رام الله الإخباري
قبل أن يبدأ الموسم الرمضاني، راهن كثرٌ من متابعي الدراما السورية على مسلسل "الواق واق"، وقدرته على إنقاذ سمعة الدراما السورية التي باتت في الحضيض، بعد سنوات عجاف غابت فيها أية ملامح إبداعية عن الدراما المغرقة بالرسائل السياسية، وذلك لأن المسلسل يشهد عودة الشراكة الفنية ما بين المخرج الليث حجو والكاتب ممدوح حمادة؛ الشراكة التي أسفرت عن إنتاج الكثير من المسلسلات السورية المتميزة في سنين ما قبل الثورة، أهمها "ضيعة ضايعة".
إلا أن الحلقات الأولى من المسلسل كانت كفيلة بتبديد كل تلك الآمال. تقوم حبكة المسلسل على حكاية افتراضية لسفينة تتحطم في أحد المحيطات، وينجو منها عدد من الأشخاص سرعان ما يتجمعون على سطح جزيرة قريبة، لتبدأ هناك الأحداث في رحلة بحثهم عن سبل للنجاة.
ورغم أنها كثيرة هي الأفلام والمسلسلات التي بنيت حبكتها على غريزة البقاء وسعي الإنسان أو المجموعات البشرية نحو النجاة، إلا أن مسلسل "الواق واق" يبدو أسوأ نسخة من هذا النمط الدرامي، وذلك لعدد من الأسباب، نذكر منها:
الغرافيك والمؤثرات البصرية
يبدو الضعف الإخراجي واضحاً في المشهد الأول من المسلسل؛ غرق السفينة، إذ إن المشهد الذي يصر مخرج العمل على إقحامه في بداية كل حلقة ويتعامل معه كإنجاز على المستوى البصري، يبدو بارداً وضعيفاً وتبدو المؤثرات البصرية فيه بدائية وغير مقنعة.
كيف تعيش شخصيات المسلسل؟
رغم أن السفينة تتحطم في عرض البحر، ولا يتمكن معظم الناجين من جلب أغراضهم وأمتعتهم، ورغم أن الجزيرة التي يجتمعون فيها لا تحوي نهراً أو بركة للمياه الصالحة للشرب، فإن الشخصيات تعيش على الجزيرة منذ اللحظة الأولى من دون أن تبالي بهذه الكارثة، الكارثة التي شكّلت نقطة الانطلاق لمعظم الأفلام والمسلسلات المشابهة؛ لدرجة تجعلك تعتقد بأن الناجين يشربون من مياه البحر، أو أن أحدهم يمتلك جهازاً لتحلية المياه في جيبه، وذلك ليس أقل سذاجة من وجود عالمة آثار بين الناجين، تتمكن من قراءة لغة منقرضة على حجر موجود في الجزيرة، من دون أن تتمكن من تحديد موقعها! وأما الطعام، فحدث ولا حرج، فالناجون يفاضلون طيلة الوقت بين أنواع المعلبات التي يأكلون منها من دون حساب، ويمررون في حواراتهم بعض الإفيهات عن فساد الأطعمة التي تقدم كمساعدات إنسانية! فضلاً عن تمكن بعض الخراف والأبقار من النجاة والسباحة من السفينة التي غرقت في عرض البحر إلى نفس الجزيرة!
كارثة أم نزهة؟
وصل جميع الناجين إلى الجزيرة وكوّنوا مجتمعاً صغيراً لا يحكمه أي منطق درامي. كما أن حادثة الغرق لا تتبعها أي تبعات، فلا نعرف إن كان هناك ضحايا آخرون، ولا يناقش أحد مسألة النجاة والإنقاذ؛ ففي الوقت الذي تجد فيه المسلسلات والأفلام التي تقوم حبكتها على موضوع النجاة ترتكز على الصراع بين أفراد يبحثون عن النجاة بشكل فردي وآخرين يبحثون عن حلول جماعية ومتسلطة تبررها ذرائع إنسانية، فإننا في "الواق واق" نرى شخصيات تتعامل مع الكارثة كنزهة، ويخططون للمرحلة القادمة دون وعي بالوضع القائم.
نكات في البحر
بعد أن تغرق السفينة، تجد فجأة أبطال المسلسل في عرض البحر، يعومون ويتبادلون الأحاديث ليتعرفوا بعضهم على بعض. ماذا يقال في هذه المشاهد التعريفية؟ كل شخصية تحاول أن تعرفنا بنفسها وكأنها تجلس في صالون أو مقهى، وتتحدث عن طموحاتها وأحلامها وآرائها المتطرفة في اختصاصها، ويتناسى الجميع الظرف، الذي من المفترض أن يكون مسيطراً على عقولهم! وبعد أن يصلوا إلى الجزيرة، لا تخرج الأحاديث عن هذا السياق، فتجد الشخصيات تناقش التعصب والتدين وتتحاور حول البورصة وحقوق النساء والفن، ضمن إطار لامعقول ومكرر، تتخلله مجموعة من النكات السياسية السمجة المكررة بدورها، كالسخرية من الحلم الأميركي بحياة أفضل والاستهزاء من المساعدات التي تقدم للاجئين السوريين.
زمن متوقّف
في الوقت الذي تجد فيه شخصيات "ذا هاندريد" -الذي تنتجه "ذا سي دابليو" الأميركية- يتطور وعيها وفقاً للأحداث التي تصادفهم بشكل لحظي في مكان تجمعهم الجديد، وتتغير آراؤهم وأفكارهم ومحاور الصراع وفقاً للمخاطر التي يتعرضون لها؛ فإننا في "الواق واق" نشعر بأن الزمن توقف لدى الشخصيات، فتسير الأحداث بإيقاع بطيء من دون أن تحمل أي تطورات، ومن دون أن يكون هناك أساس متين وروابط بين الشخصيات من الممكن أن تخلق أي لحظة درامية.
رسائل مباشرة
مما لا شك فيه أن "الواق واق" يحمل في طياته رموزاً ودلالات تشير إلى ضياع السوريين ومعاناة اللاجئين، إلا أن تلك الرسائل يتم تمريرها بشكل مباشر؛ ما يلغي أي قيمة للمحتوى الرمزي في العرض، ولا سيما أن الأفكار التي يطرحها المسلسل لطالما تم التعبير عنها من دون اللجوء للمواربة. كما أنه لا يمكن تبرير اللامنطقية في المسلسل من خلال بذريعة الكوميديا، خصوصاً أن المسلسل باهت وضعيف وغير قادر على انتزاع الضحك من وجوه المشاهدين.
العربي الجديد