رام الله الإخباري
مثل ملاكمين تعبين وقف الطرفان لجولة رقم ثمانية هذه السنة، بدايتها ونهايتها معروفتان مسبقاً. كلاهما يعرف أنه لن تكون هنا ضربة قاضية باستثناء أنه لا يوجد محكم يعلن عن نهاية المعركة، وكل جولة عقيمة هي مجرد مقدمة للجولة التالية.
لا ينتصر أي طرف هنا ولا يربح شيئاً. المال القطري ليس انتصاراً لحماس ـ فهو يشتري لهم ولنا فقط زمناً إضافيا آخر. يجدر بنا أن نستغل هذا الزمن كي نكسر الدائرة السحرية التي نعلق فيها.
من جولة إلى جولة يرتفع السعر، نجح الطرفان في أن يوجها عدة ضربات مفاجئة: إسرائيل بهجمات أكثر قوة، من حيث النوع والحجم، والغزيون بنار مضادات الدروع، باستخدام أول للحوامات وبالصواريخ الثقيلة (التي نجحت القبة الحديدية في اعتراضها لأول مرة).
كلاهما يخشيان جولة يكون فيها كل شيء مسموحاً به، ولهذا نجحا في التوقف قبل الانزلاق إلى مواجهة واسعة. ولكن واضح لهم بأن الجولة الثانية ستأتي في غضون أيام أو أسابيع، باستثناء أن أربعة إسرائيليين لن يحظوا برؤيتها.
في السبت الماضي، حين كان واضحاً بأننا في ذروة الجولة، وقف رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي أمام رئيس الوزراء وفي جعبته القائمة المعروفة: هجمات جوية بقوى مختلفة، عملية برية محدودة وحملة واسعة. كان مهماً لكوخافي أن يوضح بأنه أكثر قتالياً من سلفه. ولهذا فقد وعد بجولة هجمات جوية أقسى بكثير لكن نتنياهو، الذي فهم بأن ثمن عملية برية، حتى لو كانت محدودة ستكون أليمة، أخذ الاقتراح بكلتا يديه.
وبالفعل، أبدع سلاح الجو في ضرباته في غزة على مدى يومين، ولغرض التغيير جبى ثمناً بالأرواح من حماس، ولكن لم يدّع الجيش ولا نتنياهو في نهاية الجولة بأن ردعاً ما تحقق. فقد اشترينا في أقصى الأحوال بضعة أسابيع من الهدوء. لم يقفأحد أمام سكان الجنوب ليقول لهم الحقيقة البسيطة: المشكلة في غزة ليست مشكلة عسكرية وليس لها حل عسكري.
يعرف رئيس الوزراء جيداً أنه لا يهم كم نقصف غزة. هذا لن يحل مشكلة المياه فيها، ولن يوفر لا الكهرباء أو التشغيل لمليونين من سكانها. ما الذي لم نفعله في غزة حتى الآن؟ من تصفية قيادة حماس وحتى تخريب مناطق كاملة في القطاع. اليوم أيضاً، كل الخطط التي لدى الجيش الإسرائيلي، من المعتدلة وحتى المتطرفة منها، ستؤدي بنا في النهاية إلى النقطة التي نحن فيها وإلى الانشغال بهذه المسائل. لا يوجد أي حل سحري، يخفي تماماً التهديد من غزة ـ ولا حتى الاحتلال الكامل للقطاع.
ولكن ثمة قيادة حماسية براغماتية تتطلع لحفظ حكمها، وتشرح لنا منذ قرابة خمس سنوات بأنها مستعدة لوقف نار طويل المدى مقابل التسوية. كتبت غير قليل في السنوات الأخيرة عن إمكانية التسوية في غزة. فهي لا تضمن جيرة طيبة، ولكن يمكنها أن تعطي غزة حافزاً للحفاظ على الهدوء وربما ترفع علاقتنا مع القطاع إلى مستويات أخرى. على الطريق، ستمنح إسرائيل فضلاً سياسياً واضحاً أيضاً، تسمح لنا بتقسيم المشكلة الفلسطينية إلى قسمين واتخاذ سياسة مختلفة تجاه الإقليمين المنفصلين.
يميز نتنياهو بين «التفاهمات»، وهذه هي المرحلة التي نحن فيها الآن، وبين «التسوية»، التي هي اعتراف بحكم الأمر الواقع بدولة حماس وسيمنحها قدرات وجود مستقل. يفهم بأن في التسوية مع غزة فرص كثيرة، ولكن لاعتبارات سياسية يخشى السير حتى النهاية ويختار سياسة ما يسميه الأمريكيون «ركل العبوة في الطريق».
استمرار «التفاهمات» يمنحنا هدوءاً قصير الأمد. هذا سيسمح للفلسطينيين بالاحتفال برمضان مع بعض الأموال في الجيب ويسمح لنا بالاحتفال بالاستقلال والايروفزيون بهدوء. ولكن من غير المعقول أن نواصل بعيون مفتوحة نحو جولة وجولة أخرى، فما بالك أن ثمن هذه الجولات يرتفع. فقد أعلنت حماس بأنها ستواصل المظاهرات على الجدار ـ ما يعني أن التصعيد التالي سيأتي قريباً. في عمر 71 حان الوقت للتخلي عن المعتقدات العليلة: أبو مازن وفتح لن يعودا للحكم في غزة في المستقبل المنظور للعيان كما أنه لا توجد أي خطوة عسكرية، أو أي من الأفكار الإبداعية التي تغير حقيقة أنه في جيرتنا يوجد كيان من مليوني نسمة، بلا مياه وطاقة وقدرات لنيل الرزق. لقد منحت نتائج الانتخابات نتنياهو تفويضاً واسعاً لتصدر قيادة شجاعة تخرجنا من تكرار الجولات. فقط إذا ما تجرأ ـ سيتمكن أيضاً.
في عمرنا المتقدم حان الوقت لأن نختار أيضاً إذا كان 71 هو عمر الحكمة أو الخرف. نحن دولة قوية ولكن فزعة، متقدمة ولكن ظلماء، تسكن بأمان ولكن تهتز، تزدهر ولكن الكثير من سكانها فقراء. لقد كانت حارة الشرق الأوسط ولا تزال صعبة، ولكنها أيضاً أقل تهديداً بكثير. فيها فرص ستسمح لنا بتعميق الجذور في هذا المكان، مع الفهم بأننا لا بد سنقاتل في سبيل وجودنا هنا. السلام مع المحيط على ما يبدو لن يتحقق في هذه السنة، ولكن تعالوا نبدأ بالسلام في داخلنا.
الون بن دافيد
معاريف 10/5/2019
القدس العربي