كيف جعلت غزة إسرائيل تتحدث باللغة العربية؟

ليبرمان وغزة واللغة العربية

رام الله الإخباري

لم يكن وزير الحرب الاسرائيلي  أفغيدور لييرمان، يتصوّرُ وهو في ذروة اندفاعه خلال الانتخابات التشريعية عام 2009، والتي استندت فيها حملته الانتخابية على اللغة العربية وسياسة التهديد والوعيد، أنّه سيضطر مستقبلا إلى الحديث بالعربية من جديد، ليس للتهديد هذه المرة، إنّما لأجل الهدنة، والسعي إلى استجداء “أعدائه” الفلسطينيين.

” فقط ليبرمان يفهم العربية”..شعارٌ أطلقه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” الأكثر تطرفًا في تل أبيب عشية الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2009

 وأفضت إلى فوزه بمقاعد وازنة في الكنيست وجعلت حزبه أحد أكثر الأحزاب الإسرائيلية نفوذا وتأثيرًا في القرار السياسي، ولعلها كانت نقطة التحول والبداية التي أوصلته إلى منصبه الحالي كوزير للدفاع.

مرت نحو 9 سنوات على حملة ليبرمان التي قامت ركائزها على التحريض على الفلسطينيين، ولم تخلُ من التهديد المُبطّن بالقول ” فقط أنا فقط أفهم هؤلاء”، تلك السنوات التي كانت كفيلة بتبدل المشهد بشكل شبه كامل

 ليعود الوزير لاستخدام اللغة العربية من جديد، لكن ليعد أهالي غزة بتحويل القطاع إلى “سنغافورة”، وهو ما أثار تساؤلات حول أساب تبدل خطاب الحرب الإسرائيلي بآخر يدعو للتهدئة.

رسالة وزير الحرب الاسرائيلي  التي نُشرت على صحفته في “فيسبوك” وعدة صحفات أُخر، حملت رسائل مُبطّنة إلى أهالي غزة باللغة العربية، حيث زعم الوزير أنه يُفرّق بين حماس والمواطنين بغزة، وقرر فتح معبر كرم أبو سالم وتوسيع مسافة الصيد إلى تسعة أميال بحرية، كل ذلك مقابل ” الهدوء”

ولعل الهدوء الذي يقصده ليبرمان، يبدو متعدد الأوجه هذه المرة على نحو لم تعتد عليه إسرائيل، فبينما كان الهدوء سابقا يعني وقف أنشطة المقاومة واستهداف الأراضي الإسرائيلية والمستوطنات، صار يعني اليوم أيضًا، وقف إطلاق ” الطائرات الورقية” و ” البالونات الحارقة” على إسرائيل.

المقاومة الشعبية..هل رضخ الاحتلال؟

وكان الاحتلال قد عوّل على الوقت كي تنتهي ظاهرة إطلاق الطائرات الحارقة التي استمرت نحو 120 حتى الآن، بيد أن الواقع كان أشد وأكثر تعقيدًا، حيث استمر أهالي غزة بمسيراتهم السلمية، وإطلاق الطائرات الورقية المحملة بمواد مشتعلة، ما أدى إلى إحراق مساحات زراعية واسعة في إسرائيل، وتسبب في إحراج حكومة اليمين التي يقودها بنيامين نتنياهو.

وسعت حكومة نتنياهو إلى إخماد نيران “السلمية” المشتعلة في غزة جرّاء الأوضاع الانسانية المتفاقمة التي سببها الحصار المفروض على القطاع، بيد أن الفشل كان من نصيب محاولاتها المختلفة، رغم استشهاد أكثر من 200 فلسطيني، وتعرض أهداف ومواقع مختلفة في غزة للقصف بالغارات والصواريخ ونيران المدفعية.

وأحرجت حركة المقاومة السلمية في غزة حكومة إسرائيل على صعيد دولي، حيث تعرض الاحتلال لإدانات كثيرة بسبب قمعه للمتظاهرين بالذخيرة الحية وقتله المئات منهم، وكانت سببا في تشكيل ضغوطات على نتانياهو وحاشيته من وزراء اليمين على صعيد إسرائيل محلي، نتيجة ما سبببته من خسائر فادحة أصابت الإقتصاد الإسرائيل من جهة، وحالة أمنية مربكة وحرجة في مدن ومستوطنات الجنوب من جهة أخرى.

وترى صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن حكومة نتنياهو تبدو جادة هذه المرة في خطاب التهدئة مقابل غزة، وحماس، بسبب ما يحيط بها من ضغوطات سياسية دفعت نتنياهو للتعامل مع الأمر بجدية، في ظل دراسته المستمرة لتبكير موعد الانتخابات المقبلة للهروب من مآزق كثيرة، أهما حالة التفتت التي أصابت الإئتلاف الحاكم.

ويشير محللون إسرائيليون إلى أن خطاب ليبرمان ونتياهو، يندرج في إطار السعي الحثيث والمستمر لضمان حالة من الهدوء على حدود غزة في الفترة الراهنة، بغية التفرغ لمعالجة قضايا داخلية عالقة، على غرار قانون ” القومية” العنصري وما أثاره من جدل، إلى جانب قانون ” التجنيد” الخاص بفرض التجنيد الإجباري بالجيش على اليهود المتدينين.

وتظهر مواقف نتنياهو، ومن بعده ليبرمان الذي حاول استمالة أهالي غزة، أن إسرائيل تعاني من أزمات داخلية وأخرى خارجية متعددة الأوجه، ما يدفع حكومتها إلى محاول احراز أي اختراق يتعلق بالأمن، لضمان الرأي العام الإسرائيلي، وضمان تجنيد القدر الأكبر من الأصوات حال إعلان انتخابات مبكرة، بيد أن لإسرائيل أسباب إضافية، تجعلها في حاجة ماسة لهذا الهدوء.

لماذا التهدئة؟

لم يخلُ خطاب ليبرمان باللغة العربية من الإيحاءات المتعلقة بالشروط المفروضة إسرائيليا على الدوام خلال كل مفاوضات، حيث وضع شرطًا خاصا بالتهدئة “طويلة الأمد”، وهو الشرط المتعلق بضرورة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين تحتفظ فيهم حركة حماس.

ويشير المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هريئيل، إلى أنّ معالم عملية ” تسوية صغيرة” بدأت تلوح بالأفق في حال نجحت جهود الوساطة التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، والاستخبارات المصرية، والتي من شأنها أن تضمن أن يسود الهدوء لعدة أشهر.

ويرى هريئيل أن نتنياهو يسعى إلى هذه التسوية، في الوقت الذي يدرس فيه إعلان إجراء انتخابات مبكرة على خلفية الأزمة الائتلافية، واعتبارات أخرى، حيث من شأن وقف إطلاق النار، واستتباب الأمن على حدود غزة أن يتيح له إدارة المعركة الانتخابة بسلاسة بعيدا عن الاتهامات الموجهة إليه بإهمال سكان المناطق الجنوبية.

وبحسب هريئيل، فإن نتنياهو بات أقرب إلى اتخاذ قرار يجنبه قتل عشرات الجنود والمستوطنين في أي مواجهة عسكرية جراء التصعيد في غزة، وذلك لتجنب التعرض لأي انتقادات في المرحلة المقبلة.

في السياق ذاته، يبرر الخطاب الإسرائيلي الحالي تجاه غزة في مواقف قيادات سياسية وعسكرية مختلفة كانت قد أجمعت على ضرورة التصدي للقوة العسكرية لحركة حماس، وكذلك لظاهرة البالونات الحارقة بأي ثمن، لكنها رأت في الوقت ذاته أن ما يُسمى بـ”الخطر الإيراني” في سوريا.

وترفض إسرائيل كل تسوية في سوريا، تضمن بقاء القوات الإيرانية قرب حدودها، أو بقائها في سوريا كلها على الإطلاق كما صدر من تصريحات لقياداتها العسكرية والسياسية.

ولعل موقف السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن زلمان شوفال، يؤكد فرضية التوازن التي يسعى إليها نتنياهو وليبرمان، والقائمة على السعي إلى التهدئة في الجنوب، مقابل التفرغ لخطر إيران وحزب الله في الشمال.

وقال السفير السابق في مقال نشرته صحيفة ” معاريف” إنّ ” سوريا ستبقى في بؤرة الاهتمام العسكري والأمني الإسرائيلي، في الوقت الذي يخدم فيه الموقف الروسي تجاه التواجد الإيراني هناك المصالح الإسرائيلية”.

وأوضح شوفال  أنه في الوقت الذي تركز فيه إسرائيل عيونها على غزة، تعتبر “المعركة المهمة حقا خلف الحدود الشمالية”، مشيرا إلى أن “الاستخبارات الإسرائيلية لاحظت قبل بضعة أسابيع نية إيرانية لسيطرتها في سوريا والشروع في هجوم صاروخي على قواعد عسكرية إسرائيلية في الشمال، وعمدها شروع الجيش الإسرائيلي في عملية ساحقة مضادة”.

ونوه شوفال إلى أن “كبار خبراء الأمن، يعتقدون بأن نجاحها في تدمير قواعد الصواريخ الإيرانية يشبه إنجاز إبادة سلاح الجو المصري صباح حرب الأيام الستة”، لافتا إلى أنه “لا يزال هناك الكثير من الغموض في المعركة، وكذا الغموض السياسي”.

وفي ظل ذلك، يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر للشؤون الأمنية والسياسية ” كابنيت” اجتماعا خاصا لبحث المشهد في قطاع غزة، وهو الاجتماع الرابع على التوالي خلال أيام قليلة فقط، ما يشير إلى مدى احتدام النقاش في تل أبيب حول غزة، وهو ما يظهره أيضا موقف وزير التعليم نفتالي بنيت، الذي يرفض أي جهود للتسوية ويراها ” هدية لحماس”.

وكالات