رام الله الإخباري
جاء تأهل أربعة منتخبات عربية في النسخة الحالية لكأس العالم (روسيا 2018) بمثابة الحدث الذي لم يكن يتوقعه الكثيرون، خاصة مع انتظار تغيير نظام البطولة من 2026؛ ليكون التأهل في المستقبل إن لم يكن سهلاً، إلا أنه لن يكون بمثل الصعوبة التي رأيناها الآن، ومن المنتظر أن نراها في النسخة القادمة.
ولكن مع نهاية الجولة الأولى من دوري المجموعات، انقلبت فرحة التأهل التي شاهدناها في العام السابق للشعوب العربية إلى ما يشبه الصدمة التي لم يكن يتوقعها الكثيرون، بخسارة قاسية في مباراة الافتتاح وضياع مجهودات كبيرة في الدقائق الأخيرة من مبارياتها، وكأن هنالك شبه اتفاق على أن العرب اجتمعوا في المونديال؛ ليخسروا في الدقائق الأخيرة.
خسارة مصر ومن ثَم المغرب وتبعتهما تونس في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة أصبحت شبه ماركة مسجلة للعرب في هذا المونديال، وأصبح البعض يروّج إلى أنها لعنة أصابت المنتخبات العربية، بينما الحقيقة هي أبعد ما تكون عن اللعنة التي يحاول أن يروج لها بعض المتعاطفين مع المنتخبات العربية.
العرب وكأس العالم.. لماذا لم نرتقِ للطموح؟!
خسارة المنتخبات العربية في هذا المونديال بنهاية الجولة الأولى أثبتت أننا وبالرغم من وصولنا لكأس العالم في نسخته الحادية والعشرين، إلا أننا لم نتعلم الدرس بعد، وأن مجرد التأهل للمونديال أصبح أقصى أمنيات العرب، بينما نجد باقي الكرة الأرضية تبحث عن الإنجاز والإعجاز في تقديم أثر لا ينساه الجميع، ومن أول مشاركة، بينما نحن حتى الآن ما زال يكفينا أن نقاتل في كل مباراة ونخسر في النهاية؛ لنعود ونردد الأسطوانة المحفوظة مع نهاية المباراة: "إننا خرجنا بشرف".
والجديد في هذه النسخة هي الظاهرة التي أوقفت قلوب الملايين من العرب، وهي الخسارة في الدقائق الأخيرة، فلماذا هذه الظاهرة مع المنتخبات العربية دونما باقي المنتخبات؟
(1) غياب التركيز
مباريات العرب في الجولة الأولى أرسلت رسالة واضحة حتى للمشجع غير الخبير بأن لدينا مشكلة مع التركيز الذهني في الدقائق الأخيرة من المباريات، فكل المنتخبات العربية خسرت مبارياتها في الدقائق الأخيرة؛ مصر خسرت في الدقيقة (95) ولم نفِق من هذه الصدمة القاسية حتى تبعتها المغرب بالخسارة في الزمن بدل الضائع (95)، ولم تشذ تونس عن هذه القائمة لتأتي هي الأخرى لتخسر في الدقيقة (91)، حتى المنتخب السعودي صاحب أقسى خسارة في هذا المونديال حتى الآن تم إحراز هدفين من الأهداف الخمسة في مرماه في الدقيقة (91) و (94) على التوالي.
(2) اللعب على التعادل
منذ إجراء القرعة ومعرفة كل منتخب مجموعته، انتشرت التوقعات والمسارات التي يجب أن تسير على كل منتخب للتأهل للدور القادم، وكل التوقعات اجتمعت على أنه يجب على المنتخب العربي أن (يتعادل) مع ذلك المنتخب الأوروبي؛ ليأتي (ليفوز) على ذلك المنتخب اللاتيني؛ ليتمكن من التأهل (للدور) القادم.
وكان هنالك شبه اتفاق بين المحللين ورواد السوشيال ميديا على مثل هذه المسارات، وهذا في حد ذاته نوع من أنواع الاستسلام المبكر، فإذا كانت لديك القدرة على التأهل للمونديال من بين العشرات من المنتخبات الأخرى، فلماذا هذا التفكير الاستسلامي؟!
فهل كان يتوقع أحد أن يقتنص المنتخب الأيسلندي نقطة من المنتخب الأرجنتيني صاحب الإمكانيات العالية والكتيبة المدججة بالنجوم؟! وهل توقع أحد أن يفوز المنتخب المكسيكسي على صاحب اللقب والمرشح الأبرز للاحتفاظ باللقب؟! وماذا عن المنتخب السويسري الذي فاجأ الجميع ووقف وقفة النّد للند مع راقصي السامبا، واستطاع أن يتقاسم معهم نقاط المباراة!
الهدف من تلك الأمثلة -عزيزي القارئ- هو أنه عندما يكون الطموح هو الذي يسبق الأقدام يكون الإنجاز فريداً، ويستحق أن يُذكر في صفحات التاريخ، بينما نحن (العرب) كل همنا بعد أن تأهلنا لهذا المونديال العالمي أن نتعادل لنتأهل كثاني المجموعة.
(3) أخطاء بالكربون
المتابع لخسارة المنتخبات العربية يجد أن معظم الأهداف التي سكنت مرمى المنتخبات العربية في الجولة الأولى وكانت سبباً في خسارتها لنقاط المباراة أتت بعد أن يرتكب المدافع خطأ قاتلاً في توقيت قاتل في منطقة قاتلة يكون إحراز الأهداف منها مضموناً بنسبة (99%)، بل بعض المنتخبات العريقة تعتبر تنفيذ الأخطاء من المناطق المحيطة بقرب خط الـ(18) بمثابة الهدية التي لا يمكن تعويضها لقدرتها على تشكيل الفارق من مثل هذه المناطق.
هذه النقطة لم يستطِع كل اللاعبين، خاصة المدافعين والأجهزة الفنية المرافقة لها، إدراك أن الدقائق الأخيرة من المباريات لا تحتمل مثل هذه الأخطاء في مثل هذه الأماكن، ولكن يبدو أن العقلية العربية التي ذهبت للمونديال أبعد ما تكون عن الاحترافية أو إبداء حُسن التصرف.
(4) الاحتفال قبل صافرة النهاية
"كرة القدم لا أمان لها" مقولة اعتدنا على سماعها منذ أن تفتحت أعيننا على متابعة وممارسة هذ المجنونة، وهذا ما لم يفطن له لاعبو المنتخبات العربية في مبارياتهم في هذا المونديال، فأن تحتفل مبكراً وقبل إطلاق صافرة الحكم يمكن يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها، وهذا ما شاهدناه في مباريات المنتخبات العربية في هذا المونديال.
وماذا بعد هذه الخسائر المؤلمة؟!
حتى الآن فالكرة ما زالت في ملعب المنتخبات العربية، بالرغم من صعوبة مبارياتها الأخرى وكون أن باقي الفرق ستكون أكثر من مستعدة وقد رتبت أوراقها جيداً للجولة الثانية، خاصة الفرق الكبيرة والمرشحة، وتلك التي يتوقع لها أن تذهب بعيداً.
نعم يمكننا القول إن المهمة أصبحت أصعب من قبل بعد التفريط في نقاط المباراة الأولى، والتي هي الأساس التي يمكن أن يُبنى عليه لقادم الجولات؛ لذلك يمكن أن تكون للمنتخبات العربية آمالها وطموحها لمحو الصورة السيئة والمهزوزة التي ظهرت بها في الجولة الأولى.
وهذا لا يمكن أن يأتي إلا بطرد المعتقدات البالية التي ما زلنا متمسكين بها، وأولها هو أن مجرد القتال في المباراة يمكن أن يكون كافياً في مثل هذه التظاهرات الكبيرة.
بعض المنتخبات العربية كالمنتخب المصري والمغربي يمكننا أن نقول عنها إنها تملك مقومات الصمود إذا تعاملت مع الجولتين المتبقيتين بنوع من الجدية والطموح وإثبات مقولة بأنه لا مستحيل تحت الشمس، يمكن أن يكون حافزاً لها لتدارك ما تم إهداره من نقاط ومجهود.
بينما المنتخبان العربيان الآخران (السعودية وتونس)، فيبدو أن المسار أمامهما ما زال طويلاً، خاصة المنتخب السعودي الذي ظهر بلا طعم ولا لون في افتتاحية المونديال، بينما المنتخب التونسي عليه الخروج من مناطقه الدفاعية لأخذ زمام المبادرة وعدم الاكتفاء بالدفاع في مناطقه.
عربي بوست