رام الله الإخباري
أقر مؤسس الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" معادلة مفادها " لابد من إزالة كافة الآثار غير اليهودية وهدمها وحرقها، إن تمكن اليهود من السيطرة على القدس"، والتي لخصت ما حصل من تهجير قسري وتطهير عرقي ضد كل ما هو فلسطيني في القدس خصوصاً وما حولها.
وتعتبر قرية "النبي صموئيل" هي إحدى القرى التي تعامل معها الصهاينة ضمن مرتكزين مهمين مستمدين من الفكر الصهيوني الاستعماري؛ الأول: أنها ضمن محيط القدس وبوابتها الشمالية، الثاني: أنها ذات قمة مرتفعة بإطلالتها على القدس والداخل المحتل وأراضي الضفة الغربية، فشكلت موقعاً استراتيجياً مستهدفا منذ اليوم الأول للاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين 1948.
وتضاريس القرية وإصرار الاحتلال السيطرة عليها تذكرنا بمقولة أرئيل شارون:" يجب علينا التحرك بسرعة لانتزاع أكبر قدر ممكن من قمم التلال (الفلسطينية) من أجل توسيع المستعمرات (اليهودية)، فكل ما سنأخذه اليوم سيبقى لنا وكل ما لن ننجح فى انتزاعه سيذهب لهم".
ولفظ الاسم "النبي صموئيل" بفتح أوله وإسكان ثانيه، كما أن صمويل تحريف لـ "صموئيل" وهي كلمة عبرانية معناها "اسم الله" أو "اسمه إيل أي الله" أو "المسموع من الله".
ويدعي اليهود أن "صموئيل" هو أحد أحبارهم في العهد القديم، حيث أنه كان قاضياً في بني "اسرائيل" وداعياً لهم، وكون المشروع الصهيوني يستخدم الرواية الدينية للإشارة إلى جذوره المفترضة؛ ادعى بأن هذه القرية فيها قبر "صموئيل" وكذلك بأنها كانت مركزاً اختير فيه "طالوت ملكاً عليهم"، ولهم أحقية دينية فيها.
وقام بذكرها صاحب مجلد أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي البشاري، باسم " دير شمويل" حيث قال: "سمعت خالي عبد الله الشوا يقول: أراد بعض السلاطين أن يتغلبوا على دير شمويل وهي قرية على فرسخ من إيليا أي القدس.
فقال لصاحبها صف لي قريتك، قال: يد الله قريبة من السماء بعبدة من الوطا، قليلة الأبروط، كثيرة البلوط، تحتاج إلى الكد ولا تزكي بالرد، يغالب غرة، ولو زمرة". فهذه الأوصاف تعبر عن طبيعة القرية وكذلك عن صفاتها بأنها صاحبة عزم وإصرار ورباط.
كما أن في معجم البلدان ذكرت باسم "مار سمويل ومار صمويل"، ومار بالسريانية هو القس وسمويل رجل من الأحبار. وفي زمن الاحتلال الفرنجي أقاموا عليها ديرا وكنيسة تحمل الاسم ذاته.
ويسعى الاحتلال مؤخرا لتغيير معالمها وتهويدها وصولا إلى طرح اسم جديد لها وهو "وليفسون".
تبعد قرية " النبي صموئيل" عن مركز القدس 7 كيلومترات، ويحدها من الشرق بيت حنينا وأراضي بيرنبالا، ومن الشمال قرية الجيب، ومن الغرب أراضي قرية بيت اكسا، ومن الجنوب قرية بيت اكسا. مبنية على قمة جبل يرتفع 885 عن مستوى سطح البحر وهي بذلك تصنف من أعلى قمم القدس والكاشفة لمحيطها.
ورغم العمق التاريخي الضارب في جذور الأرض؛ إلا أن كثيراً من الموجودات الأثرية في الموقع تعود إلى الفترة الأيوبية والعصرين المملوكي والعثماني، وكشفت الحفريات فيها عن مخلفات تعود إلى فترات تاريخية مهمة مثل الهيلينستية والبيزنطية والإسلامية وأيضاً الصليبية، وخصوصاً الإسطبلات من الفترة الصليبية شمال مسجد القرية والذي يشكل معلماً أثرياً، حيث بُني هذا المسجد، الذي يطلق عليه الفلسطينيون اسم النبي صمويل في القرن السادس عشر فوق قبر يعتقد أنه "قبر النبي صموئيل من العهد القديم"، وهو يتألف من ثلاثة طوابق، الطابق الأرضي عبارة عن مغارة، وللمسجد مئذنة، وفيه عشر غرف واسعة منع الاحتلال الإسرائيلي المسلمين من ترميمها، و للمسجد ساحات كبيرة فيها آبار وأشجار زيتون.
واليوم حول الاحتلال الإسرائيلي أكثر من نصف المسجد التاريخي إلى كنيس يهودي يقيم فيه المستوطنون مختلف الطقوس التلمودية في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ويأتي هذا التشجيع من رئيس وزراء الاحتلال الأسبق "أرئيل شارون" حيث قال "يجب على اليهود العيش وسط التجمعات العربية وحولها.. لا يجب أن يترك اليهود مكانًا واحدًا دون أن يكون لهم وجود فيه وينعموا بحرية الانتقال".
تمكنت العصابات الصهيونية "البالماح" ضمن حملة "يبوس" الهادفة إلى احتلال مواقع استراتيجية في القدس، ما بين 22 و23 نيسان 1948 من احتلال مواقع رئيسية مثل: الشيخ جراح، والقطمون، وبيت اكسا، وسعت إلى احتلال قرية النبي صموئيل بهدف السيطرة على المنطقة الشمالية للقدس ومن هناك الوصول إلى مستعمرتي "النفيه يعكوف" و"عطروت".
في اليوم التالي هاجمت قوات النخبة "البلماح" المزودة بأحدث الأسلحة التي كانت قد استلمتها للتو من تشيكوسلوفاكيا، وعلى الرغم من نجاحها السابق في احتلال بيت اكسا
وشعفاط، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في احتلال منطقة النبي صموئيل؛ حيث كان بعض بعض مقاتلي جيش الجهاد المقدس والمتطوعين من القرى المجاورة وفوج أجنادين
من جيش الإنقاذ يتمركزون استعدادا لمواجهة العصابات الصهيوني، وحدثت مقاومة قوية جداً لم تتوقعها العصابات، فأسفرت المعركة عما يقارب 38 قتيلاً صهيونياً، وارتقى 10 شهداء ودفعت هذه الهزيمة العصابات الصهيونية إلى الانسحاب من باقي القرى القريبة التي احتلتها سابقاً.
هذه المعركة دفعت عصابات " البالماخ" لتحمل المسؤولية عما حدث، وكانت وصمة هزيمة تلاحقهم، وما يزال النقاش دائرًا حول السؤال: من السبب في هذه الهزيمة؟ ومن أعطى الأوامر بترك الجرحى والقتلى؟، كل ذلك زاد الشعور بالحقد والكراهية عندهم تجاه قرية النبي صموئيل والرغبة بالانتقام منها.
وشكلت هذه المعركة عقدة نفسية لأحد المقاتلين في قوات "البلماح" الصهيونية يدعى "يوآل بن دوف"، إذ بعد أن أعجزت النبي صموئيل الكتيبة التي ينتمي لها عام 1948، ذهب في رحلة البحث عن تاريخها وأثارها.
لم تكن هذه المعركة الوحيد التي ترد فيها قرية النبي صموئيل الغزاة والمستعمرين؛ فعندما بدأ الاحتلال البريطاني لفلسطين، نفذت القوات الاستعمارية الإنجليزية هجومها الأول على القدس، وعندما وصلت قمة النبي صموئيل، احتاجت الكتيبة الاستعمارية الانجليزية 12 يوماً حتى تمكنت من اختراق الجيش التركي والسيطرة على قمة جبل النبي صموئيل في تاريخ 21 تشرين الثاني 1917، واعتبرت ذلك الإنجاز الأكبر في سبيل فرض سيطرتها الكاملة على القدس.
وعلى إثر هذه المعركة تبنت الكتيبة الإنجليزية 75 المقاتلة في النبي صموئيل مقولة "احتلال النبي صموئيل مفتاح لاحتلال القدس" وجعلتها شعاراً لها، بل اختارت صورة "المفتاح" شعاراً ورمزاً "لانتصارها الكبير".
وبعد 19 عاماً على هزيمة العصابات الصهيونية أمام الوتد الفلسطيني "قرية النبي صموئيل"؛ تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من احتلالها عام 1967 بعد معارك مع الجيش الأردني الذي كان يسيطر عليها عسكريا.
وقبيل الاحتلال عام 1967 وصل عدد سكان القرية إلى نحو ألف نسمة، يمتلكون نحو 3000 دونم من الأراضي، وعلى الرغم من تهجير جزء من أهلها، إلا أن عملية الهدم والتهجير الواسعة تمت عام 1971، حيث تم هدم بيوت القرية وتجميع أهلها في المناطق القريبة من المسجد.
ومنذ احتلالها حتى يومنا هذا، يمارس الاحتلال سياسة التهجير القسري ضد سكانها عبر التضييق والممارسات المقيدة للحركة، ففي عام 1995 قامت سلطات الاحتلال بالإعلان عن مناطق واسعة قرب البلدة كحديقة وطنية بادعاء المحافظة على النباتات الفريدة التي تعيش في المنطقة، وبهذا الادعاء تم مصادرة جزء كبير من أراضي القرية. وحسب اتفاقية "أوسلو" الموقعة بين منظمة التحرير و"إسرائيل" تم تصنيف قرية النبي صموئيل كمنطقة (ج)، أي أنها تحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية.
ويفرض الاحتلال حصاراً عسكرياً مشدداً يمنع غير أهل القرية من الدخول إليها، كما يحظر دخول سلع استهلاكية أساسية كعبوات الغاز للطهي وحتى البيض، تحت ذريعة قيام أهالي القرية ببيع البيض من الضفة الغربية للمستوطنين!.
ويقطن أهالي القرية في منازل قديمة يمنع الاحتلال ترميمها أو بناء توابع لها، أو إقامة مبان جديدة، مما تسبب في اكتظاظ سكاني لا إنساني فيها، الأمر الذي دفع نحو خمسين شخصاً للهجرة من القرية منذ عام 2010 وحتى اليوم، وتراجع عدد السكان إلى نحو 250 نسمة، بينهم أكثر من خمسين طفلاً وخمسين امرأة، وفقاً لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وبدوره أفاد عضو المجلس القروي محمد بركات، بأن القرية تعود جذورها لمئات السنين، وفي زمن الصليبيين كانت قلعة صليبية، وعندما جاء صلاح الدين حوّل القلعة لمعلم إسلامي، مضيفًا أن أبرز الآثار فيها تعود للعهد الإسلامي وخاصة العهد المملوكي. ومن تلك الآثار المسجد الذي يعود عهده للفترة المملوكية، ورغم تعرضه للهدم الكثير من المرات إلا أن الآثار الموجودة ما زالت تدلل على قدمه.
وفيما يتعلق بسياسات الاحتلال في القرية، بيّن بركات، أنه عام 1967 هجر الاحتلال 90% من سكان القرية بعد دخولها بقوات عسكرية كبيرة، وهو ما جعل الجيش الأردني غير قادر على صدها. لافتاً إلى أن التحاق غالبية رجال القرية بالجيش الأردني قديماً كان سببا في رحيل الغالبية ضمن عائلاتهم إلى الأردن.
وأشار إلى أن عدد السكان قبيل الاحتلال كان ما يقارب ألف نسمة واليوم تراجع بشكل كبير جداً، حيث لم يعد يتجاوز الـ300 نسمة. مضيفا أن القرية تعرض للتهجير عام 1971 بعد قيام قوات الاحتلال بهدم العديد من البيوت والمنازل بحجة عدم الترخيص أو أملاك الغائبين وقرارات كثيرة تبرر قيامهم بذلك. وفي عام 1968 سيطر الاحتلال على المسجد تحت ذريعة وجود قبر للنبي صموئيل "أحد أنبياء بني إسرائيل". حيث تستمر الاقتحامات للمسجد والقيام بصلوات تلمودية ليومنا هذا.
كما وأكد على أنه يُمنع على أهالي القرية البناء أو التوسع بحجة عدم الترخيص، مشيراً إلى أن من يقوم بالبناء اليوم يعتبر مخالفا للسياسات الإسرائيلية.
وتابع أن الدخول للقرية يتم عبر حاجز الجيب، ومن خلال التنسيق مع المجلس القروي، مؤكداً أنه منذ 3 سنوات يمنع الاحتلال أي شخص من دخول القرية في حال لم يكن له قرابة مباشرة مع شخص فيها.
أما ما يتعلق بالبضائع، أشار بركات، إلى أن هناك رقابة شديدة على كل البضائع التي تدخل للقرية. لافتاً إلى أنه في بعض الأحيان تحتاج للتنسيق لإدخال صناديق الكولا وعبوات الغاز والأعلاف. مؤكداً على أنه من غير السهل إدخال أي من المنتجات والبضائع.
وأوضح أن هذه الأساليب تأتي عبر مسلسل ومراحل، وفي كل مرحلة يسلب الاحتلال شيئاً ما من الحرية المقيدة. وقال إن الاحتلال يسخر كل إمكانياته لتغيير معالم القرية، وبذات الوقت يمنع أي عملية ترميم المباني والبيوت القديمة، إضافة إلى أنه يستخدم عمليات مصادرة الأراضي وقطع الأرزاق كوسيلة لتهجير الفلسطينيين.
ورغم كل ذلك إلا أن القرية لا زالت تشكل مصدر قلق للوجود الصهيوني في مدينة القدس المحتلة، فهي تعتبر من وجهة نظرهم عائقًا أساسياً أمام تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني بتحويل القدس إلى عاصمة كبرى لـ "إسرائيل"، حيث تفصل هذه القرية المستوطنات الواقعة في القدس مع مستوطنة اخرى واقعة شمال القدس، وكذلك تشكل عائقاً أمام الربط بين القدس والداخل المحتل.
رام الله الإخباري