يبدو أن إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، على أيدي من حكموا العراق بعده لم يعد كافياً لإنهاء تهديده هو ونظامه. فمن حين لآخر، يطل صدام عليهم بأشكال متعددة، فتارة تُرفع صوره في حفل تنكري جامعي، وتارة أخرى يُصدح بالنشيد الوطني السابق في مناسبة أخرى.
ناهيك عما يُطرح في مجالس خاصة وعامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، من عراقيين يمتدحون ما كان عليه العراق في عهده، مقارنة بما بات عليه اليوم.
يقول «أبو صفاء»، صاحب مقهى شعبي في بغداد: «على الصعيد المالي تبدلت أحوالي كثيراً، وصار مدخول أسرتي الشهري، بوجود ثلاثة موظفين في الدولة، يفوق ما كنا نحلم به».
غير أنه استدرك: «لكن ما فقدناه أكبر بكثير.. كانت لدينا دولة، والآن لدينا دول وحكومات داخل شىء أشبه بالدولة، ومصالح الجميع تغلب على مصلحة بلدنا».
المجتمع بات يشعر بأنه في وضع أسوأ
تلك المقارنة رأى رئيس المركز العراقي لإدارة التنوع (غير حكومي)، غيث التميمي، أنها «مؤشر على أن المجتمع بات يشعر بأنه في وضع أسوأ، على الأقل على صعيد الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والإدارة والمؤسساتية في الدولة
وأشار إلى أن «العراقيين يشعرون اليوم بأن الأوضاع تتجه من سيئ إلى أسوأ»، مضيفاً: «في زمن صدام كانت خطوط التماس واضحة، والآن باتت غامضة؛ فكل منطقة في العراق تسيطر عليها جماعة نافذة ولديها خطوطها الحمراء».
وأردف أن «المواطن بات لا يعرف قواعد الاشتباك، ولهذا ربما هو يفضل البقاء في خطوط تماس واضحة كما كانت في زمن صدام».
تلكؤ واستغلال
بعد إسقاط نظام صدام، إثر غزو نفذه تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، قاد حزب «الدعوة» الشيعي عملية تغيير في بغداد، وتسلم منصب رئاسة الوزراء، بعد الحكومة الانتقالية، على مدى ثلاث دورات متتالية.
وقال القيادي في حزب «الدعوة»، خالد الأسدي، لوكالة الأناضول: «نتفهم عدم رضا الناس عن التجربة السياسية الحالية، فتوقعاتهم من النظام الجديد كبيرة ومُحقة». ومضى قائلاً إن «تلكؤ القوى السياسية أو الحكومة عن معالجة ملف الخدمات، والاهتمام بدفع الأخطار الأمنية والسياسية على حساب الملف الخدمي طيلة السنوات الأخيرة، شكل نقطة إنزعاج وعدم ارتياح لدى أوساط شعبية واسعة».
وتابع: «من الطبيعي أن تبادر شخصيات سياسية أو ذات تطلعات سياسية إلى محاولة استثمار هذا الانزعاج وعدم الرضا وربما الغضب لدى بعض الشرائح الاجتماعية، لتمرير أفكار مشوهة عن الشعب العراقي، والإيحاء بأن العراقيين يرون أن صدام وجرائمه وحزب البعث وكوارثه بحق الإنسانية أفضل من الوضع القائم».
وزاد بأن «البعض كانوا وما زالوا مرتبطين بالنظام السابق، ويحاولون إعادة إنتاجه بشتى الوسائل»، معتبراً أن «الشعب العراقي ماضٍ في بناء نظامه السياسي، عبر وسائل ديمقراطية أصبحت تتأصل بصورة جيدة، ولن يسمح بعودة الإرهاب البعثي والإجرام الصدامي إلى الحياة العامة، وسنعمل مع الشرفاء لتصحيح الأخطاء»، بحسب تعبيره.
فساد أقل وخدمات أفضل في عهد صدام
من جانبه، يرى الباحث السياسي، عضو تحالف «القرار العراقي»، يحيى الكبيسي، أن المقارنة بين الوضعين الراهن والسابق «نوع من الاعتراض العاطفي والشعبوي غير المباشر على الأوضاع الحالية، أكثر منه إيماناً أو تأييداً للنظام السابق».
وأضاف الكبيسي: «بالتأكيد المقارنات الموضوعية بين النظامين الحالي والسابق في الإدارة والفساد تميل لصالح النظام السابق». وأوضح أن «النظام السابق كان شمولياً يسيطر على مفاصل الدولة، والفساد كان محصوراً في دائرة ضيقة ترتبط برأس النظام وعائلته والمحيطين بهم
وأردف: «حتى مع تفشي الفساد، بسبب تحلل الدولة نتيجة الحصار الاقتصادي في التسعينيات، لم يتحول الفساد إلى ظاهرة تحكم الدولة، كما هو حالياً»، مضيفاً أن «مستوى الخدمات خلال عهد صدام، باستثناء الكهرباء التي كانت مشكلة حقيقية بعد حرب الخليج الثانية (1990-1991)، لا يمكن مقارنته بأي حال بمستوى الخدمات البائس حالياً».
وشدد الكبيسي على أن «أي مقارنة بين مستويات التعليم والصحة والبطاقة التموينية وصولاً إلى النظافة ستصب في مصلحة النظام السابق»، معتبراً أن على «الجمهور أن يحكم على تلك المظاهر، وليس على مظاهر الشمولية والديكتاتورية والدموية التي وسمت النظام السابق».
أمل مفقود وانتظار للحظة التاريخية
في السياق، قال الصحفي العراقي أمجد طليع، معلقاً على الإشادات بحال العراق في عهد صدام، إن «المصيبة هي أن العديد ممن يتعاطفون مع نظام صدام ولدوا بعد سقوطه أو كانوا أطفالاً في أيام انهياره».
واعتبر طليع أن «هؤلاء فقدوا الأمل في الحصول يوماً ما على حياة كريمة، والعيش بمستوى أقرانهم من أبناء دول الجوار في الكويت أو تركيا أو قطر أو الإمارات، وربما حتى الأردن».
وتابع: «لذلك ذهب هؤلاء إلى إسقاط إرهاصاتهم، من خلال مقارنة نظام حالي لم يعودوا يؤمنون به مع نظام لم يعيشوا مرارته».
وبحسب التميمي، فإن «العراقيين بحاجة إلى لحظة تاريخية تعيد إليهم الأمل النفسي، والانتقال إلى معادلة من الجيد إلى الأفضل، فهذه المعادلة بناءة»، موضحاً: «لكن حتى يصل العراقيون إلى تلك النقطة يحتاجون إلى حكومة تعتمد استراتيجية استقرار الأمن الوطني»، مختتماً حديثه: «من الواضح أن هذا غائب حتى الآن عن الطبقة السياسية الحاكمة».