رام الله الإخباري
طرفان في تركيا لم يتوقعا الفوز الكبير لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، على منافس الحزب الحاكم بن علي يلدريم، إن كان أشد المتفائلين في حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولا أشد المتشائمين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، وذلك في انتخابات رئاسة البلدية المعادة في إسطنبول أمس الأحد.
وذلك في ظل فوز المعارضة الكاسح، الذي وصل لقرابة تسعة في المائة من الأصوات، بعد أن كان الفارق في انتخابات 31 مارس الماضي يبلغ 0.02% فقط.
الفارق الكبير في الأصوات، التي أعلنت في النتائج الأولية، لم تدع مجالاً للشك والطعن، وقطعت الطريق أمام حزب "العدالة والتنمية" لتقديم الطعون، والحديث عن تجاوزات. وبدلاً من ذلك، هنأ يلدريم بدايةً منافسه إمام أوغلو، ليتبعه الرئيس رجب طيب أردوغان بالمثل.
إلا أن المراقبين ومختلف الأوساط التركية، تساءلت عن الأسباب والفوارق التي حصلت خلال فترة أقل من شهرين فصلت بين الانتخابات، وكيف تبدلت الخريطة السياسية التي قد تدفع بالبلاد إلى انتخابات مبكرة، في حال حصلت تطورات اقتصادية وسياسية معينة.
وفيما يتعلق بالأرقام التي ظهرت بالأمس، فقد أظهرت حصول إمام أوغلو على ما نسبته 54.03 في المائة من الأصوات، متفوقاً على يلدريم الذي حصل على 45.09 في المائة من الأصوات، وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها إمام أوغلو أكثر من 4,698 ملايين صوت، فيما حصل يلدريم على 4,921 ملايين صوت، بفارق وصل إلى أكثر من 777 ألف صوت.
يشار، إل أن أرقام انتخابات 31 مارس الملغاة قد أشارت إلى حصول إمام أوغلو على 48.77% من الأصوات، مقابل 48.61% من الأصوات، بفارق تجاوز 13 ألف صوت فقط، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة 83.9%، فيما سجلت انتخابات يوم أمس مشاركة بلغت 84.4%.
الفارق الكبير الذي تم تسجيله في إسطنبول، لم يكن على مستوى المدينة فحسب، بل على مستوى الأقضية، ففي الوقت الذي تمكن فيه "العدالة والتنمية" من الفوز في الانتخابات الملغاة في 25 قضاءً، إلا أنه خسر في انتخابات أمس 11 قضاءً إضافياً في إسطنبول، تعتبر من أهم معاقله، وأبرزها أحياء الفاتح وبايرم باشا وأيوب سلطان واوسكودار وباهتشلي أوفلار وبي أوغلو، وهذه أحياء محافظة، وتعتبر خزاناً هاماً لـ"العدالة والتنمية" طوال 17 عاماً من حكم إسطنبول.
وساهم الأسبوع الأخير الذي سبق انتخابات الإعادة في توسيع الفارق بين المرشحين، انطلاقاً من المناظرة المباشرة، التي وإن كان بن علي يلدريم فيها محقاً بالإنجازات، إلا أنها اقتصرت على الحديث عن الإنجازات السابقة، وإمكانية تنفيذ المزيد منها، فيما بدا عليه الإرهاق في حديثه الذي كان ثقيلاً، بعكس منافسه الذي يمتاز بطاقة الشباب. ورغم أن مشاريع إمام أوغلو لم تكن مقنعة للجميع، إلا أنه استطاع مخاطبة كافة شرائح المجتمع التركي من اليمين واليسار والعلمانيين والمحافظين والأقليات، وهو ما بدا من الأصوات التي حصل عليها، التي جاءت من جميع شرائح الشعب، فضلاً عن حيويته، وتبديد مخاوف المحافظين من خلال تعهده بمواصلة منع الاختلاط في مسابح البلدية وعدم بيع المشروبات الكحولية في المؤسسات الاجتماعية، فضلاً عن عن أنه ينتمي لأصول محافظة، وهو قارئ وحافظ للقرآن.
يضاف إلى ما سبق إحباط ناخبي "العدالة والتنمية" من عدم استدراك الحزب لأخطائه السابقة، فتعززت لديهم نظرية المظلومية لصالح إمام أوغلو، وهذا أمر لم يكن مقبولاً لدى الشارع التركي، فقد تركت الأجوبة حول أسباب الإعادة من دون جواب، كما أن اتهام إمام أوغلو بأوصاف لا تليق بالمجتمع التركي، كمثل أنه من أصول يونانية وتشبيهه برئيس مصر عبد الفتاح السيسي من جهة تعاونه مع الانقلابيين، هو أمر غير مقبول في الشارع التركي الذي يرى نفسه صاحب ديمقراطية مرموقة في المنطقة.
ونقطة مهمة كذلك أدت إلى حصول هذا الفارق، هي دعوة زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان للناخبين الكرد بالحياد، وهو ما صنف أنه استجداء بمن يصنف في تركيا منظمة إرهابية مسؤولة عن مقتل عشرات آلاف الأتراك، بهدف الحفاظ على السلطة، ولكن هذا السعي من قبل أردوغان لم يلق أي صدى لدى الناخب الكردي من جهة، بل أدى إلى نزف الأصوات التي يمتلكها من أصوات القوميين والمحافظين.
ومهما كانت التحليلات، فإن المحطة الانتخابية التي جرت في 23 يونيو ستكون هامة جداً، على صعيد تشكيل الخريطة السياسية الجديدة في تركيا، إذ إن أقرب انتخابات ستجري بعد 4 سنوات، فإما أن يستغلها "العدالة والتنمية" لإصلاح أخطائه وإقناع الشعب به، وإما أن المعارضة سيكون لها كلام آخر، بتقديم إمام أوغلو منافساً لأردوغان في تلك الانتخابات.
أما ما يتعلق بالسيناريو الآخر، فهو أن يواصل الاقتصاد أداءه السلبي، ما سيؤدي إلى مزيد من الاستنزاف، ما يدفع لارتفاع الأصوات شعبياً وسياسياً للذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد تودي لوصول أحزاب جديدة للحكم على أنقاض "العدالة والتنمية"، وخاصة مع وجود مساع من رفاق أردوغان السابقين لتأسيس أحزاب جديدة على أنقاض الحزب الأم.
العربي الجديد