رام الله الإخباري
يستند الفلسطيني غازي أبو مصطفى إلى عكازين خشبيين ويحرك ساقه المصابة بصعوبة بالغة بينما كان يسير ببطء قرب الحدود الشرقية لمدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، أثناء مشاركته في مسيرة "العودة"، أمس الجمعة، قبل أن تباغته رصاصة إسرائيلية مباشرة قاتلة في رأسه ليرتقي شهيدا مضرجا بدمائه.
ولم تمنع إصابة الفلسطيني أبو مصطفى (43 عاما) السابقة في ساقه اليسرى بالرصاص الإسرائيلي خلال مشاركته بمسيرة "العودة"، في الأسابيع الماضية، القناصة الإسرائيليين من استهدافه مجددا وقتله هذه المرة.
وتقول لمياء أبو مصطفى (35 عاما)، زوجة الشهيد الفلسطيني: "لم تشفع إصابة زوجي في ساقه وعدم قدرته على المشي، له عند القنّاص الإسرائيلي، الذي أطلق النار على رأسه مباشرة بلا أي رحمة".
وتضيف لمياء لوكالة الاناضول : "أنا أعمل ممرضة ميدانية متطوعة في مسيرات العودة شرقي مدينة خانيونس، وزوجي يرافقني إلى هناك للمشاركة في المسيرات".
"في هذه الجمعة ذهبت مع زوجي مبكرًا وجلسنا نتسامر لنحو ثلاث ساعات، حتى بدأت الجماهير تتوافد فتحركنا سويةً هو على عكازيه وأنا بملابسي البيضاء التي تدلل على عملي كممرضة ومُسعفة"، تكمل لمياء.
وتتابع "عندما اشتدت وتيرة الأحداث وبدأ يسقط الجرحى برصاص القوات الإسرائيلية تركت زوجي وأسرعت مع زملائي المسعفين لنقل جريح وعلاجه ميدانيا".
وأردفت: "في الأثناء شاهدت زوجي غازي قريب من الحدود، ومن حوله قنابل الغاز فخفت عليه وأسرعت إليه وأمسكت به وسندته وأخرجته لمكان يبعد أكثر من 300 متر عن السياج الحدودي". ما هي إلا دقائق حتى تطلبت الأوضاع مفارقة لمياء لزوجها للمرة الثانية فقد وصلت إصابة جديدة اضطرتها إلى مرافقة الجريح بسيارة إسعاف لمجمع "ناصر" الطبي، في مدينة خانيونس.
وعندما عادت الممرضة الفلسيطنية إلى موقع المسيرة وجدت بعض زملائها في حالة حزن شديد، بينما كان آخرون يحاولون إسعاف أحد المصابين عبر إجراء تنفس اصطناعي له.
وتقول لمياء: "عرفت على الفور أن الشخص المصاب هو زوجي وما هي إلا لحظات حتى استشهد فإصابته كانت خطيرة للغاية. لا أكاد أصدق أنه فارق الحياة فقد كنت برفقته قبل نحو نصف ساعة من إصابته وتناولنا بعض العصير".
ولم تستطع الشابة الفلسطينية أن تحبس دموعها التي انهمرت للحظات، قبل أن تكمل حديثها: "لم أكن أعلم أن الدقائق التي قضيتها مع زوجي ستكون آخر اللحظات الجميلة التي أعيشها معه. ما الخطر الذي يشكله هذا الجريح الفلسطيني على إسرائيل لتقتله".
ولم تشعر الممرضة لمياء، في يوم، بأي خوف خلال عملها بإسعاف الجرحى في مسيرات "العودة"، رغم حجم القوة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية في قمع المسيرات والأعداد الكبيرة من الجرحى والشهداء، فزوجها طالما شجعها وساندها.
وتقول: "كان غازي يشجعني بقوة على آداء مهنتي ويفخر بعملي، إضافة لتواجده الدائم إلى جواري خلال العمل كان يشعرني بالاطمئنان والراحة. كنا دائما مع بعضنا البعض".
وتضيف: "زوجي كان يتمنى العودة إلى فلسطين المحتلة، وكان يصر على المشاركة في مسيرة العودة رغم إصابته ووضعه الصحي، للمطالبة بحقه والدفاع عن وطنه وأرضه بشكل سلمي". وتطالب زوجة الشهيد الفلسطيني المحاكم الدولية بمقاضاة إسرائيل على قتلها لزوجها المصاب.
وإصابة أبو مصطفى في ساقه بمسيرة "العودة" لم تكن الأولى، فقد أصيب برصاصة إسرائيلية في عينه اليُسرى خلال أحداث الانتفاضة الفلسطينية نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أفقدته النظر بها، واستبدلها بصناعية.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أمس، عن استشهاد أبو مصطفى، خلال مشاركته في مسيرة "العودة" المتواصلة منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم في فلسطين التاريخية عام 1948، وبرفع الحصار عن القطاع المتواصل منذ 2007.
وتقمع قوات الاحتلال هذه المسيرات السلمية ما أسفر عن استشهاد 155 فلسطينيا وإصابة أكثر من 17 آلف آخرين بإصابات مختلفة، بحسب بيانات فلسطينية رسمية.
الاناضول