء معلومات لها شأن بالصالح العام, فإن ذلك جيد لأن الناتج منها منفعة للعامة، وليس تحقيق رغبة الفضول للمشاهد.

إن الانسان بطبيعته خُلق فضولياً، وأقصد بالفضول هنا، هو رغبة الإنسان بالاكتشاف والمعرفة، فلولا فضوله، لما أكتشف الانسان النار في العصر الحجري، ولولا فضوله لما صعد على سطح القمر ومن ثم باقي الكواكب ليبحث عن ما يدور هناك من حيوات أخرى، وكل هذه يمكن تبريره بدعوى حفاظ الانسان على حياته، أو محاولة الوصول لحياة أفضل من التي يعيشها الأن، ولكن ما وصلنا له اليوم من فضول بالتدخل بحياة الأخرين خاصة بالعقود الأخيرة جاء بسبب فراغه، فمع تطور التكنولوجيا وأصبح حصول الكائن البشري على كل شيء بسهوله، أودى به فراغه إلى إقحام نفسه في أنف الأخرين، مشاهير كانوا أو اناس عاديين، وهو ما لخصته مقولة الكاتب والمسرحي الروسي أنطوان تشيخوف " إن حياة الفراغ لا يمكن ان تكون طاهرة" وهذا بالفعل ما حصل، فالفراغ في حياة جداتنا عند خبر الطابون أودى بهن إلى معرفة ما يدور في كل بيت من بيوت الحي او حتى بالبيت الابيض في واشنطن، ومن ثم فضحن كل ما سمعنه.

ومن الممكن أن الإستخدام الخاطئ للفضائحية، له دور بارز بتقليب الأراء من خلال عرض الحدث بأسلوب تورية من أجل أن يفهمها العامة بشكل خاطئ، وبهذا فأنه ليس على الصحافي أن يتحلى بأخلاق المهنة, وإنما عليه أن يكون مندفعا نحو الإستباق لصنع قصة ما عن حياة شخص مشهور، وكمثال على ذلك حادث مقتل الأميرة ديانا، فجشع الصحافي في ملاحقة الأميرة هو ما جعلنا نكتشف علاقتها مع دودي الفايد.

وهنا وجب أن انوه بأختلاف الفضائحية عن السبق، فالأخير ممكن ان يأتيك على قدميه وتقوم بنشره، اما ما تقوم به في الصحافة الفضائحية هو ان تسعى وراء الخبر بكل اصرار حتى تمسك بطرفه، ولن تجد ضير ان شكلته ولفقت عليه لقله معلوماتك، غير مكترثاً بكل قوانين واخلاقيات المهنة حول التشويه وسوء السمعة.

والفضيحة أو ما تنشره الصحافة الفضائحية، ليس بالضرورة ان تكشف صاحب الفضيحة، فربما تكشف نظاماً معيناً او حكومة فاسدة، او من الممكن ان تكشف الصحيفة وسياستها، وهو ما حصل مع العديد من وسائل الإعلام مؤخراً، ويعتمد ذلك على ما تنوي الصحافة إيصاله من تلك الفضائح، أن كان هدفاً مادياً او هدفاً له اهداف ساسية بحته بغض النظر عن المردود المادي العائد على انتشار هذه المعلومات، وعادة ما تبحث صحافة الفضائح عن ما يدور حول الخطئية كون ان الصدى الواقع لها أكبر من القضايا الأخرى، فتجد أن قضية تحرش لاعب كرة قدم او مغنٍ مشهور بفتاة تحت السن القانوني، لها وقع وصدى أكبر من فضيحة تورط أحدى الدول بإبادة الالف الاشخاص في أحدى الدول النائية.

وعند الحديث عن الصحافة الفضائحية في فلسطين بشكل خاص، فإنها في الغالب سوف تتحول إلى صحافة سياسية إقتصادية، كالحديث عن اللقاءات التطبيعية بين رجال أعمال فلسطينين مع أخرين من جانب دولة الإحتلال، وربما عن رواتب الوزراء أيضا، وبذلك فإن الصحافة الفضائحية هنا في فلسطين بإمكانك القول بأنها تتشابه مع صحافة الرصيف, وتعتمد بطابعها البسيط، وذلك بسبب صعوبة الحصول على المعلومات، لأنه ليس هنالك قانون يسمح بذلك، ووصول المعلومات للصحفي أو للعامة، يقتصر على مجموعة من الأهداف كأن تكون تحطيم شخص بسبب خصومته مع شخص أخر، ومثال ذلك التسريبات بخصوص رواتب الوزراء بعد رحيل رئيس الحكومة د. رامي الحمدلله عن منصبة، وهذا ما يدفع الصحافي إلى تعبئه الفراغات

والنقص في المعلومات بمعلومات ليس بالضرورة ان تكون صحيحة، وفي وضعنا الفلسطيني بالذات، تجد من الممكن ان تجد اراءً تتبنى هذه المعلومات لضعف ثقة الشارع فيما تقوله بعض الوجوه المؤثرة سياسياً او اقتصادياً.

إن الصحافة الفضائحية, بإمكانها أن تكون سلاح ذو حدين، وذلك حسب المعرفة التي تنقلها، وعن كيفية الأساليب المستخدمة في الحصول على المعلومات، والهدف المباشر من عرض هذه القصص على الجمهور, وبالرغم من الغرامات المالية التي تحصل عليها الصحافة الفضائحية، إلا انها ما زالت مستمرة بعملها لأنها تحصل على سبق صحفي في معظم الأحداث التي تنقلها وتصنعها، وسوف تضل مستمرة طالما إستمر متابعينها بفضولهم نحو معرفة الحياة الشخصة للشخوص الذين يثيرون إهتماماتنا، وحيث أن هذا النوع من الصحافة يمتاز بالجودة العالية المختصة في كتابة العناوين التي تشد القارئ نحو إكمال الفيديو أو المقالة.

رام الله الاخباري