تسرد مؤشرات كثيرة تسرع استهداف الجزء الشرقي من ساحة المسجد الأقصى الممتد من باب الرحمة شمالا إلى مدخل المصلى المرواني جنوبا (منطقة باب الرحمة)، ومنها: التركيز عليها كمساحة أساسية لنشاط المقتحمين وأداء شعائرهم، فضلا عن خطط تشير صراحة إلى اقتطاع المساحة الموازية لباب الرحمة كصالة دائمة لليهود، واستهداف مقبرة الرحمة التي تلاصق باب الرحمة من خارج الأقصى ومحاولة السيطرة على أجزاء فيها وإغلاق قاعة الرحمة المسقوفة قبالة باب الرحمة وتثبيت نقطة شرطة جديدة فوق باب الرحمة.
وعاد باب الرحمة وهو الباب الوحيد الواصل بين باحات المسجد الأقصى وخارج القدس العتيقة، إلى الواجهة أمس الأحد، بعد أن قدمت شرطة الاحتلال على وضع أقفال جديدة خلسةً على باب الرحمة، لمنع الأوقاف من فتحها أو استخدامها، وجاء هذا الاجراء بعد قيام أعضاء مجلس الأوقاف الإسلامية الجديد بزيارة المكان وهو مبنى كبير يحتوي على قاعة واسعة، وفي عام 2003 أغلقته سلطات الاحتلال، حيث كان مقرا للجنة التراث الإسلامي بحجة أنه يستخدم لنشاطات سياسية، وفي عام 2017 أصدرت محكمة الاحتلال قرارا يقضي بإغلاق المبنى حتى إشعار آخر.
وقال مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، الشيخ عزام الخطيب، إن "الحكومة الأردنية تجري اتصالات مكثفة وجادة متواصلة، مع سلطات الاحتلال، بهدف الضغط عليها لإزالة الأقفال والسلاسل عن أحد أبواب المسجد الأقصى".
وأكد عزام أنه "يجب إدراك خطورة هذا الموقف، الذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى السيطرة المكانية والديمغرافية على المدينة المقدسة، والاستحواذ على كل ما هو تاريخيّ في المدينة".
للمسجد الأقصى المبارك 15 باباً، منها عشرة أبواب مفتوحة وخمسة مغلقة. أما المفتوحة فهي: باب الأسباط وباب حطة وباب العتم، وتقع هذه الأبواب الثلاثة على السور الشمالي للمسجد الأقصى.
وباب المغاربة وباب الغوانمة وباب الناظر وباب الحديد وباب المطهرة وباب القطانين وباب السلسلة، وهذه الأبواب السبعة تقع على السور الغربي للمسجد، وكلها مفتوحة وتستعمل من قبل المصلين المسلمين باستثناء باب المغاربة الذي صادرت قوات الاحتلال مفاتيحه عام 1967 ومنعت المسلمين من الدخول منه إلى الأقصى.
وأما الأبواب المغلقة فهي: الباب الثلاثي والباب المزدوج والباب المفرد وباب الرحمة وباب الجنائز، وتقع هذه البوابات في السور الجنوبي والسور الشرقي للأقصى.
إلى ذلك، قال المحاضر في جامعة بيرزيت والمختص في شؤون المسجد الأقصى د. جمال عمرو، ما يجري في باب الرحمة في منتهى الخطورة ونحن أمام حدث جلل أشد خطورة ما جرى في باب المغاربة وباب الاسباط، وأن الاحتلال يسعى للسيطرة على هذا الباب الذي يخرجك من الأقصى إلى خارج المدينة عكس كل الأبواب، وفي داخل باب الرحمة قاعات كبيرة، وهو الباب الأكبر على قبة الصخرة المشرفة، واستهدافه جزء من استهداف القبة".
وحذر عمرو من إنشاء كنيس في منطقة باب الرحمة، والموضوع في منتهى الجدية وأي شخص يقترب من باب الرحمة يتم اعتقاله فورا، في حين يرحب بالمستوطنين في باب الرحمة، والاحتلال وضع نقطة شرطة إسرائيلية دائمة فوق باب الرحمة والأمور تسير باتجاه خطير يستدعي استنفارا، فالاحتلال قد يحول هذه قاعات باب الرحمة إلى كنيس ويمكن أن يسيطر على 12 دونما داخل وخارج المسجد الأقصى.
وأوضح "أننا أمام كارثة محققة مقبلة على باب الرحمة موثقة بخرائط ومخططات تكشف أهداف الجمعيات الاستيطانية لإقامة كنيس في محيط باب الرحمة، وهي مخططات إرهابية ينشأ عنها حرب دينية، فالحدث أكبر مما جرى أمام باب الاسباط".
ونبّه عمرو إلى أن المسجد الأقصى أمام مخطط لباب مغاربة جديد، مشيرا إلى أن ما يقوم به الاحتلال عند باب الرحمة المغلق هو أشد وطأة وأكثر خطورة ودمارا على الأقصى.
وأوضح أن سلطات الاحتلال وضعت قدمها تحت الأقصى عبر الأنفاق التي حفرتها وصعدت فوق الأقصى، وبنت تحت الأرض وفوقها نحو 190 كنيسا يهوديا أحاطت بالأقصى من كافة الجوانب، واليوم يقوم الاحتلال بالبنية التحية لمشروع "التلفريك التهويدي" في سماء الأقصى، وهكذا أحكم الاحتلال سيطرته على قبلة المسلمين الأولى.
وباب الرحمة أو التوبة أطلق عليه الصليبيون اسم الباب الذهبي، وهو اليوم يمثل مقر لجنة التراث الاسلامي وهو باب مكون من بوابتي الرحمة جنوبا، والتوبة شمالا، واسمه يرجع لمقبرة الرحمة الملاصقة له من الخارج.
ويطل باب الرحمة من الخارج على مقبرة إسلامية عريقة تحمل اسم "مقبرة باب الرحمة" نسبة إليه، يمتد تاريخها إلى الفتح العُمري عام 15 هجري الموافق 636 ميلادي، تحتضن 23 دونماً من الأراضي الملاصقة للسور الصحابيين عبادة بن الصامت (34 هـ) وشداد بن أوس (58 هـ). كما يرقد فيها العديد من القبور التي يعود تاريخها إلى عهد المماليك والأمويين والأيوبيين والعثمانيين، منها قبور شيوخ، وأئمة، وشخصيات عامة، ومجاهدين، وشهداء ضحوا بدمائهم من أجل الوطن.
في هذا السياق قال محافظ القدس عدنان غيث، إن باب الرحمة مغلق من سنوات طويلة ويجدد أمر أغلاقه كل عام وما يجري هو مساعٍ من حكومة الاحتلال لاستهداف المسجد الأقصى والسيطرة عليه مكانيا هذه المرة، وهي تعمل بكل إمكانياتها لتوسيع الاقتحامات ولإقامة صلوات في منطقة باب الرحمة.
وأضاف "إن أهمية هذا الباب بالنسبة لهم ليست جديدة، هم يزعمون أن في نفس المكان يوجد الباب الشرقي للهيكل، لذلك يسمونه "الباب الذهبي"، وهذا ما يتناسب مع الدعاية الصهيونية المتعلقة بالهيكل"، مضيفًا "الرواية الموجودة قديماً تتحدث عن أن مسيحهم المنتظر سيدخل من هذا الباب في آخر الزمان معيداً حكم بني إسرائيل للعالم. وهو ما يفسر بروز اهتمامهم مؤخراً بالوصول إلى هذه المنطقة بعد اقتحامهم ساحات المسجد الأقصى لإقامة صلواتهم "التلمودية" هناك بشكل متكرر.
وأضاف غيث أن المسجد الأقصى المبارك كاملا هو خالص للمسلمين وحدهم ولا يحق لأحد السيطرة على المسجد الأقصى المبارك، أو اقتطاع أي جزء منه، ولكن الصمت الدولي حاليا يساعد الاحتلال على الاعتداء على مقبرة باب الرحمة ومقبرة مأمن الله وغيرها من المقابر إضافة للاعتداء المتواصل على الأحياء.
وبين أن حكومة الاحتلال تستفيد من الدعم الأميركي الكامل والصمت المريب للمجتمع الدولي على ما يجري يخدم حكومة الاحتلال ويشجعها على مواصلة انتهاك حرمات المسجد والكنائس وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
وأوضح أن ممارسات حكومة الاحتلال في القدس ستقود المنطقة إلى حرب دينية فالاحتلال يعبث ويدمر كل شيء في القدس والاحتلال هدم عشرات المباني وشرد المئات من المقدسيين من منازلهم.