لماذا اقترن شهر رمضان بالفانوس؟

20190505103744580

وسط الصراع الدائم الذي يزداد حدة بين الحداثة والتراث، يبقى حضور "فانوس رمضان" ثابتاً في أزقة وساحات المدن والعواصم الإسلامية في الشهر الكريم، فإذا اكتفى الناس بإنارة بيوتهم وشوارعهم بمصابيح كهربائية عادية طيلة أيام العام، فهم لا يتنازلون في رمضان عن ملء أزقتهم بالفوانيس التي تزخرف الضوء، وتطلقه من داخلها يشقُّ الظلام نوراً ملوّناً.

وعلى الرغم من كونها كلمة دارجة في اللغة العربية، ونجدها في المعاجم، إلا أن أصلها يعود للغة اليونانية، فكلمة "φανός" والتي تلفظ بنفس الطريقة تحمل نفس المعنى، ولو أنها أوسع قليلاً، إذ تشمل في معناها النور والإضاءة.

أما الحكايات التي نسجت لتروي أصل الفانوس وقصة ارتباطه بشهر رمضان، فهي كثيرة، لكن ما تتفق عليه جميعها هو الارتباط الوثيق بين فانوس رمضان ومصر، ولعل هذه العلاقة تفسر تصدّر المصريين حتى اليوم حرفة تصنيع فوانيس رمضان، وتجذر عادة استخدامه في المجتمع المصري.

يقال في إحدى القصص إن المصريين اعتادوا مرافقة الخليفة خلال جولته في المدينة التي يمر فيها من البوابات القديمة للقاهرة، وينتهي بجبل المقطم؛ ليثبت رؤيا هلال رمضان، وخلال مروره من الحارات والأزقة يقف جميع الأطفال حاملين الفوانيس لينيروا له الطريق، ويستقبلون رمضان بالاحتفالات.

وفي رواية أخرى قيل إنه في عهد الفاطميين كان المصريون بانتظار الخليفة المعز بالله الفاطمي ليمرّ بالقاهرة، فأمرهم القائد العسكري للقاهرة آنذاك أن يقفوا في الطرقات التي سيمرّ بها الخليفة ليضيئوا طريقه، ومن أجل ضمان عدم انطفاء الشمع صنعت علب خشبية فيها شمعة، ومغطاة بورق النخيل والجلود الخفيفة، وبذلك ارتبط الفانوس بإنارة الشوارع خلال شهر رمضان متحولاً إلى رمز أبدي.

وفي حين أن هذه الروايات تربط وجود الفانوس بشهر رمضان وبطقوسه القديمة، إلا أن أخرى تقول غير ذلك تماماً. فمنها ما يرجع أصل الفانوس للفترة الفرعونية، ومنها ما يعيد أصله لثقافات إسلامية، وهذه الأخيرة تقول إن المسيحيين واليهود أيضاً استخدموا الفوانيس خلال احتفالاتهم، ومنهم من يؤمن أن الأقباط المسيحيين استخدموه خلال عيد الميلاد المجيد، وعليه فمن الممكن القول إن ارتباط الفانوس بمناسبة دينية مثل شهر رمضان انتقلت للإسلام مع المسيحيين الذين أعلنوا إسلامهم بمراحل مختلفة من التاريخ.

وهناك روايات أخرى خارج إطار الأديان تربط وجود الفوانيس بالسلطات الحاكمة وقوانينها لتنظيم الحياة في المدينة، إذ تقول الحكاية إن الحاكم بأمر الله في مصر أصدر أوامر بتعليق فوانيس بجانب جميع المتاجر والمحلات وفي الطرقات، وفرضت عقوبة على من يخالف الأمر، وعلى الرغم من أن السبب ليس واضحاً، لكنه بلا شك ساهم في ازدهار سوق صناعة الفوانيس في القاهرة.

وعن نفس الحقبة الزمنية يروى أنه في القرن العاشر الميلادي كانت النساء تمنع من الخروج من منازلهن طوال العام في عصر الحاكم بأمر الله في مصر، لكن شهر رمضان كان استثناءً، إذ سمح لهنّ بالخروج لأداء صلاة الجماعة، بشرط أن يرافق كل امرأة طفل يحمل فانوساً، وذلك ليعرف المارّة أن امرأة تمرّ من الطريق، فيتنحوا عن طريقها.

وعلى الرغم من أن غالبية القصص تحكي عن بداية صناعة الفوانيس في مصر، إلا أن ارتباطها برمضان مع الوقت جعلها تنتشر في كل المدن التي تضم مجتمعات مسلمة، ليصبح الفانوس جزءاً أساسياً من شهر رمضان، وسلعة رائجة تدرّ مدخولاً جيداً على صاحبها.

ففي مدينة القدس على سبيل المثال، يمتلئ سوق البلدة القديمة، وطريق باب الواد خاصة بالفوانيس الحديدية ذات الزجاج الملوّن المصنّعة يدوياً والمزخرفة ببراعة، فتعرض للبيع خلال شهر رمضان بمبالغ ليست زهيدة، على الرغم من ذلك، لا يخفى إقبال المتسوقين لشرائها على كل من مرّ بالطريق هناك.

من ناحية أخرى لم يسلم فانوس رمضان من محاولات تحويله إلى ساحة منافسة اقتصادية، فمقابل الفوانيس المصنوعة يدوياً وبجهد كبير، بدأ يلاحظ وجود فوانيس بصناعة صينية تنافس يد الحرفيين المحلية، وتطرح أسئلة كثيرة حول الجدوى الاقتصادية من استمرار صناعتها يدوياً.